هل تسبب المشروع العلمي الأمريكي “HAARP” بزلزال تركيا وسوريا؟
حضرت نظرية المؤامرة بمنشورات عبر مواقع التواصل الاجتماعي، وبعض وسائل الإعلام، حول وجود أسباب غير طبيعية للزلزال المدمر الذي ضرب تركيا وسوريا، وخلف أكثر من 25 ألف قتيل.
وزعم مغردون أن سبب الزلزال هو برنامج علمي أمريكي يطلق عليه “HAARP”.
وشارك ناشطون عرب وأتراك، وغربيون في الترويج لنظريات مؤامرة، إذ قالت بعض الروايات إن رفض أنقرة دخول السويد لحلف الناتو دفع الغرب إلى الانتقام بافتعال الزلزال.
واعتبر ناشرو هذه الرواية أن الولايات المتحدة ضربت تركيا إما عبر البرنامج العلمي “هارب”، أو عبر قنبلة نووية صغيرة، مشيرة إلى أن توصية بعض الدول الغربية رعاياها الموجودين في تركيا بأخذ الحذر وقرار “إغلاق سفارات غربية في أنقرة”، وقنصليات في إسطنبول، دليل على صحة روايتهم، رغم أن العاصمة وإسطنبول لم تتأثرا جراء الزلزال.
دراسة الغلاف الأيوني
ووفقا لموقع برنامج HAARP فإن المشروع يهدف إلى دراسة خصائص وسلوك الأيونوسفير “الغلاف الأيوني”، وهي “طبقة على حافة الفضاء مباشرة، إلى جانب الغلاف الجوي العلوي المحايد، وترتفع عن سطح الأرض 50- 400 ميل”.
وسعيا من “عربي21” للبحث عن الحقيقة، فإنها تواصلت مع عدد من الخبراء المختصين بالزلازل والباحثين الذين يدرسون أسبابها.
أسباب طبيعية
أكد مركز علوم المخاطر الجيولوجية في هيئة المسح الجيولوجي الأمريكية، أن “الزلازل تحدث بسبب قوى داخل الأرض، وهي حركة السوائل الناتجة عن الحرارة في طبقة “الوشاح” تحت القشرة”.
رابط مستحيل تحققه
من جهته اعتبر البروفيسور ويليام إلسورث أستاذ أبحاث الجيوفيزياء بجامعة ستانفورد الأمريكية، في كاليفورنيا، أن “الربط بين HAARP وزلزال تركيا أمر مؤسف”، مؤكدا “أنه من المستحيل حدوث ذلك”.
وأوضح إلسورث، أن “الزلزال أطلق الطاقة التي تم تخزينها في القشرة من خلال الحركة البطيئة للصفائح التكتونية على مدى قرون، وقد بدأ في أعماق الأرض، بعيدًا عن أي تفاعل مادي مع السطح القريب أو فوقه”.
وأكد أنه “لا يوجد دليل علمي بأي شكل من الأشكال على أن طبقة الأيونوسفير التي يدرسها البرنامج العلمي HAARP لها أي دور في التسبب في الزلازل”.
وأضاف: “أعتقد أنه من غير المسؤول إثارة قضية تورط الإنسان في زلزال تركيا دون دليل، علينا احترام الحقائق العلمية، ففي حين أن الزلازل لا يمكن التنبؤ بها على المدى القصير، فإن الصدوع التي تمزقت في الزلازل كانت معروفة وفهم أنها تمثل خطرًا كبيرًا، ووقعت المأساة بسبب المباني التي لم يتم تشييدها لتحمل شدة الاهتزاز”.
كذلك نفى أستاذ المخاطر الطبيعية والبيئية في جامعة “كينغز كوليج لندن” (King’s College London)، البروفيسور بروس مالامود، “وجود رابط وثيق أو محتمل بين البرنامج البحثي -الشفق النشط عالي التردد (HAARP)- والتسبب في الزلازل من أي درجة، بما في ذلك الزلزال المأساوي الأخير في تركيا”.
وأوضح مالامود، أن “- HAARP- برنامج بحثي مخصص لدراسة الأيونوسفير، وهو جزء من الغلاف الجوي العلوي للأرض، يقع حوالي 48 إلى 965 كيلو متر فوق مستوى سطح البحر”.
وأكد أنه “لا توجد آلية فيزيائية معروفة تدل على أنه يمكن أن يكون HAARP قد تسبب في حدوث زلازل، وأي ادعاءات بمثل هذه الروابط تقع خارج نطاق العلوم الطبيعية، ويجب تجاهل أي دعوة من أي شخص للربط بين البرنامج وحدوث الزلازل، مثل منظري المؤامرة، كما يجب معالجة ادعاءاتهم على أنها أخبار كاذبة”.
خيال علمي
أستاذ الجيولوجيا في الجامعة الهاشمية الأردنية، وخبير الزلازل أحمد الملاعبة، قال ردا على النظريات التي تقول إن زلزال تركيا سببه قنبلة نووية صغيرة أو مجال مغناطيسي، إن “الزلازل طبيعية وتُفسر جيولوجيا منذ نظرية الانزياح القاري (منذ عام 1911) وتكتونية الصفائح، والغلاف المغناطيسي الأرضي ليس سيركا لاستعراض قوى الشر ولا يستطيع أحد أن يفجر الصفائح ويحدث زلازل عملاقة”.
وأوضح الملاعبة في منشور في صفحته على موقع فيسبوك، أن “الانفجار النووي ليست فقاعة هواء مثل التي يلهو بها الأطفال بل كارثة لها خواصها وتُميز بدقة عن غيرها”.
ولفت إلى أن “التقارير المصورة الكاذبة عن محطات المجال المغناطيسي لا يمكن أن تُعتمد، وإنما هي نوع من الخيال العلمي والشبكات السلكية التي تظهر بها هي لتسجيل موجات الإشعاع القادم إلى الأرض من الفضاء”.
وختم منشوره بالقول: “السدود الضخمة بمليارات الأمتار المكعبة لها دور في ترشيح الماء نحو الخزانات الجوفية، وبالتالي زيادة المخزون والتغلغل بين الكسور: الفواصل والفوالق في الخزانات، وبالتالي تحركها.. وتساعد إلى حد ما في حدوث هزات أرضية خفيفة بقوة لغاية 2 أو 3 درجات بحسب مقياس ريختر ولكن من الصعب أن تُسبب زلازل عملاقة”.
سبب بشري ولكن..
ولكن على الرغم من نفي العلماء لأي دور بشري في زلزال تركيا، فهل يمكن أن يتسبب أي نشاط إنساني سواء كان عسكريا أم مدنيا بحدوث زلازل بشكل عام؟
أكد أستاذ المخاطر الطبيعية والبيئية البروفيسور بروس مالامود، أن “معظم الزلازل التي يسببها الإنسان ناتجة عن التخلص من النفايات السائلة الناتجة عن إنتاج النفط إلى سطح الأرض، مع نسبة صغيرة جدًا من التكسير الهيدروليكي (التكسير)”.
وأضاف: “ومع ذلك، فإن قوة معظم الزلازل القصوى التي يمكن ملاحظتها والتي يسببها الإنسان على مدى الـ150 عامًا الماضية بواسطة HiQuake (قاعدة بيانات الزلازل التي يسببها الإنسان) تكون درجتها 3-4 درجات على مقياس ريختر، ولا توجد روابط معروفة بين التخلص من سوائل النفايات وعمليات التكسير والزلازل الأكبر بكثير، مثل الزلزال الأخير في تركيا”.
بدوره قال أستاذ أبحاث الجيوفيزياء، ويليام إلسورث، إنه “من الممكن أن يُسبب نشاط بشري محدد زلزالا، ولكن في ما يخص زلزال تركيا الأخير فإنه لا يوجد دليل واحد على أن هناك نشاطا بشريا تسبب فيه، حيث إن كل الدلائل تشير إلى أنه كان حدثًا طبيعيًا، ومن المؤكد أن الطاقة المنبعثة في الزلزال كانت بسبب القوى التكتونية الطبيعية”.
وحول أكبر قوة زلزال تسبب فيها البشر، قال: “سابقا بُلغ عن زلازل تبلغ قوتها 6 درجات على مقياس ريختر سببها نشاط بشري، ولكن في العقود الأخيرة لم يكن هناك زلزال من هذا النوع بهذه القوة”.
أما مركز علوم المخاطر الجيولوجية في هيئة المسح الجيولوجي الأمريكية، فقال، “وجدنا أن الزلازل الصغيرة يمكن أن تحدث عن طريق حقن المياه العادمة “الصرف الصحي” بعد التكسير، وأكبر زلزال لاحظناه حتى الآن هو في نطاق 5 درجات فقط”.
انزلاق الصدع وليس تحركه
وفي سياق زلزال تركيا، قال رئيس المعهد الوطني الإيطالي للجيوفيزياء والبراكين، كارلو دوغليوني، إن تركيا تحركت “انزلقت” ثلاثة أمتار باتجاه الغرب بعد الزلزال المدمر الذي حدث في الساعات الأولى من صباح الاثنين.
إلا أن هيئة المسح الجيولوجي الأمريكية قالت، إن “الذي حدث هو انزلاق جانبي صدع شرق الأناضول حوالي 3 أمتار بالنسبة لبعضهما البعض، وهذا لا يعني أن تركيا بأكملها تحركت 3 أمتار”.