في ظل الانقطاع المستمر للكهرباء.. الكانون.. سبيل فقراء غزة للتدفئة
تحاول السيدة الخمسينية جهاد أبو محسن التي تقطن في منطقة “نهر البارد”، غرب مدينة خانيونس جنوبي قطاع غزة، تدفئة أبنائها مستخدمة موقدا يعتمد على الوسائل البدائية للتدفئة، في ظل الظروف الاقتصادية الصعبة التي يعيشونها.
هذا الموقد يُطلق عليه الفلسطينيون اسم “كانون النار”، ويُصنع من الحديد أو الطين أو الحجر ويتم إشعال النار بداخله باستخدام الحطب أو الفحم الأسود أو الأوراق.
ورغم المخاطر التي يتسبب بها هذا الكانون من انبعاث للغازات السامة، إلا أنه يعتبر الخيار الأمثل للعائلات الفقيرة في قطاع غزة للتدفئة في فصل الشتاء.
ويستخدم “كانون النار”، بديلا عن المواقد الكهربائية حيث يعاني القطاع من أزمة كهرباء كما يعدّ بديلا عن المواقد التي تعتمد على الوقود الذي تعجز العائلات الفقيرة التي لا يوجد لديها مصدر ثابت للدخل عن شرائه.
وبصوت خافت، تنادي محسن على أبنائها كي يقتربوا من الكانون لينالوا قسطا من الدفء في ظل البرد القارس الذي يضرب القطاع.
تتبادل محسن التي تُدعى “أم محمد” وأبنائها الاثنين وزوجها المسن خلال اجتماعهم حول “كانون النار” أطراف الحديث، الذي لا يغيب عنه تفاصيل الحياة المأساوية التي يعيشونها في ظل غياب المسكن الملائم لهم.
وتقول مُحسن إنهم “يعيشون في ظل حالة إنسانية صعبة جداً، وبالكاد يوفرون قوت يومهم والاحتياجات الأساسية”.
وتضيف إن “التدفئة خلال فصل الشتاء بالنسبة لهم تعتبر شكلا من أشكال الرفاهية إذ لا يتمكنون من شراء الغاز أو توفير الكهرباء اللازمة لذلك يلجؤون للنار، التي تعتبر ملاذهم الوحيد لذلك”.
وتعدّ المنطقة التي تسكن فيها عائلة مُحسن من المناطق النائية بمحافظة خانيونس إذ تعاني أيضا من نقص بالخدمات الأساسية.
ويعيش الأهالي بمنطقة “نهر البارد” في بيوت مُشيدة من الأخشاب والصفيح وسط غياب للبنية التحتية، وفق قولهم.
“النار” للتدفئة
الشاب رأفت سلطان الذي يسكن ذات المنطقة يقول، إن “النار هي السبيل الوحيدة لتدفئة عائلته التي تعيش في منزل لا تتوفر داخله أي مقومات للحياة، ومع استمرار انقطاع الكهرباء لساعات طويلة خلال اليوم”.
ويسكن سلطان (32 عاماً) برفقة عائلته المكونة من 7 أفراد داخل منزل مهترئ، قوامه الأخشاب وألواح الصفيح وبعض هياكل “الثلاجات والغسالات” القديمة.
وتستعمل العائلة “النار” لأغراض أخرى غير التدفئة، كالطبخ وصناعة الخبز والإنارة في أوقات الليل، كما يوضح الشاب سلطان.
ويشرح عن الأوضاع التي تعيشها عائلته خلال فصل الشتاء، قائلا “الليالي تمرّ قاسية بسبب البرد الشديد، ومياه الأمطار تتسرب دائماً إلى داخل الغرف وتغرق المنازل”.
ويبيّن أن “أطفاله الثلاثة يعانون أكثر من غيرهم خلال فصل الشتاء من أمراض الجهاز التنفسي بسبب الظروف السيئة والمكاره الصحية التي يتعرضون لها”.
وناشد الشاب سلطان “الجهات المعنية بضرورة التدخل الفوري لتوفير مساكن جيدة لهم، وإنقاذهم من الحياة الصعبة التي يعيشونها خاصة أطفاله الصغار ووالديه المسنين”.
ومنذ نحو 16 عاماً يعيش أكثر من مليوني مواطن في قطاع غزة أزمة كهرباء بدأت مع منتصف عام ٢٠٠٦ إثر قصف إسرائيل محطة التوليد الوحيدة في القطاع.
وفي الوقت الحالي، لا تتجاوز مدة وصل الكهرباء للمنازل داخل القطاع 8 ساعات يومياً، بحسب الجدول المعلن من قِبل شركة توزيع الكهرباء.
أجواء مميزة
يقول مازن المصري (39 عاماً)، الذي يعيش داخل منزل متهالك في بلدة بيت لاهيا شمالي قطاع غزة، إن “كانون النار يضفي حياةً مختلفة بالنسبة له خاصة في ليالي الشتاء”.
ويضيف المصري الذي يعمل مزارعاً، إن عائلته “تستعمل النار بالأساس للتدفئة خلال أوقات البرد، لعدم امتلاكها وسائل أخرى لتأدية الغرض، لكنها باتت تستثمر جلسات الكانون لإضفاء أجواء مميزة على ليالي الشتاء”.
وبات المصري ينتظر “قدوم ليالي المنخفضات بفارغ الصبر، للتجمع برفقة زوجته وأبنائه الأربعة حول كانون النار”، على حد تعبيره.
ويردف “نُجهّز مسبقاً الطعام والمسلّيات والحطب بكميات كبيرة لأجل جلسات السمر حول كانون النار، ونمضي وقتاً طويلاً في الحديث بكافة الموضوعات خلال الليل”.
وتعدّ زوجة المصري على نار كانون الحطب، بعض الأكلات الشعبية خلال جلسات السمر مثل “متبل الباذنجان وقلاية البندورة وغيرها”، ما يضفي تميزا للأجواء، على حد وصفه.
وبحسب المرصد “الأورومتوسطي” لحقوق الإنسان فإن نحو مليون ونصف المليون فرد من سكان قطاع غزة البالغ عددهم مليونين و300 ألف نسمة يعيشون حالة الفقر بفعل الحصار والقيود الإسرائيلية المفروضة على القطاع منذ 2006.