تهويد “صامت” في الخليل القديمة جنوبي الضفة
لم يكتفِ المستوطنون بالسيطرة على أكثر من 55% من مساحة الحرم الإبراهيمي في البلدة القديمة من الخليل، جنوبي الضفة الغربية، لكن يواصلون محاولتهم السيطرة الكاملة عليه وعلى محيطه، في وقت يحاولون كذلك تهويد بلدة الخليل القديمة، عبر السيطرة على عقاراتها، وتوسيع النشاط الاستيطاني هناك.
ورغم إدراج الحرم الإبراهيمي ضمن لائحة التراث العالمي لمنظمة الأمم المتحدة للتربية والعلوم والثقافة (اليونسكو) عام 2017، إلا أنّ ذلك لم يمنع استهدافه بالحفريات من أسفله، وبناء مصعدٍ في الشق الذي يسيطر عليه الاحتلال، وإغلاقه فترة الأعياد اليهودية.
كما يجري استهداف بلدة الخليل القديمة، من خلال الاستيلاء على المنازل والمحال التجارية هناك، حيث إنّ 512 محلاً تجارياً مغلق بقرار عسكري، وأكثر من 1800 منزلٍ أفرغت من سكانها نتيجة سياسات الاحتلال.
تسريب صامت
بطريقة سرية صامتة يجري الاستيلاء على أراضي وأملاك وعقارات الفلسطينيين في البلدة القديمة من الخليل، مع إدخال أصحاب المنازل بمتاهات المحاكم الإسرائيلية، وحيث يستبق جيش الاحتلال أي قرارات، ليحول عقارات الفلسطينيين إلى ثكنات عسكرية.
ويوضح عضو لجنة الدفاع عن الخليل، هشام الشرباتي، أنّ الأملاك التي تُسرب في البلدة القديمة بشكلٍ سري أكثر من التي كُشف عنها سابقاً.
وأوضح الشرباتي أنّ معظم بيوت البلدة القديمة لها عشرات الملّاك، والاحتلال يشتري حصّة أحدهم الذي غالباً ما يكون مقيماً خارج فلسطين، أو خارج مدينة الخليل، من ثم يبدأ بمنازعة أصحاب المنزل المقيمين عبر إجراءات طويلة في المحاكم الإسرائيلية على ملكية العقار، وأحياناً يتفق الاحتلال مع أحد أصحاب العقارات على أن يشتري العقار كاملاً، ولاحقاً يجري تسريبه.
وأضاف: “عندما يجري تسريب جزء من العقار للمستوطنين، يصبح جزء من المنزل تحت ملكية الفلسطينيين، وجزء آخر للمستوطنين، ولاحقاً تقع نزاعات قانونية بين المستوطنين وأصحاب العقار، على اعتبار أنّ كليهما يملكان أوراق ثبوت ملكية، لكن على أرض الواقع يتدخل الاحتلال ويسلب العقار من الطرفين، ليصبح المنزل ثكنة عسكرية مغلقة، كما حصل في منازل عدة في الخليل خلال العشر سنوات الأخيرة”.
“حارس أملاك الغائبين”
مستغلة ما يسمى قانون “حارس أملاك الغائبين” تحاول سلطات الاحتلال الإسرائيلي بشكل متصاعد تسريب المنازل الفلسطينية ببلدة الخليل القديمة، إلى المستوطنين، وتحديداً في مناطق تل الرميدة، وشارع الشهداء والسهلة، نتيجة تصرف إسرائيل الكامل بعدد من العقارات الموجودة هناك تحت بند ذلك القانون.
في مارس/ آذار من عام 1950 أصدرت سلطات الاحتلال ما يسمى “قانون حارس أملاك الغائبين”، والذي يعرّف كل يهودي أو فلسطيني ترك أو هجر مكانه عام 1947 بأنه “غائب”، ويحق للسلطات الإسرائيلية التصرف بأملاكه تحت إطار هذا القانون.
وكانت أملاك اليهود في الخليل تحت سيطرة الإدارة الأردنية بين عامي (1950-1967) إبان الارتباط الأردني مع الضفة الغربية، وكانت تندرج تحت دائرة تسمى “دائرة أملاك العدو”.
ويقول رئيس لجنة إعمار الخليل، عماد حمدان، إنّ “سلطات الاحتلال الإسرائيلي عمدت مؤخراً إلى إخراج أوراق قيد للمستوطنين الراغبين بشراء ممتلكات فلسطينية لتسهيل تسريب العقارات والمنازل، عوضاً عن إخراجها من المؤسسات الفلسطينية الرسمية”.
وأضاف حمدان أنّ هذا الإجراء “سهّل عملية الاستيلاء على العقارات، حيث أصبح الفلسطيني والمستوطن –كلاهما يحملان أوراق ملكية العقار– ولاحقاً تنتقل القضية إلى المحاكم الإسرائيلية ويصدر القرار لصالح المستوطن، كما حصل قبل أيام مع منزلٍ في بلدة الخليل القديمة استطاع الاحتلال السيطرة عليه بعد 17 عاماً من المحاولة”.
ووفق حمدان، فإنّ عشرات المنازل مهددة بالإخلاء في البلدة القديمة من الخليل، وأكثر من خمسين منزلاً يمنع الاحتلال لجنة الإعمار من ترميمها، والوصول إليها، وهو ما يطرح تساؤلات حول علاقة الاحتلال بمحاولة الاستيلاء عليها. ويقول حمدان: “للأسف، ونتيجة إجراءات الاحتلال صرنا نعرف عن المنزل المسرب بعد سنين”.
تحالفات نتنياهو تهدد الخليل بالاستيطان
يأتي التحالف السياسي بين رئيس الوزراء الإسرائيلي، بنيامين نتنياهو، وحزب “الصهيونية الدينية” ليزيد من خطورة استهداف الخليل بالاستيطان، بما يشمل توسيعاً للمستوطنات المقامة على الأراضي المحاذية للحرم الإبراهيمي شرقي الخليل، عقب الحديث عن استمرار الاحتلال في الاستيلاء على منازل السكان بطرق عدة، أبرزها تسريب العقارات والأملاك.
عشرون بؤرة استيطانية “عشوائية” مقامة على أراضي الخليل يصعب على الاحتلال زيادتها، منها: “عافيكال حافات معون”، و”رمات يشاي”، ومستوطنات قرب يطا، وقرب الحرم الإبراهيمي، يسعى الاحتلال من خلال اتفاق بين نتنياهو وزعيم حزب “القوة اليهودية” إيتمار بن غفير، إلى ترخيص هذه البؤر حتى تعتبر لاحقاً مستوطنات شرعية، حسب تعبير الاحتلال.
ويتخوف الفلسطينيون بعد تعيين بن غفير وزيراً للأمن القومي، ووصوله إلى مناصب الحكم الإسرائيلي، بسبب سياساته العنصرية تجاه الخليل القديمة، كونه يستوطن في مستوطنة “كريات أربع” المقامة على أراضي شرق مدينة الخليل، ويتخوفون كذلك، من تصريحات سابقة لنجل رئيس هيئة أركان الجيش الإسرائيلي الأسبق، موشيه ديان، والذي يقود مجموعة استيطانية في “كريات أربع”، قال فيها: “إنهم سيستمرون بشراء أملاك الفلسطينيين، والاستيلاء عليها قبل إتمام أي عملية تسريب كاملة”.
مطالبات رسمية بحماية الخليل و”الإبراهيمي”
في ظل محاولات الاستهداف الإسرائيلية تلك، فإنّ المطالبات الرسمية الفلسطينية تتصاعد، بتوفير الحماية للخليل وللحرم الإبراهيمي، حيث يؤكد رئيس لجنة إعمار الخليل عماد حمدان، أنّ اللجنة وعبر سفير فلسطين في “اليونسكو”، طالبت بأن ترسل “اليونسكو” لجنة تقصي حقائق حول جرائم الاحتلال الإسرائيلي بالحرم الإبراهيمي، وتوفير الحماية له ولتل الرميدة والمناطق المحاذية، باعتبار لجنة الإعمار ممثل مدينة الخليل أمام المنظمة.
واستناداً لقرار “اليونسكو”، فإنّ الحرم الإبراهيمي والمنازل المحيطة به، مناطق محمية بالقانون، وتحت السيادة القانونية حسب اتفاقية لاهاي (اتفاقية منظمة لقوانين الحرب)، وفق ما يؤكده لـ”العربي الجديد”، وزير العدل الفلسطيني محمد الشلالدة، الذي يشدد على ضرورة وقوف العالم أمام مسؤولياته تجاه الحرم الإبراهيمي.
وتعمل السلطة الفلسطينية، وفق الشلالدة، على ثلاثة محاور في قضية الاستيطان بالخليل:
-إرسال تقرير شهري إلى المحكمة الجنائية الدولية حول الانتهاكات الجسيمة للاحتلال في الحرم الإبراهيمي
-وإثارة القضية في جامعة الدول العربية ومنظمة التعاون الإسلامي
-ورفع دعاوى ضد مرتكبي جرائم الحرب في الحرم الإبراهيمي ومحيطه.