كيف يؤثر التغلغل الإسرائيلي الجديد في قارة إفريقيا على مصر؟
هل أفريقيا مقبلة على تحولات كبرى؟ تساؤل يفرضه تغلغل إسرائيلي جديد في القارة، بدا في زيارة وزير خارجيتها إيلي كوهين على رأس وفد للخرطوم؛ لاستئناف التطبيع مع السودان، وإعلان تشاد فتح سفارة في تل أبيب، إضافة إلى تدشين إثيوبيا شراكة أمنية مع كينيا وجيبوتي والصومال لمواجهة حركة الشباب الصومالية في القرن الأفريقي.
تزامُن ذلك مع ما يشهده العالم والمنطقة من اضطرابات أمنية واقتصادية لها تداعيات على مصر أثار تساؤلات حول موقف القاهرة منها؛ فمن جهة يمثل السودان عمقًا جيوستراتيجيًّا وأمنيًّا لمصر، وأي وجود لإسرائيل في أفريقيا يخصم من رصيدها بحكم الواقع والتاريخ مهما اختلفت النظم الحاكمة، كما تثير الشراكة الأمنية الجديدة في القرن الأفريقي تساؤلات حول طبيعتها وهل تمهد من خلالها إثيوبيا لتشكيل جبهة مناوئة لمصر في ملف المياه.
ويعزز من مخاوف الاختراق الإسرائيلي لأفريقيا على مصر، التي أثارها مراقبون، ما تشير إليه الأدبيات الإسرائيلية منذ تأسيس الحركة الصهيونية، أواخر القرن الـ19، من أن أفريقيا تمثل عمقًا إستراتيجيًّا وحزامًا أمنيًّا لإسرائيل لتطويق العرب، وأن المجال الحيوي الإسرائيلي يجب أن يتسع في القرن الـ21 ليشمل كل دولة تستطيع أن تشارك في عمليات هجومية أو أن تغلق ممرًّا مائيًّا، خاصة لو بها أنظمة معادية.
في المقابل، يبدو أن مصر قد تعلمت الدرس من تجاربها السابقة في إهمال أفريقيا لمصلحة أطراف أخرى، إذ عملت في السنوات الأخيرة على إحياء علاقات جيدة مع دول أفريقية -خاصة دول حوض النيل- سياسيًّا وأمنيًّا وتنمويًّا؛ بخلاف مساعيها في بلورة تكتلات تخدم قضاياها ومصالحها.
-
ما أبرز المحطات الزمنية في العلاقات الإسرائيلية بأفريقيا؟
– بدأ الاهتمام الإسرائيلي بأفريقيا جديًّا بحلول ستينيات القرن الماضي، مع حصول أغلب دول القارة على استقلالها من الاستعمار الأوروبي.
– ووجهت إسرائيل بقطيعة أفريقية شبه كاملة بين حربي 1967 و1973.
– هيأت اتفاقية السلام التي أبرمتها إسرائيل مع مصر عام 1979 فرصة لكسر عزلتها الأفريقية.
– بعد مؤتمر مدريد للسلام واتفاقيتي وادي عربة وأوسلو في تسعينيات القرن الماضي سُجّلت هرولة أفريقية نحو إسرائيل.
– بحلول 2002 تمكنت إسرائيل من استعادة علاقاتها مع 45 دولة أفريقية على مستويات دبلوماسية مختلفة.
– بيد أنها لم تفلح على مدار أكثر من عقدين في استرجاع مقعدها بصفتها مراقبا بالاتحاد الأفريقي، إذ قررت قمة الاتحاد في فبراير/شباط 2022 تجميد قرار “صفة مراقب” الذي اتخذه -منفردًا- آنذاك رئيس المفوضية موسى فقي (تشادي الجنسية) بعد احتجاج أغلب الدول الأعضاء.
– أفريقيا بالنسبة لإسرائيل تمثل إلى جانب العمق الأمني سوقًا خصبة للزراعة والتكنولوجيا وصفقات التسليح، إضافة إلى الكتلة التصويتية (55 دولة) بالمنظمات الدولية.
– بدءا من عام 2016 شهدت أفريقيا حراكًا إسرائيليًّا غير مسبوق، حين أطلق رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو شعار “إسرائيل تعود إلى أفريقيا وأفريقيا تعود إلى إسرائيل”.
– في ذلك العام، قام نتنياهو بجولات مكوكية للعديد من دول أفريقيا جنوب الصحراء، واستضافت بلاده مؤتمرًا زراعيًّا، ضمّ مسؤولين من المجموعة الاقتصادية لدول غرب أفريقيا (إيكواس/تضم 15 دولة).
– آنذاك، أعلنت إسرائيل استئناف العلاقات الدبلوماسية مع غينيا بعد قرابة نصف قرن من القطيعة.
– في عام 2017 حضر نتنياهو المؤتمر السنوي لإيكواس، في ليبيريا، في سابقة تاريخية بمشاركة زعيم غير أفريقي لأول مرة في مؤتمرات المنظمة الإقليمية.
– في العام ذاته، ألغيت قمة كان مزمعا عقدها بين أفريقيا وإسرائيل في توغو.
– في 2018 افتتحت تنزانيا سفارة في تل أبيب.
– في زيارة هي الأولى من نوعها لمسؤول إسرائيلي كبير لتشاد، أعلن نتنياهو عام 2019 استئناف العلاقات الدبلوماسية بين البلدين بعد قطيعة دامت منذ عام 1972، ولاحقًا افتتح سفارة لبلاده في رواندا.
– إلى جانب السودان، أعلنت إسرائيل في 2020 تطبيع علاقاتها مع المغرب والإمارات والبحرين، وسط توقعات بأن يحمل قطار التطبيع دولًا عربية أخرى.
– الخميس الثاني من فبراير/شباط الجاري افتتحت تشاد سفارة في تل أبيب، وزار وفد إسرائيلي يرأسه وزير الخارجية إيلي كوهين الخرطوم.
– رغم النفي المتكرر للضلوع في أزمة السد، سبق أن أوصى معهد دراسات الأمن القومي في تل أبيب باستغلال أزمة المياه وسد النهضة لتوسيع التطبيع مع القاهرة.
-
هل تشهد قارة أفريقيا والسودان إقبالًا على تحولات كبرى لمصلحة إسرائيل؟
الأكاديمي والمحلل السياسي في شؤون الشرق الأوسط وأفريقيا خيري عمر يشير إلى أن التحولات تحدث ببطء منذ التسعينيات، ساعدها على ذلك تذرّع دول القارة بأن مصر لديها علاقات مع إسرائيل.
ويضيف عمر أنه مع انحسار تجربة التحول الديمقراطي في أفريقيا دشنت النخب الحاكمة علاقات واسعة مع تل أبيب، بخاصة دول الساحل وأفريقيا الوسطى.
وفي ما يتعلق بالسودان، أشار إلى أن بنية الممانعة لم تعد قائمة أو ضعيفة على أحسن تقدير، مع غياب الكتلة الحرجة الوازنة التي تستطيع حسم الأمور، وهو ما بدا بتوجه الخرطوم نحو إلغاء قانون مقاطعة إسرائيل (ظل ساريًا منذ عام 1958)، وقد مثَّل ذلك مؤشرًا على التحول الجذري في علاقات البلدين.
واستشهد بتنافس رئيس مجلس السيادة عبد الفتاح البرهان ونائبه محمد حمدان دقلو (حميدتي) على الاستحواذ على الكتلة الرئيسة في السياسة السودانية وسباقهما على من يحكم البلاد، غير أنه يرى موقف البرهان أكثر غرابة في توجهه نحو إسرائيل بالنظر إلى كونه أقرب إلى التيار العروبي.
يشار إلى أن حميدتي أعلن عقب زيارة وفد إسرائيلي لبلاده أنه لم يكن يعلم بالزيارة، مشددًا على عدم لقائه بالوفد.
-
ما أثر استئناف التطبيع الإسرائيلي السوداني على مصر؟
يوضح عمر أن السياسة الدفاعية المصرية تأخذ حذرها بدرجة كافية، إضافة إلى وجود إدراك لمخاطر زيادة النفوذ الإسرائيلي، بيد أنه قال إن التأثير سيبقى مرهونًا باستقرار الحكومة السودانية وإذا كانت قادرة على تنفيذ التزاماتها.
وأشار إلى أن مسألة توسيع العلاقات مع إسرائيل قد تدفع القاهرة إلى مراجعة كثير من الملفات الثنائية بينها وبين الخرطوم، منها اتفاقية الحريات الأربع (الإقامة والتنقل والعمل والتملك) والتعاون الزراعي المشترك، واحتمال التحرك بشكل منفرد في قضايا المياه وسد النهضة.
وفي ما يتعلق بملف السد، أوضح أن بلاده صارت لديها افتراضات بأن العوامل الطبيعية والجيولوجية هي التي ستحدد مسار استكماله وليست جهات خارجية، كما أن معدلات تخزين بحيرة السد باتت تتفق مع افتراضات مصرية بُنيت في عامي 2014 و2015 بأنها لن تقل عن 7 سنوات على خلاف رغبة إثيوبيا.
بدوره، يقول الأكاديمي والمحلل السياسي محمد الزواوي إن تعزيز التطبيع السوداني الإسرائيلي يعدّ تجسيدًا للانحسار الكبير للدور المصري في الدائرتين العربية والنيلية، أهم دوائر الأمن القومي المصري.
وفي تصريحات للجزيرة نت، حذَّر الزواوي من تداعيات التطبيع الذي عدَّه مقايضة أميركية لإزالة السودان من الدول الراعية للإرهاب، كما حذر من السماح بتوسع نفوذ إسرائيل في القرن الأفريقي ومنابع النيل، فذلك قد يفتح الباب أمام استثماراتها وقوتها الناعمة والصلبة على حد سواء.
ومشيرًا إلى الجهود الإنشائية والمشروعات الإستراتيجية التي نفذتها مصر في دول حوض النيل، رأى الزواوي أنها لا تزال بعيدة عن توجيه عملية صنع القرار في القضايا التي تمسّ مصر، وذلك قد يؤثر على أمن المياه، وتعزيز الموقف التفاوضي لإثيوبيا.
-
هل من أثر لقرار تشاد فتح سفارة في تل أبيب على مصر؟
يستبعد الأكاديمي خيري عمر وجود أثر مباشر على مصر، لكنه شدد على ضرورة البحث في كيفية إعادة مصر تعزيز مصالحها في أفريقيا.
وأضاف أن بلاده وضعت إستراتيجية عام 2018 لعلاقاتها مع دول القارة وإن كانت تسير ببطء لكنها جيدة في ضوء مراجعة ومعالجة الآثار السلبية التي سادت في حقبة الرئيس السابق حسني مبارك.
وفي ما يتعلق بمدى قدرة إسرائيل على مزاحمة مصر في أفريقيا، استبعد عمر ذلك على اعتبار أن إسرائيل ذات قدرات ضعيفة، ومن غير المتوقع أن يكون لها تأثير أخطبوطي حاسم.
-
هل تمهد الشراكة الأمنية لإثيوبيا مع دول بالقرن الأفريقي لجبهة مناوئة لمصر؟
يرى عمر أنها من القضايا الجزئية وليست الكلية، وتقوم على رؤية هذه الدول (إثيوبيا والصومال وجيبوتي وكينيا) بأن حركة الشباب تمثل تهديدًا يتحرك في تخومها، ومن ثم هناك احتياجات أمنية دفعت إلى ترتيب التقارب من دون الوصول إلى درجة التحالف.
كما أن هذه الدول، وفق عمر، ليس لديها ما يدفعها إلى مناوأة الموقف المصري، بخلاف إثيوبيا التي لديها منافسة تاريخية مع مصر.
وممسكًا بالخيط ذاته، يشير الزواوي إلى أن “تحالف” الرباعي خطوة في الطريق الصحيح في مواجهة مخاطر حركة الشباب وتهديدها العابر للحدود، ولذا لن يمس أمن مصر بل سيعزز أمن منطقة القرن الأفريقي وحرية الملاحة وأمن السفن العابرة إلى قناة السويس.
المصدر: الجزيرة