مخيم جنين.. قصة شهيد.. بقعة دم ساخنة في منزل ماجدة عبيد
رصاصة إسرائيلية غادرة أصابت الأم الفلسطينية ماجدة عبد الفتاح عبيد فأسقطتها شهيدة، ثم اخترقت شاشة تلفازها وجدار غرفتها فغيَّبت صورتها وأطفأت منزلها في مخيم جنين، شمال الضفة الغربية، بأكمله.
كانت أم زيدون (63 عاما)، كما يعرفها الأهالي هنا، واحدة من 9 فلسطينيين قضوا شهداء في مجزرة ارتكبها جيش الاحتلال الإسرائيلي صباح الخميس بعدما استهدفهم بنيرانه خلال اقتحامه للمخيم.
وبينما الصدمة لا تزال في وجههن، تحدثت بنات الأم الشهيدة عن صباحها الأخير الدامي، حيث استيقظت صائمة وأدّت صلاة الضحى، ثم أطلّت برأسها للحظة من شرفة منزلها الواقع في أعلى المخيم، كي تستطلع الاقتحام الإسرائيلي الذي استغرق نحو 4 ساعات.
كانت ابنتاها تسمعان صوت الرصاص دون رؤيته. وتقول كفاية وهي أكبرهن “كثافته وعشوائيته كادت تقتل كل من يطل برأسه كما حدث مع أمي”.
الأم المحبوبة والمضحية
وفي زيارة إلى منزل الشهيدة ماجدة، تذكر ابنتها كفاية عبيد وهي تنظر بأسى إلى بقعة دم لم تزل ساخنة في مكان استشهادها، أن والدتها صلّت الضحى قرابة التاسعة صباحا، وعلى عادتها أطلت من نافذة غرفتها لتعرف أخبار المخيم.
وتضيف الابنة كفاية أنها لم تكد تغادر الغرفة حتى سمعت شقيقتها تصرخ وتقول “أمي أصيبت” وكانت تبكي وتصرخ بأعلى صوتها.
“عدت إليها ورأيتها تنزف على الأرض، وتردد الشهادتين بصوت خافت” تضيف كفاية، بينما كان لا يزال الدخان والغبار الذي تسببت به الرصاصة يتصاعد من النافذة.
سارعت كفاية لرفع رأس والدتها وضغطت على موضع إصابتها محاولة إنقاذها، لكن محاولتها لم تنجح، إذ أصابت الرصاصة أمها بمقتل، فاستنجدت بطاقم الإسعاف الذي بذل جهده لكنها فارقت الحياة. “وكل هذا وإطلاق النار لم يتوقف” كما قالت.
من منطقة الخضيرة داخل فلسطين المحتلة عام 1948، تنحدر عائلة الشهيدة ماجدة عبيد، وقبل 25 عاما جاءت للسكن في مخيم جنين قادمة من بلدة يعبد المجاورة.
والشهيدة ماجدة أُم لـ6 بنات وشاب وحيد يدعى زيدون، ورغم فرحتها بزواجه وسعيها لذلك طوال حياتها، فقد عايشت الحزن الكبير بعد وفاة إحدى بناتها العام الماضي.
وهي محبوبة لدى الجميع تلقاهم بوجه ضحوك، كما تصفها بناتها، وتحافظ على الصلاة والصيام وقراءة القرآن، واستشهدت وهي صائمة، وكانت تنوي صيام شهر رجب الجاري كاملا، رغم مرضها المزمن بارتفاع ضغط الدم والسكري.
لكن “كل ما تمنّته في حياتها هو أن تموت شهيدة”، تقول كفاية التي أكدت أنها هي الأخرى “راضية” لأنها صارت “ابنة شهيدة”.
شاهدتها تستشهد عبر الهاتف
أما صديقتها أم بكر مساعيد، فتصف الشهيدة ماجدة بالمرأة “المكافحة”، وقد بذلت جهدها وكرست حياتها لتعليم أبنائها وتربيتهم.
وغير بعيد من منزل الشهيدة عبيد، جلست رفيقاتها ونساء المخيم يبكينها ويتبادلن أطراف الحديث عن تضحياتها وعملها الشاق لتوفير لقمة عيش كريمة لعائلتها.
وقبل الاستشهاد بدقائق كانت ابنتها فاتن تعد نفسها للذهاب لعملها، قبل أن تتصل بها شقيقتها عبر تقنية الفيديو وتسألها عن أوضاع المخيم وإذا ما كان جيش الاحتلال قد انسحب أم لا، لتخبرها وبعد ثوان أن أمها أصيبت. “فرأيتها تلفظ أنفاسها الأخيرة عبر الهاتف” تقول فاتن عبيد للجزيرة نت وهي تذرف دمعها حزنا على أمها.
وماجدة عبيد هي أول امرأة شهيدة وأول أم ترتقي بمخيم جنين منذ بداية العام الجاري، منذ تصعيد الأحداث بمخيم جنين منذ عام ونصف العام.
وبلغ عدد شهداء جنين في العام الماضي 59 شهيدا منهم 25 مقاوما، ما يعني استهداف المدنيين بشكل مباشر. بينما قضى منذ بداية العام الجاري 19 شهيدا بالمدينة ومخيمها، من بين 30 شهيدا بعموم الضفة الغربية.
الحاضنة مستمرة
وفي المجزرة التي قتلت فيها الشهيدة ماجدة عبيد، فقدت جنين أيضا 8 شبان بينهم 4 مقاومين أعلن الاحتلال استهدافهم بينما كانوا بأحد المنازل في مخيم جنين، وأصيب نحو 20 آخرين، بينهم 4 بجروح خطيرة.
يقول القيادي في المخيم جمال حويل إن الاحتلال وخلال الهجوم العسكري الأعنف على المخيم منذ اجتياحه عام 2002، سعى إلى ترهيب الأهالي وخلق فجوة بينهم وبين المقاومة لعزلها عن حاضنتها الشعبية المساندة. “لكنها مساع فاشلة”، إذ يزيد الأهالي كما يقول حويل “التحامهم بالمقاومة ومؤازرتهم ومساندتهم لها مع كل اقتحام”.
ويضيف حويل للجزيرة نت “مخيم جنين حيَّر العالم، فمساحته نصف كيلومتر مربع وفيه 400 شهيد وعشرات الجرحى وذوي الإعاقة، لكنه يستمر في احتواء المقاومة”.
وأمام بقعة من دم أمهم الشهيدة فوق بساط غرفتها لم تجف، أخذت بنات ماجدة عبيد وأحفادها الصغار يراقبون المشهد الأخير في حياتها لكن دون جزع.
