الصوت في انتخابات لعبة الكنسيت لا يعني التفويض
عبد الإله معلواني
رسميا لا أحد ينكر أنَّ القوائم العربية التي خاضت انتخابات لعبة الكنسيت الأخيرة رقم (25) قد حصلت على عشرات آلاف الأصوات من جماهيرنا الكادحة المنهكة في الداخل الفلسطيني، ورسميا لا أحد ينكر أنه قد اعتور هذه الأصوات العيوب الكثيرة، التي تجعل المراقب العاقل يجزم أننا لو حيدنا هذه الأصوات التي اعتورها العيوب من مجمل عشرات آلاف الأصوات هذه التي حصلت عليها هذه القوائم العربية، لما اجتازت أية قائمة عربية نسبة الحسم ولما حصلت أية قائمة عربية على مقعد وأكثر في هيكل الكنسيت، ويمكن أن أجمل هذه العيوب التي اعتورت هذه الأصوات بهذه العناوين (مع الإشارة أنني كتبت عنها بالتفصيل في مقالات سابقة على مدار الاعداد الأخيرة من صحيفة المدينة):
1- آلاف الأصوات كان دافعها الرشاوي المالية ويشهد على ذلك قرائن قاطعة.
2- آلاف الأصوات كان دافعها القربى العشائرية أو الحمائلية.
3- آلاف الأصوات كان دافعها لغة التوسل التي لجأت إليها كل القوائم العربية في يوم انتخابات لعبة الكنسيت الأخيرة رقم (25).
4- آلاف الأصوات كان دافعها صناعة الخوف والقلق لدى جماهيرنا بادّعاء أن الحكومة الإسرائيلية القادمة ستغالي في تطرفها.
5- آلاف الأصوات كان دافعها التظلم، حيث واصلت بعض القوائم العربية الادّعاء أن رفاق الدرب في القائمة المشتركة قد غدروا بها، مما صنع دافع التعاطف مع هؤلاء المتظلمين.
6- آلاف الأصوات كان دافعها مواصلة بيع وهم الوعود ومواصلة الادّعاء بالقدرة على تحصيل الإنجازات.
7- آلاف الأصوات كان دافعها التأثر بديماغوجية الملصقات العملاقة التي احتلت كل بلداتنا في الداخل والتي حملت صورا ملونة وشعارات طنانة لها جعجعة ولا طحن لها.
ولعل هناك عيوبا أخرى ستكشف عنها قادمات الأيام، ولكن يكفي الوقوف عند هذه العيوب السبعة حتى يطمئن كل عاقل فينا أننا لو حيَّدنا كل الأصوات التي كان دافعها هذه العيوب، لما اجتازت أية قائمة عربية نسبة الحسم، وهذا يعني أنها لا تملك أية قائمة عربية الادّعاء انها بناء على حصولها على عشرات آلاف الأصوات من جماهيرنا الكادحة المنهكة فهي تملك تفويضا أن تفعل ما تشاء باسم هذه الجماهير!!
ومع شديد الأسف وقع ذلك من أكثر من قائمة عربية، حيث ادَّعت بلسان مقالها كما ادَّعى السيسي طاغية مصر أن الجماهير منحته تفويضا أن يفعل ما يشاء، وهكذا وجدنا بعض أعضاء أو رؤساء هذه القوائم العربية يصرّح علانية أن الجماهير لما اعطته صوتها فهذا يعني تلقائيا- وفق حساباته- أنها اعطته تفويضا غير مشروط أن يفعل ما يشاء. وإلى جانب ذلك وجدنا البعض الآخر من أعضاء أو رؤساء هذه القوائم العربية لم يصرح هذا التصريح بلسانه، ولكن نهج سلوكه ومواقفه وخطابه تحت قبة هيكل الكنسيت يقول: إنه يملك أن يفعل ما يشاء ولا يجوز لأحد أن ينتقده، ومن ينتقده يقطع لسانه، لأنَّ الجماهير لما اعطته صوتها فقد اعطته تفويضا غير مشروط أن يفعل ما يشاء، وكي يتم زخرفة هذا الادّعاء القائل إنَّ الجماهير لما أعطت صوتها إلى هذه القائمة العربية أو تلك فقد اعطتها تفويضا أن تفعل ما تشاء، كي يتم زخرفة هذا الادعاء، بدأنا نسمع أو نقرأ مقولة (صوت الشعب)، وكأنَّ موقف هذه القائمة العربية أو تلك هو (صوت الشعب) الذي يمثل جماهيرنا الكادحة المنهكة، وفي نفس السياق المدعى بدأنا نسمع أو نقرأ مقولة (صوتك يقرر) أو مقولة (نقرر بكرامة).. وهكذا، وإلى غير ذلك من هذه الكلمات الجوفاء الرنانة التي جاءت لتستر عورة هذا الادعاء الموهوم!!
ثمَّ ماذا؟ ثم باسم هذه الجماهير الكادحة المنهكة صدمتنا هذه القوائم العربية عندما كانت في حلة القائمة المشتركة، صدمتنا عندما أوصت على الجنرال العسكري جانتس، ثم على المتطرف الصهيوني لبيد لرئاسة الحكومة الإسرائيلية!! ولما قيل لهم كيف تجرأتم على ذلك وصادمتهم الثوابت، قالوا إنهم قاموا بذلك لأن جماهيرنا الكادحة المنهكة هي التي اعطتهم تفويضا مطلقا أن يفعلوا ما يشاؤون!! وهكذا تورطت القوائم العربية بهذه الورطة الصادمة لنا والمصادمة لثوابتنا والتي لن تغسل أثرها السلبي كل بحار الدنيا!! ورمت بهذه الورطة على عاتق هذه الجماهير!!
لذلك لا يسعني إلا أن أقول: عذرا لك يا هذه الجماهير!! وكم أنت مسكينة يا هذه الجماهير!! ولم يقف حد انحراف هذه القوائم العربية عند هذا المدى بادعاء أنها تملك تفويضا من هذه الجماهير، بل اتسع حد هذا الانحراف، وإذا بهذه القوائم العربية تستبيح لنفسها تلقي دعم مالي بالملايين من صناديق دعم صهيونية أمريكية!! وإذا بها تشد رحالها إلى ماما أمريكا وتلقي عصا ترحالها في هيكل الكونغرس الأمريكي تارة، وفي هيكل المؤتمرات الصهيونية الأمريكية تارة أخرى، ولعل هناك مخفيا لا نعلمه!!
لماذا كل ذلك؟ لأنها- وفق ادعائها- حصلت على تفويض من هذه الجماهير؟ وليت شعري، لم أعد ادري ما الفرق بين جدلية علاقة هذه القوائم العربية مع هذه الجماهير وجدلية علاقة الأنظمة العربية الظلامية مع شعوبها؟ ثمَّ اتّسع حد هذا الانحراف وإذ بالقائمة الموحدة تقتحم عقبة الثوابت وتدخل كعضو أساس في حكومة (بنيت- لبيد) وإذا بها تقوم بمواقف غير مسبوقة جعلت الحليم منا حيرانا، وإذ بعض قادتها يصدرون خطابا إعلاميا مستهجنا لم يتجرأ عليه أي شخص من تاريخ شعبنا الفلسطيني بعامة ومن تاريخ مجتمعنا الداخل الفلسطيني بخاصة مهما بلغ ضعف هذا الشخص، ومهما أكب على وجهه، فهو الخطاب الإعلامي المستهجن الذي أجاز للمجتمع الإسرائيلي الصلاة عند حائط البراق احد أركان المسجد الأقصى وهو الذي اطلق على المسجد الأقصى التسمية العبرية (هار- هبايت) وهو الذي أقر بيهودية الدولة، وهو الذي نعت الأسرى السياسيين الفلسطينيين بالمخبرين، والقائمة طويلة!!
لماذا كل ذلك؟ لأنَّ القائمة الموحدة- وفق ادعائها- حصلت على تفويض من هذه الجماهير!! ثم ماذا؟ ثم تحطمت أسطورة هذا التفويض في انتخابات لعبة الكنسيت رقم (25)، حيث أصبح (صوت الشعب) في هذه الانتخابات ثلاثة أصوات، وأصبحت مقولة (صوتك يقرر) تلك ثلاثة احتمالات للقرار وليس احتمالا واحدا، وأصبح التفويض مودعا بين ثلاث قوائم عربية، وما عاد تفويضا واحدا وواضحا، وهكذا ذاب الثلج وظهرت حقيقة اسطورة التفويض لكل عاقل مراقب فينا!! وهكذا زال الغبار وبانت حقيقة هيكل الكنسيت، وبات واضحا أنه وسيلة وصولية للأنا الشخصي وللأنا الحزبي، ليس أكثر، وها هو تراشق الاتهامات عبر بيانات نارية متبادلة بين القوائم العربية الثلاث أو حتى في داخل القوائم العربية الواحدة، وظهر أن اهتمام هذه القوائم العربية بالجماهير الكادحة والمنهكة هو في آخر سلم الاهتمام!! بعد ان قيل يوما من الأيام انها لما أعطت صوتها فقد أعطت تفويضها.