هل ستأثر خطة “الإصلاحات القضائية” لحكومة نتنياهو على الفلسطينيين؟
تشهد الساحة الداخلية في إسرائيل توترا كبيرا بسبب خطة ياريف ليفين وزير القضاء في حكومة نتنياهو، التي تهدف لتقويض القضاء وصلاحيات المحكمة العليا الإسرائيلية.
وتشمل المرحلة الأولى مما أسماه ليفين بـ”الإصلاح القضائي” تغييرات جوهرية في إدارة وقوانين الجهاز القضائي، ولاسيما المحكمة العليا، بهدف إخضاعه بالكامل للسلطة التنفيذية.
خطة ليفين لا يقتصر تأثيرها السلبي على “استقلالية القضاء” في إسرائيل، وتطويع أكبر للمحكمة العليا التي هي بالأصل أداة سياسية للاحتلال، بل أيضا هناك مخاطر على الفلسطينيين، لاسيما في أراضي ال48 والضفة الغربية، قد تترتب في ظل الانتهاكات المتزايدة ضدهم.
وتهدف خطة تقويض جهاز القضائي الإسرائيلي، لهيمنة اليمين على مفاصل الحكم، لتنفيذ سياساته الذي يطمح بها. وبموجب الإصلاح المقترح، ستكون الأغلبية البسيطة في الكنيست، كافية لإلغاء أي حكم للمحكمة العليا يعتبر القوانين التي يقرها غير دستورية، علاوة على ذلك سيسمح لوزراء الحكومة بتجاهل الآراء القانونية للمستشارين.
وتشمل الإصلاحات القضائية التي يطرحها وزير القضاء الإسرائيلي ياريف ليفين، تغيير تشكيلة لجنة اختيار القضاة، عبر تمثيل متساو للسلطات الثلاث في عضوية اللجنة، من خلال الزج بالمزيد من السياسيين المعيّنين من قبل الحكومة في عضويتها يكونون أدوات لها.
وتتضمن أيضا إلغاء “حجة عدم المعقولية”، وهي التي تخول المحكمة العليا بإلغاء أي أمر إداري تتخذه الحكومة بسبب “عدم المعقولية”.
وتتضمن الخطة الإصلاحية سن “قانون التغلب”، الذي ينص على أن الكنيست يستطيع التغلب على قرارات المحكمة العليا بشأن إلغاء قوانين تناقض القوانين الدستورية، في ظل عدم وجود دستور لـ”إسرائيل”، وهذا يعني فتح المجال لسن القوانين التي يرغب بتمريرها اليمين لتنفيذ قراراته، مما يمنح المزيد من التشريعات التي تستهدف الفلسطينيين وحقوقهم.
الرئيس السابق لحزب التجمع الوطني الديمقراطي جمال زحالقة، قال؛ إن ما يسميه نتنياهو إصلاحات هو في الحقيقة انقلاب على النظام القائم في إسرائيل حاليا، وهو يعني القضاء على استقلالية القضاء، وعلى أي هامش لمعارضة سياسات اليمين المتطرّف.
وأضاف، أن التغيرات المطروحة تؤثر سلبا على فلسطينيي الداخل وأهالي القدس بشكل مباشر، ولها مردود سلبي على القضية الفلسطينية.
وأوضح أن الحديث يجري عن عدد هائل من القوانين، منها قانون سحب جنسية الأسرى المحررين من فلسطينيي 48، ومنها فرض قيود على العمل السياسي وحرية التعبير.
تنفيذ اليمين المتطرف سياساته
كما أن القضاء على “استقلالية القضاء” يلغي الهامش الضيّق للجم انفلات اليمين المتطرف، وكذلك هناك نية لتغيير القانون، بحيث يسمح بمنح شرعية قانونية للبؤر الاستيطانية العشوائية، التي يبلغ عددها 67 مستوطنة، كما يذكر زحالقة.
وأشار زحالقة إلى أن الهدف الأساسي للتغييرات المطروحة، هو الحصول على سلطة مطلقة لليمين الإسرائيلي ليفعل ما يشاء، دون أي ضوابط. ولكن في المقابل، فإن سحب الجهاز القضائي الإسرائيلي نحو خانة اليمين، يُفقد “إسرائيل” أهم ادعاء في المحافل الدولية، وهو أن عندها قضاء “مستقل”، يحاسب من يرتكب مخالفات للقانون الدولي، وعليه “لا حاجة لتدخل المحاكم الدولية”.
ولفت إلى أن هناك تقاطعا لعدة مصالح ورؤى تدفع باتجاه التغييرات المطروحة على جهاز القضاء، فالأحزاب الدينية التوراتية (الحريديم) معنية بتقييد سلطة المحكمة العليا؛ لأنّها تصطدم معها بشأن الحريات الفردية والإكراه الديني وغيرها، أمّا أحزاب اليمين المتطرف، فهي تدعي أن المحكمة العليا الإسرائيلية “ليبرالية”، زيادة عن اللزوم على حساب المصالح “القومية الصهيونية”، وهي تسعى لتغيير طريقة انتخاب القضاة بحيث تنتخبهم الحكومة، كما أنّها تطرح قانونا يمنع المحكمة العليا عمليا من إلغاء قوانين، مهما كانت مناقضة للقانون الدولي ولحقوق الإنسان.
ونوه إلى أن التغييرات القانونية المطروحة تسمح للحكومة بمنح الشرعية لأي بؤرة استيطانية، وتلغي أي ضابط لبناء مستوطنات جديدة. كما أنها تسهّل على وزارة الأمن القومي، التي يشغلها “اليميني الفاشي”، إيتمار بن غفير، بتشديد الخناق على الأسرى الفلسطينيين وبسحب حقوقهم المكتسبة.
ما الانعكاسات على فلسطينيي الداخل؟
وحول انعكاس “الإصلاحات القضائية” على الفلسطينيين في الداخل، أوضح زحالقة أنه من الصعب الإحاطة بمجمل تأثيرات التغييرات القانونية الجديدة على فلسطينيي الداخل. ولكن من الواضح أن قضية سحب الجنسية هي في غاية الأهمية؛ لأن فتح هذا الباب يعني التمهيد لسحب الحقوق وحتى الإبعاد.
وأضاف أن القوانين التي تقلص حرية العمل السياسي، ستكون لها إسقاطات على الأحزاب والحركات الجماهيرية بمجمله في الداخل. فهناك مثلا محاولة فرض تفسير للقانون بأنه يمنع رفع علم فلسطين، وهذا يؤدي بالضرورة إلى صدام في كل مظاهرة يرفع فيها الشباب العلم.
وتابع بأنه قبل أيام طرح وزير الزراعة ورئيس الشاباك السابق، آفي ديختر، مقترحا بمنع طلاب الداخل من الدراسة في الجامعات الفلسطينية، وهناك اليوم ما يقارب 10 آلاف طالب من الداخل في هذه الجامعات.
وأكد زحالقة أن الأمر الأهم، هو أن الحكومة اليمينية المتطرّفة تستطيع في ظل هذه التغييرات أن تسن أي قانون تشاء دون أي كوابح، حتى لو كانت بسيطة ضد فلسطينيي الداخل. والمسألة بالمجمل ليست قوانين فحسب، بل سياسات اضطهاد وعنصرية وقمع لم يسبق لها مثيل، وهي ستقود حتما إلى صدام ومواجهة.
بدوره قال المختص بالشأن الإسرائيلي حسن لافي، إن التغييرات القضائية تسحب من فلسطينيي الداخل إمكانية اللجوء إلى المحكمة العليا، التي هي جزء من منظومة الاحتلال، ولكنها كانت تقدم حيزا في عدم التعامل بفظاظة كبيرة معهم، والآن الذي سيتحكم بالقرارات، هو الكنيست الذي يسيطر عليه اليمين، والذي سيكرس الهجمات على الفلسطينيين.
وأوضح أن المحكمة العليا إذا جرت التغييرات القضائية، لا يمكن لها الطعن بقرارات الكنيست الذي أصبح يخضع لسطوة اليمين الإسرائيلي حتى أولئك الذين ليسوا جزءا من ائتلاف نتنياهو، وعلى سبيل المثال، في التصويت على سحب الجنسيات من منفذي العمليات من القدس والداخل، صوت لصالحه 89 عضو كنيست.
وتابع لافي بأن حكومة الاحتلال ستنفذ ما ترغب به كافة، من خلال شرعنة هذه القوانين التي تمس الفلسطينيين عبر الكنيست.
ونوه إلى أن هناك رزمة كبيرة يمكن تمريرها عبر الكنيست، أبرزها سحب الجنسية الإسرائيلية من منفذي العمليات من القدس والداخل، ومصادرة أموالهم ومنازلهم، وتفعيل أكبر لقانون “القومية”، وسلب الأراضي ومخططات التهجير في الداخل.
وأكد أن حكومة نتنياهو ستسعى لتكريس هوية الدولة، وتضييق الخناق على فلسطينيي الداخل وتهجيرهم، وسحب الامتيازات التي تجعل صمودهم موجودا، لاسيما في النقب والجليل والمثلث والقدس.
أما في القدس والضفة الغربية، فستعمل حكومة الاحتلال وفقا للباحث لافي، للتوجه نحو ضم الضفة الغربية، من خلال شرعة الاستيطان والمستوطنين هناك، ومنحهم حقوقا قانونية، وكأنهم موجودون في الداخل المحتل.
ما المطلوب فلسطينيا لمواجهة القوانين؟
وذكر زحالقة، أن هناك غضبا شديدا لدى النخب القضائية والأمنية والثقافية الإسرائيلية على التغييرات القضائية المقترحة، وهناك خوف من تؤدّي إلى تعريض الضباط والقيادات العسكرية إلى محاكمات دولية، جراء سقوط ادعاء إسرائيل المركزي بأن لديها قضاء “مستقلا وقويا وعادلا”.
ورأى أنه، فلسطينيا، يجب استغلال سقوط الأقنعة عن وهم الديمقراطية الإسرائيلية، والقيام بحملة مضادة لمقاطعة “إسرائيل”، وفرض العقوبات عليها ووقف الاستثمارات فيها، والعالم اليوم أكثر استعدادا للتجاوب مع مثل هذه الحملة، بعد انهيار أوهام الديمقراطية الإسرائيلية.
وتابع بأن هناك فرصة حقيقية يجب استغلالها لحصار إسرائيل ومعاقبتها، خاصة أن هناك نفورا عالميا من حكومة نتنياهو الجديدة، “فاشية الطابع عنصرية المنحى وعدوانية التوجّه” على حد قوله.
وأضاف أنه يمكن استثمار الأصوات الوازنة، التي تخرج من “إسرائيل” نفسها، والتي تؤكّد بأنها “لم تعد دولة ديمقراطية”. مستدركا، أنها لم تكن ديمقراطية في يوم من الأيام، لكن أن يقول ذلك أهرون باراك، رئيس المحكمة العليا الإسرائيلية السابق وأهم قاضي في تاريخ دولة الاحتلال، فهذه شهادة “وشهد شاهد من أهلها”، من الصعب على الدعاية الإسرائيلية أن تدحضها.
أين يكمن القلق الحقيقي للإسرائيليين؟
وأشار الباحث لافي، إلى أن هناك تأثيرات إيجابية للخطة، منها زيادة الخلاف الداخلي في إسرائيل، وتجعل صورتها أمام العالم مخالفة لما كانت تسوقها بأنها “ديمقراطية”، والجميع أصبح يدرك الآن بـ”ديكتاتورية” إسرائيل، وأن ما يجري يسهم في تكريس “يهودية الدولة”.
نوه إلى أن ما يقلق الإسرائيليين في المجتمع الدولي، ليست القرارات المتعلقة بالفلسطينيين، بل “تسلط السلطة التنفيذية على القضاء” ومن ثم تسقط “منظومة الديمقراطية والفصل بين السلطات”، وتغول المتدينين على الحياة في دولة الاحتلال.
وأضاف أن القلق الحقيقي يكمن في أن منظومة القيم الديمقراطية التي تتستر بها “إسرائيل”، وتخفي من خلالها وحشيتها وفاشيتها هي التي ستظهر، وممارسات الاحتلال ضد الفلسطينيين ليست وليدة اللحظة لتقلق منها “إسرائيل”.
ورأى أن للفلسطينيين هامشا جيدا بعد قناعة المجتمع الدولي ودول الغرب، أن “إسرائيل دولة أبارتهايد، ليس لديها منظومة قانونية.
ونوه إلى أن منظومة القضاء الإسرائيلي كانت تشكل صدا كبيرا ضد أي تدخل من المجتمع الدولي بشأن تحقيقات دولية، و”إسرائيل” كانت تتحجج بأن لديها منظومة قضائية مستقلة.
وأشار إلى أن الفلسطيني يستطيع الاستفادة من البعد القانوني والدبلوماسي بشكل أكبر الآن، في استدعاء المنظومات الدولية للتحقيقات ورفع قضايا في محكمة الجنايات الدولية، ومن خلال منظومة الأمم المتحدة ومجلس الأمن.
كما يستطيع فلسطينيو الداخل المطالبة بالحقوق القومية، وأنهم أقلية أصلانية في “إسرائيل”، ومواجهة ما يسمى بـ”الأسرلة”، وأنهم عبارة عن مجتمع لديه حقوق ثقافية وتراثية وهوية مختلفة، يطالبون بحقوقهم من خلال المجتمع الدولي، على غرار ما كان يطالبه “السود” في جنوب أفريقيا، كما يذكر الباحث لافي.
والخميس، اعتبرت المستشارة القضائية لحكومة الاحتلال غالي بهاراف ميارا، أن خطة ليفين تضر بـ”التوازن الديمقراطي في الدولة”، الأمر الذي رفضه بنيامين نتنياهو وطالب المحكمة العليا بإمهاله أسبوعين للرد على رسالة بهاراف ميارا.