آثاره تلاحق الاقتصاد التركي.. تعرف على حجم الخسائر المادية التي خلفها زلزال كهرمان مرعش
لا تزال الآثار المدمرة للزلزال الذي ضرب جنوبي تركيا وشمالي سوريا فجر الاثنين الماضي، والذي صنفته السلطات التركية بأنه أحد أسوأ الكوارث الطبيعية في البلاد خلال قرن؛ تتكشف تدريجيا مع ارتفاع عدد الضحايا تزايد حجم الخسائر المادية التي لحقت بالعمران والبنية التحتية.
وأعلنت السلطات التركية انهيار أكثر من 7 آلاف مبنى في الولايات العشر التي تأثرت بالزلزال الذي بلغت شدته 7.8 درجات على مقياس ريختر، والهزات الارتدادية التي تبعته، التي فاقت شدة بعضها 6 درجات؛ مما عمق الأضرار وأدى إلى انهيار المزيد من المباني، لتعلن الحكومة أن الولايات المتأثرة “مناطق منكوبة”.
وتأثرت البنية التحتية للمنطقة بشدة بالزلزال المدمر، حيث تعرضت العديد من الطرق السريعة الواصلة بين الولايات المنكوبة للتصدع؛ مما عرقل حركة السير، كما تعرضت المطارات العاملة في المنطقة إلى أضرار بالغة، مما أخرج 4 منها -من أصل 7- عن الخدمة، وأهمها مطار أنطاكيا الدولي، الذي يعد إحدى نوافذ التصدير الرئيسية لتركيا، حسب خبراء.
أما أنابيب النفط والغاز الطبيعي، فقد تضررت بالزلزال، في حين ضاعفت الظروف الجوية السيئة والأضرار التي لحقت بالطرق مشكلة إمدادات الوقود في المناطق المنكوبة، فقد أعلن وزير الطاقة التركي فاتح دونماز وجود أضرار كبيرة في خطوط نقل الكهرباء والغاز الطبيعي في منطقة الزلزال.
وأعلنت السلطات لاحقا، إيقاف تدفقات النفط من خط أنابيب النفط الخام كركوك-جيهان الواصل بين العراق وتركيا، نتيجة الأضرار التي لحقت بالخط، قبل أن تعلن عودة الخط إلى العمل، كما أعلنت شركة خطوط أنابيب البترول التركية إيقاف تدفق الغاز الطبيعي إلى الولايات المتضررة من الزلزال كإجراء وقائي.
من جهتها، تأثرت موانئ المنطقة بالزلزال بشكل كبير، حيث أخرجت ميناء إسكندرون بولاية هاتاي عن الخدمة، بعد اندلاع سلسلة حرائق عملت الجهات المعنية على إخمادها.
وعلى صعيد أسواق السلع والبضائع، أعلنت وزارة التجارة التركية إطلاق عمليات تفتيش واسعة في عموم البلاد بعد مزاعم حدوث زيادات باهظة في أسعار المستلزمات الأساسية، وجاء ذلك بعدما تداول مغردون أنباء عن رفع بعض التجار أسعار الأغطية التي شهدت إقبالا كثيفا نتيجة مبيت عشرات الآلاف في العراء بنسبة 150%.
من جهتها، لم تكن أسواق الأسهم أفضل حالا، إذ هبط مؤشر بورصة إسطنبول 16% خلال 3 أيام من وقوع الزلزال، وهبط عند افتتاح جلسة تداول أمس الأربعاء وحدها 5%، مما دفع بورصة إسطنبول إلى اتخاذ قرار بإيقاف جميع التعاملات بشكل كامل الأربعاء، بعدما أوقفت التداول بشكل جزئي في وقت سابق.
تأثر مراكز الإنتاج
وتوقع مراقبون وخبراء أن يؤدي الزلزال إلى تبعات سلبية على الاقتصاد التركي الذي يمر أصلا بظروف غير مواتية، وتعد المناطق المتضررة من الزلازل من أهم مراكز الإنتاج في تركيا، حسب ما أفاد به وزير الصناعة والتكنولوجيا التركي مصطفى فارانك.
وحسب الصحفي التركي المتخصص في الاقتصاد ناغي باكر، فإن الولايات التركية العشر المتضررة من الزلازل تضم 151 شركة من بين أكبر 500 شركة صناعية في تركيا.
وتبلغ حصة المناطق المنكوبة من الناتج المحلي الإجمالي نحو 9.3%، أي ما يعادل 76 مليار دولار أميركي، حسب أرقام مؤسسة الإحصاءات التركية الرسمية، وتظهر هذه الأرقام أيضا أن هذه المناطق تسهم بـ14% في الناتج الزراعي، و11.2% من الناتج الصناعي، و1% من قطاع السياحة، و8.5% من إجمالي الصادرات التركية.
ورأى أستاذ الاقتصاد وإدارة الأعمال المقيم في إسطنبول مخلص الناظر أن تكلفة عمليات الإنقاذ والإغاثة وإصلاح البنية التحتية التي تم تدميرها ستشكل ضغطا على الموازنة العامة التركية، فهي “زيادة غير متوقعة في الإنفاق، وهذا كله يزيد من عجز الموازنة التي دخلت العام الجديد وهي تعاني بالفعل من عجز قياسي”.
وحذر الناظر -في حديث للجزيرة نت- من أن هذا سيؤدي إلى انخفاض قيمة الليرة التركية على المدى المتوسط، وقد شهدت بالفعل انخفاضا محدودا نسبيا عقب وقوع الزلزال، إذ خسرت 1.5% من قيمتها أمام الدولار الأميركي.
وعلى صعيد بورصة إسطنبول، لفت الخبير الاقتصادي إلى أنها شهدت تحركات متباينة، إذ هبطت أسهم بعض الشركات وصعدت أخرى، لا سيما شركات الإسمنت التي ارتفعت 21% في 24 ساعة، لكن ذلك لم يمنع من أن المؤشر العام للبورصة اتجه إلى الهبوط بشدة.
من جهته، كشف الكاتب السياسي التركي يوسف كاتب أوغلو (وهو رجل أعمال أيضا) للجزيرة نت عن قائمة بالآثار الاقتصادية السلبية التي من المتوقع أن يشهدها الاقتصاد التركي خلال الفترة القادمة نتيجة الزلزال المدمر.
ورأى كاتب أوغلو أن الرقعة الواسعة التي ضربها الزلزال ذات كثافة سكانية، وفيها أراض زراعية، وتضم مناطق صناعية عديدة.
القطاعات الاقتصادية المتضررة
وحسب رجل الأعمال التركي، فإن القطاعات الاقتصادية التي ستتأثر سلبا بالزلزال المدمر تتلخص في ما يلي:
- حركة الملاحة الجوية والشحن الجوي، في ظل تضرر 4 مطارات من أصل 7، أهمها مطار أنطاكيا الذي أصبح خارج الخدمة بسبب تصدع المدرجات، وكذلك الأمر بالنسبة لمطار أديمان.
- النقل البحري، فميناء إسكندرون أغلق على مدى 3 أيام متتالية بسبب اشتعال الحرائق، مما أصاب حركة النقل البحري فيه بالشلل وتكدست الحاويات داخله.
- قطاع شركات التأمين، فهناك ما يقدر بـ7 إلى 8 آلاف مبنى تعرضت للدمار معظمها مؤمنة، ومن المتوقع أن تتكبد شركات التأمين تعويضات تصل إلى مليار دولار كفاتورة أولية.
- القطاع الصناعي تأثر بشكل كبير، خاصة في غازي عنتاب وكهرمان مرعش، حيث تضررت المعامل والمصانع ذات الطاقة الإنتاجية العالية وأصبحت خارج الخدمة، والأرقام الأولية تظهر أن أكثر من 1500 منشأة متوسطة وصغيرة تضررت.
- تضرر البنية التحتية، سواء الطرق أو الجسور أو شبكات نقل الغاز الطبيعي والكهرباء والماء على امتداد رقعة واسعة تعادل مساحة إنجلترا أو بلجيكا.
- كما لا يمكن تجاوز الفاتورة البشرية الهائلة التي خسرتها المنطقة بين ضحايا وجرحى ومتضررين، فهذه الخسارة التي لا تقدر بثمن تعني ضغطا على القطاع الطبي، الذي تضرر بفعل الزلزال، حيث سويت بعض المستشفيات بالأرض في أنطاكيا والريحانية، كما تعني بالضرورة خسارة في العمالة الصناعية.
من جهتها، قدرت مؤسسة التصنيف الائتماني الدولية “فيتش” الخسائر الاقتصادية للزلزال بما بين 2 و4 مليارات دولار، حسب ما أوردته وكالة الأنباء الألمانية.
القطاع الأكثر تضررا
وتوقع الأكاديمي الاقتصادي مخلص الناظر أن تكون شركات السياحة ومجموعات الفنادق الأكثر تضررا، لأن ثمة توقعات بتراجع السياحة نتيجة تخوف السائحين من القدوم إلى تركيا في الآونة الحالية.
وبالإضافة إلى تأثر تراجع الاستثمار، رأى الناظر أن كل ما سبق سيشكل ضغطا على الليرة التركية وعلى الحساب الجاري وعلى الموازنة العامة، مؤكدا أن التأثيرات أغلبها ستكون سلبية على المدى المتوسط، وستتكشف بشكل أوضح بعد شهر إلى شهرين.
وفي ظل تطبيق نموذج اقتصادي خاص في تركيا غير مطبق في دول أخرى، يصعب بشكل عام التنبؤ بشكل وحجم التأثر الذي سيشهده الاقتصاد التركي بعد الزلزال، وفقا للخبير الاقتصادي.
وبينما أقر رجل الأعمال التركي يوسف كاتب أوغلو باستمرار التأثير السلبي على الأسواق حتى تتم لملمة الجراح والتعافي من تبعات الزلزال، ذهب إلى أن الاقتصاد التركي قادر على تجاوز هذه المحنة بأقل الخسائر نتيجة المرونة التي يتمتع بها، وتوقع أن تكون هناك عودة قوية للإنتاج، لكن هذا سيحتاج إلى بعض الوقت.