كتاب مفتوح إلى الأهل المسلمين والمسيحيين والدروز في الداخل الفلسطيني
الشيخ رائد صلاح
من الواضح أنَّ مكوّنات مجتمعنا في الداخل الفلسطيني هي من الأهل المسلمين، والأهل المسيحيين، والأهل الدروز، ومن الواضح أنَّ الماضي قد جمع بين هذه المكونات الثلاثة في مصير مشترك، ومن الواضح أن هذا المصير المشترك لا يزال يجمع بين هذه المكوّنات الثلاثة في الحاضر والمستقبل. ومن الواضح أننا عندما نقف على كلمة (مصير مشترك) فإنها لا تعني فقط أنها تجمعنا الأرض الواحدة، حيث يعيش الأهل المسلمون والأهل المسيحيون والأهل الدروز جنبًا إلى جنب في دائرة المجتمع الواحد في الجليل والكرمل، ولا تعني فقط أنها تجمعنا اللغة الواحدة ألا وهي اللغة العربية، حيث تصرُّ الأم المسلمة والأم المسيحية والأم الدرزية على تنشئة رضيعها منذ نعومة أظفاره على اللغة العربية، وتفرح له عندما يحسن نطق كلمة (ماما) أو (بابا)، ثم تفرح له عندما يحسن نطق اسم أمه العربي واسم أبيه العربي واسم أخيه العربي واسم اخته العربي، ثمَّ تفرح له عندما يُحسن نطق جملة مفيدة باللغة العربية، ثمَّ يكبر هذا الطفل، وقد يكون أديبا وشاعرا أو ناقدا أو إعلاميا، ثم يعبِّر عن ذاته في كل هذه المواهب باللغة العربية، فهذا الشاعر محمود درويش المسلم، وهذا الشاعر حنا ابراهيم المسيحي، وهذا الشاعر سميح القاسم الدرزي، وغيرهم العشرات من فرسان هذه المواهب قد عبَّروا عن ذاتهم باللغة العربية، سواء كانوا من الأهل المسلمين أو الأهل المسيحيين أو الأهل الدروز.
ولكن، ليست هي الأرض وحدها التي تجمعنا، وليست هي اللغة العربية وحدها التي تجمعنا، بل تجمعنا تلقائيًا ومن غير ترتيب مسبق الحياة اليومية الواحدة بحلوها ومرها وأفراحها وأتراحها، فأنا أو غيري عندما نحضر عرسا في الجليل والكرمل بخاصة نجد أنَّ الحضور من الأهل المسلمين والأهل المسيحيين والأهل الدروز، وقد يكون العريس مسلما أو مسيحيا أو درزيا، وأنا أو غيري عندما ندخل إلى بيت عزاء في الجليل والكرمل بخاصة نجد أنَّ الحضور من الأهل المسلمين والأهل المسيحيين والأهل الدروز وقد يكون الميت مسلما أو مسيحيا أو درزيا، وهكذا الحال عندما ندخل إلى مطعم في طمرة، أو إلى مركز تجاري كبير في يركا، أو إلى دكان حلويات شرقية في الناصرة، أو إلى معرض للسيارات في دالية الكرمل، أو إلى صالة واسعة لبيع أثاث البيوت في أم- الفحم، حيث أننا عندما ندخل إلى أي واحد من هذه العناوين في كل هذه المواقع نجد أن زبائن هذه العناوين هم من الأهل المسلمين والأهل المسيحيين والاهل الدروز. وها أنا أقول حقيقة لا دعاية: أنا أعرف بعض الأهل من الدروز يقطعون المسافات الطويلة للشراء من حلويات الناصرة فقط، وأعرف بعض الأهل المسلمين يقطعون المسافات الطويلة للشراء من المراكز التجارية في يركا، وأنا أعرف بعض الأهل المسيحيين يقطعون المسافات الطويلة لتناول طعامهم في مطعم مشهور في عين- ماهل، وقد رأيت كل ذلك بأم عيني، فهي الحياة اليومية بهمومها وطموحاتها باتت تعزِّز من لحمة المصير المشترك بين الأهل المسلمين والأهل المسيحيين والأهل الدروز في الداخل الفلسطيني.
وإلى جانب ذلك، ها هي جائحة العنف الأعمى باتت تهدد كل بيت فينا، سواء كان في رهط في النقب أو في بيت- جن في الجليل، أو في الطيرة في المثلث، أو في سائر المدن الساحلية، أو في أية بلدة من بلداتنا- سواء كانت ذات صبغة إسلامية أو مسيحية أو درزية، مما يعني أننا بتنا نواجه الخطر الواحد والفتنة الواحدة والتحدي الواحد ألا وهي جائحة العنف الأعمى، وهل هناك عاقل منَّا سواء كان مسلمًا أو مسيحيًا أو درزيًا يُنكر أنَّنا كلنا ننتمي إلى عالم عربي واحد، وإلى شعب فلسطيني واحد، وهل هناك عاقل منَّا سواء كان مسلمًا أو مسيحيًا أو درزيًا يُنكرُ أننا كنَّا ولا زلنا كلنا نعاني من مطرقة التمييز القومي والاضطهاد الديني الذي لا يزال نهجا رسميا كانت ولا تزال تنتهجه المؤسسة الإسرائيلية الرسمية ضدنا، وعلى سبيل المثال، سياسة مصادرة أرضنا التي استباحتها لنفسها المؤسسة الإسرائيلية أو سياسة هدم بيوتنا لم تقف عند حد أرض المسلم وبيته، أو أرض المسيحي وبيته أو أرض الدرزي وبيته، فهي سياسة مصادرة وهدم جارفة دوارة متنقلة، تضرب الطيبة تارة، وتضرب البلدات منزوعة الاعتراف في النقب تارة أخرى، وتضرب بيت- جن تارة ثالثة.. وهكذا حتى الآن بلا توقف.. وهل هناك عاقل منا سواء كان مسلمًا أو مسيحيًا أو درزيًا يُنكر أنَّ معاناتنا كلنا قد اشتدَّت بعد إقرار قانون القومية في الكنسيت، وأنَّ هذه المعاناة ستزداد، وستطال كل فرد فينا وكل بيت فينا، وكل بلدة فينا، سواء كانت في الجليل أو الكرمل أو المثلث أو النقب أو المدن الساحلية، وعليه فإنني أسجِّل هذه الملاحظات:
1- نحن بحاجة إلى تعميق التواصل ولغة الحوار بيننا، وليس المطلوب عقد لقاءات خاصة فقط على صعيد القيادات الدينية أو السياسية، بل لا بد من لقاءات شعبية عامة قد تكون في أم- الفحم، أو في فسوطة أو في عسفيا.
2- نحنُ مطالبون فورا العمل على إقامة لجان إفشاء سلام محلية وأخرى نسائية وثالثة شبابية ورابعة طلابية في كل بلداتنا بدون استثناء، سواء كانت ذات صبغة إسلامية أو مسيحية أو درزية، ونحن مطالبون بالتعاون مع كل هذه اللجان على تحقيق إستراتيجية وبرامج عمل لجان إفشاء السلام المنبثقة عن لجنة المتابعة العليا بهدف إنقاذ مجتمعنا من جائحة العنف وإيصاله إلى بر الأمن والأمان، وكم نتمنى أن تنضم إلى الإدارة العامة للجان إفشاء السلام قيادات دينية مسلمة ومسيحية ودرزية.
3- نحن مطالبون بالإكثار من عقد لقاءات ثقافية وندوات شعرية ومعارض رسم.. الخ، تجمع الجميع على صعيد الرجال والنساء والكبار والشباب والصغار، وأن تكون متنقلة، تارة في كفر- كنا، وأخرى في كفر- سميع وثالثة في ترشيحا… وهكذا.
4- نحن مطالبون بالإكثار من تزاور المدارس وإداراتها وطلابها لتصنع وحدة حال وجوار ثري وتفاهم ناضج بين أجيالنا الصاعدة وأن تكون متنقلة، تارة في سخنين، وأخرى في جولس، وثالثة في عيلبون.
5- قد يشذّ البعض منَّا وقد ينخرط في المشروع الصهيوني من ألفه إلى يائه، وقد يذوب فيه وفي دوائره الأمنية والعسكرية والسياسية والإعلامية والحزبية، وقد يكون هؤلاء البعض مهما قلَّ عددهم أو كثر من الأهل المسلمين أو الأهل المسيحيين أو الأهل الدروز. وسلفا أقول، لا يجوز أن نحكم على قطاع كامل من هؤلاء الأهل بسبب شذوذ هؤلاء البعض، فهؤلاء البعض يتحمَّلون تبعة تصرفاتهم ولا يجوز تحميل تبعة تصرفاتهم لقطاع كامل من هؤلاء الأهل، ولا يجوز أن نسمح لهؤلاء البعض أن يأخذوا قطاعا كاملا من هؤلاء الأهل رهينة لهم ولتصرفاتهم وشذوذ مواقفهم.
6- يجب أن نحذر من كل بوق فتان يحاول أن يفكك وحدة الحال والمصير التي تربط كل مكونات مجتمعنا على صعيد الأهل المسلمين والمسيحيين والدروز.
7- نحن في لحظات مصيرية ويجب ألا تجرنا سذاجة الفهم والطائفية العمياء، بل نحن مطالبون أن نحسن التفكير والإدراك واتخاذ القرار والخطاب الإعلامي وتفويت الفرص على كل فتان منا أو من خارجنا، وأن نعمل بوعي مبصر لمصلحة كل مجتمعنا بكل مكوناته، محافظين على ارتباطنا العروبي الفلسطيني.