لماذا سمح النظام السوري باستيراد المنتجات السعودية؟
أثار سماح النظام السوري للتجار باستيراد بعض المواد والمنتجات السعودية، بعد تعليق دام نحو عقد، تساؤلات عن دلالات الخطوة، وما إن كانت تؤشر إلى فتح قنوات تواصل بين النظام والمملكة.
وفي التفاصيل، وافقت وزارة الخارجية والمغتربين التابعة للنظام على السماح باستيراد المواد المصنعة في السعودية، وفي مقدمتها السكر والبتروكيماويات، وأظهرت وثيقة قرار نشرتها صفحات رسمية، الموافقة على إجازة استيراد 10 آلاف طن من مادة السكر لصالح وزارة التجارة الداخلية وحماية المستهلك.
ولم يُعلق النظام السوري رسميا على الخطوة غير المسبوقة، منذ أيلول/ سبتمبر 2011، عندما أعلن النظام عن إيقاف العمل باتفاقية التجارة العربية الحرة.
القرار بدوافع اقتصادية
من جانبه، يرى الكاتب المختص بالشأن الاقتصادي، إياد الجعفري، أن قرار السماح بالاستيراد من السعودية يغلب عليه الطابع الاقتصادي، وقال: “رغم قدرة التجار السوريين على إيجاد مصادر بديلة للمواد التي يسمح باستيرادها من السعودية، إلا أن هدف القرار، هو دفع السعودية لتخفيف القيود على شاحنات البضائع السورية، التي تحمل الصادرات السورية إلى الأسواق الخليجية، وفي مقدمتها السعودية”.
وأشار، إلى فرض السعودية القيود على الشاحنات وحركة البضائع السورية إليها، لأسباب مرتبطة بتهريب المخدرات عبر بعض شحنات تلك البضائع، وهو ما أضر بصورة كبيرة بالصادرات السورية إلى الخليج، والتي انخفضت إلى النصف، خلال العام الفائت.
وقال الجعفري إن “لأسواق الخليج، وتحديداً السعودية، أهمية كبيرة بالنسبة للمصدر السوري، إذ إنها ثاني أهم سوق بعد السوق العراقية، التي تستهلك البضائع السورية، خاصة الخضار والفواكه”، وأضاف: “لذلك أعتقد أن القرار يستهدف تليين الموقف السعودي حيال الصادرات السورية، وتخفيف التشديد القائم على وصول تلك الصادرات إلى السوق السعودية”.
وتفرض السعودية رسوماً توصف بـ”المرتفعة” على الشاحنات المحملة بالبضائع السورية، ما يقلل من الجدوى الاقتصادية لتصدير الأخيرة.
لكن ما سبق، لا ينفي وجود بعد سياسي، يتمثل تحديدا في طريقة الإعلان “الرسمية” عن القرار، والإشارة إلى أن الحكومة تلقت إخطارا من الخارجية، بأن “لا مانع سياسيا”، لعملية الاستيراد من السعودية، في إشارة إلى رغبة دمشق في فتح قنوات التواصل السياسي مع الرياض، على حد تأكيد الجعفري.
خلفيات سياسية للقرار
من جانبه، يقلل الباحث الاقتصادي يونس الكريم، من الخلفيات الاقتصادية للقرار، مؤكداً، تراجع حجم التبادل التجاري بين سوريا والسعودية خلال العقد الأخير، حيث تشير التقديرات إلى أن حجم التبادل في العام 2022 لم يتجاوز الـ675 مليون دولار (منها مواد مصنعة في معامل مملوكة للسوريين، لكنها منتجة خارج سوريا في الأردن و مصر)، في حين أن حجم التبادل التجاري بين دمشق والرياض كان عند حدود المليار و700 مليون دولار في العام 2010 على سبيل المثال.
وأشار الكريم إلى تراجع سمعة البضائع السورية مؤخرا، بسبب تهريب المخدرات داخل بعض الشحنات، ويقول: “بالتالي فإن دوافع القرار سياسية، حيث يريد النظام أن يرسل رسائل إيجابية للسعودية”، ويلفت إلى الأنباء عن وساطة إماراتية لدفع الأطراف العربية إلى الانفتاح على النظام السوري.
وفي السياق ذاته، أشار الباحث إلى رسائل داخلية يريد النظام إيصالها، مفادها أن “الاقتصاد يتجه للأفضل، وأن الدول العربية والإقليمية ستعيد علاقاتها الاقتصادية والسياسية معه”.
كيف تتعاطى الرياض؟
وبحسب الباحث، فإن من شأن القرار إغراق الأسواق الخليجية أكثر بالمخدرات، على اعتبار أن حجم التبادل التجاري قد يزداد بعد القرار، مختتماً بقوله: “يبقى كل ذلك رهن تجاوب الرياض”.
وفي الإطار ذاته، تساءل الكاتب والمحلل السياسي الدكتور باسل المعراوي عن طريقة التعاطي السعودية مع القرار، وهل تسمح المملكة لتجارها بالتعامل مع النظام السوري، علما بأن غالبية كبار تجار النظام هم من المدرجين على لوائح العقوبات الأمريكية (قيصر) والأوروبية.
وطبقا للمعرواي فإن الموقف السعودي ما زال متصلبا من النظام السوري، وآخر تجلياته ظهرت في رفض إعادة النظام السوري إلى الجامعة العربية في خريف العام 2022.
بدوره، أشار المشرف العام على “المرصد الاستراتيجي” الدكتور بشير زين العابدين، إلى الموقف السعودي الرافض لإعادة مقعد سوريا في الجامعة العربية إلى النظام السوري، وقال: إن “الرياض تقود بالتنسيق مع القاهرة المحور الإقليمي الرافض للتطبيع مع النظام السوري”.
واعتبر أن من الضروري الانتباه إلى تنامي أهمية المحور السعودي-المصري في الشؤون الإقليمية خلال الأشهر الماضية، وتحديداً لجهة رفض إعادة عضوية النظام السوري في الجامعة العربية، وهو ما يقلل من أهمية قرار النظام الأخير.