خط أحمر بالنسبة لموسكو.. هل تخاطر بريطانيا بتسليم طائرات حربية للجيش الأوكراني؟
لم يكد الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي، يغادر العاصمة البريطانية لندن، بعد زيارته التي دامت ليومين في المملكة المتحدة، حتى اشتعل جدل واسع بين المحللين العسكريين والسياسيين البريطانيين، بسبب الطلب الذي تقدم به زيلينسكي صراحة إلى الحكومة البريطانية وهو تزويده بالطائرات الحربية.
وما زاد من حدة هذا الجدل، هو رد الفعل البريطاني، الذي كان إيجابيا لحد بعيد، بعدم استبعاد رئيس الوزراء البريطاني ريشي سوناك، تقديم طائرات حربية إلى الجيش الأوكراني وطلبه من وزير الدفاع بن والاس دراسة الموضوع، وتقديم تقرير بمدى نجاعة هذه الخطوة، وكذلك تأثيرها على الأمن القومي البريطاني.
بطبيعة الحال، أوكرانيا استقبلت هذا الخبر بالكثير من الترحيب خصوصا أنها ترى فيه فتحا للباب أمام دول أوروبية أخرى لتحذو حذو المملكة المتحدة، لكنه قوبل بالتوجس والحذر في أوساط الخبراء العسكريين البريطانيين.
وأول سؤال يتبادر إلى الأذهان عن طبيعة الطائرة الحربية التي قد تسلمها بريطانيا إلى الجيش الأوكراني، وتذهب جل التحليلات إلى أن الأمر يتعلق بطائرات “تايفون” (Typhoon)، من طراز “تي 1” وهي طائرات لها قدرات قتالية محدودة وقادرة على القيام بمواجهات في الجو، إضافة للقيام بعمليات قصف من الأرض نحو الجو، ومن المتوقع أن تخرج هذه الطائرات عن الخدمة سنة 2025، ما يعني أن منحها للجيش الأوكراني لن يشكل خسارة كبيرة للجيش البريطاني.
وتم استبعاد طائرات “إف 16” وكذلك طائرات “إف 35” حتى الآن، بالنظر للحاجة إلى موافقة أميركية أولا، وثانيا لأن تدريب الطيارين الأوكرانيين على استعمال هذه الطائرات سيتطلب مدة طويلة، وثالثا فإن هذه الطائرات ما زالت كلفتها عالية وخسارتها في أرض المعركة سيشكل خسارة ضخمة، وضربة لصورة هذه الطائرات أمام منظومات الدفاع الروسية.
هل ستقلب المعادلة؟
بقليل من التفاؤل يتحدث البروفيسور جاستن برونك كبير الباحثين في شؤون الدفاع الجوي في “معهد المملكة المتحدة للخدمات ودراسات الأمن والدفاع” (RUSI)، عن إمكانية إحداث الطائرات الحربية البريطانية من طراز “تايفون” تغييرًا حقيقيًّا لمجريات المعارك الدائرة في أوكرانيا.
ويعدد البروفيسور البريطاني، الصعوبات التي سوف تعترض وصول هذه الطائرات إلى أوكرانيا وأيضا المخاطر التي ستواجهها في حال شاركت في المعارك.
وأول خطر سوف يواجه هذه الطائرات، أن عليها تطوير قدراتها الدفاعية في مواجهة الطائرات الحربية الروسية في الجبهة، وأيضا تحاشي صواريخ “كروز” الروسية الموجودة حاليا فوق الأراضي الأوكرانية.
ويرى الخبير العسكري أن مهمة هذه الطائرات ستكون صعبة أو شبه مستحيلة وذلك بسبب ما تتوفر عليه روسيا من منظومات دفاع تم وضعها في أوكرانيا.
تحدي الدفاعات الروسية
ويبقى التحدي الأكبر والأكثر خطرا من وجهة نظر البروفيسور البريطاني هو منظومة الدفاع “سام”، سواء تعلق الأمر بـ”إس 300” أو منظومة “إس 400″، وكلها منظومات قادرة على تهديد طائرات حربية على بُعد 100 كيلومتر.
وفي الوقت ذاته فقد تعرض مخزون الجيش الأوكراني من صواريخ “إس 11″، و”إس آي 8” للاستنزاف، بسبب محاولات صد الطائرات دون طيار الروسية، ما سمح للطائرات الروسية بالقيام بدوريات على ارتفاع عال وبسرعة فائقة على الجانب الروسي من الخطوط الأمامية للمعركة.
في المقابل، فإن الطائرات التي قد تصل للجيش الأوكراني سيكون عليها التحليق على علو منخفض من أجل تجنب المنظومات الدفاعية، لكنها ستكون هدفا سهلا للطائرات الروسية التي تحلق أعلى وبسرعة كبرى.
ويشير البروفيسور البريطاني إلى مشكلة أخرى تتعلق بالقواعد العسكرية الجوية الأوكرانية، ذلك أن طائرات “تايفون” وكذلك “إف 16″، تحتاج إلى مدارج تكون سلسة وطويلة نسبيا حيث لم يتم تصميمها من أجل الهبوط على مدارج قصيرة، ولهذا سيكون على القوات الأوكرانية تمديد مدارجها في القواعد العسكرية، وهو ما قد يتم رصده من طرف الأقمار الصناعية الروسية، وتتعرض هذه المدارج لقصف بري وبحري روسي سريع.
ماذا عن البقية؟
كالعادة فإن بريطانيا هي السباقة للإعلان عن دراسة هذه الخطوة الكبيرة في إرسال طائرات مقاتلة إلى أوكرانيا، كما كانت السباقة لإرسال دبابات إلى الجيش الأوكراني، لكن الجميع يعلم في لندن وأوروبا وموسكو وكييف، أن الحكومة البريطانية لن تقدم على هذه الخطوة دون تنسيق وموافقة من واشنطن.
ومن أجل طمأنة الحلفاء، فقط تحدثت مصادر من رئاسة الوزراء البريطانية لوسائل الإعلام البريطانية، عن كون لندن تدرس بحذر هذا الخيار، ولن تقدم على أي خطوة إن كان هناك تقدير عسكري بأن الأمن البريطاني قد يتعرض للخطر، إضافة إلى الحاجة للحصول على موافقة كل من إسبانيا وإيطاليا وألمانيا قبل إرسال طائرات “تايفون”، والحصول على موافقة أميركا لإرسال طائرات “إف 35″، وهذا خيار مستبعد حتى الآن.
وحتى الآن لم يتم البدء في برنامج تدريب الطيارين الأوكرانيين على استعمال طائرات “تايفون” ما يعني أن عملية تسليم الطائرات قد تتطلب أشهرا إضافية.
وإضافة إلى بريطانيا، فهناك إشارات قادمة من فرنسا عن إمكانية تدريب الطيارين الأوكرانيين، تمهيدا لتسليم الجيش الأوكراني طائرات حربية فرنسية، لكن حتى الآن لم يتم تأكيد الخطوة رسميا، فضلا عن تلويح الدانمارك بنفس الإمكانية.