ماذا كنا سنربح لو اجتنبنا لعبة الكنيست
عبد الإله معلواني
لنتصور جميعا لو اجتنبنا لعبة الكنيست منذ عقود، لكنا قد انتقلنا من سراب الوهم المحيط بلعبة الكنيست إلى حمل همومنا لو كانت كالجبال ومهما كانت مُرَّة، ولو تجرأنا على هذا الانتقال بحركاتنا وأحزابنا وجماهيرنا لأدركنا فورا أنّه لا بد لنا مما لا منه بد، ولخطونا هذه الخطوات المصيرية التي كانت واجبة، والتي يزداد وجوبها يوما بعد يوم، ويمكن أن ألخصها بما يلي:
1- كان من الواجب علينا جميعا التعامل بصدق وصفاء ووفاء مع لجنة المتابعة العليا على اعتبار أنها الهيئة العليا التي تمثل كل أهلنا في الداخل الفلسطيني، ولكنا جادين في حضور جلساتها وفي المشاركة باتخاذ قراراتها ثم بالالتفاف حول هذه القرارات والإخلاص بدعم تنفيذها بكل ما يلزم من حيث الحضور العددي والدعم المعنوي والمالي إن لزم. ولكن الحقيقة مُرَّة حتى الآن، فلا يزال بعضنا يتعامل بمزاجية مع لجنة المتابعة العليا، فقد يحضر مرَّة واحدة ثم يغيب أعواما، وقد يتخذ من لجنة المتابعة سلما يوصله- كما يظن- إلى أمجاده الشخصية، وقد يسخر من لجنة المتابعة في سهراته الخاصة، لماذا كل ذلك؟ لإن لعبة الكنيست زيَّنت له أنَّه هو البديل عن لجنة المتابعة العليا.
ومع ذلك هناك ضرورة ملحة فورية لرد الاعتبار إلى لجنة المتابعة العليا كهيئة جامعة لنا جميعا، بغض النظر عن اسم رئيسها وأسماء أعضائها.
2- كان من الواجب على كل اللجان المنبثقة عن لجنة المتابعة العليا أن تنشط في دورها على صعيد رئيسها وأعضائها وأن تواصل إنجاز المهمات التي استؤمنت عليها، ولو قمنا بذلك ولم يلهث بعضنا عبثا وراء سراب لعبة الكنيست، لكان لكل لجنة من لجان المتابعة العليا ووزنها النوعي، ولأصبحت لصيقة بهموم جماهيرنا في الداخل الفلسطيني، ولأصبحت لجنة المتابعة العليا تلقائيا ملتحمة التحاما يوميا مع هذه الجماهير، ولأصبحت هذه الجماهير على علاقة وثيقة وحيَّة مع لجنة المتابعة العليا، ولأصبحت هذه الجماهير تنتظر بفارغ الصبر قرارات لجنة المتابعة العليا في كل قضية، ولتحولت لجنة المتابعة العليا إلى الحصن الحصين لكل هذه الجماهير!!
ولكن الحقيقة المرة تقول غير ذلك، فقد علمت أن الشيخ رائد صلاح خلال حوار له قبل أيام مع نخبة طلاب المدرسة الثانوية الرسمية كفر-كنا عندما سألهم: هل من أحد منكم سمع عن لجنة المتابعة العليا؟ وإذ بكل الطلاب يجيبون أنهم لا يعرفونها ولم يسمعوا عنها!! ثمَّ عندما سألهم عن اسم رئيس لجنة المتابعة العليا؟! لم يعلم أن الأستاذ محمد بركة هو رئيس لجنة المتابعة إلا طالبة واحدة فقط!! لماذا وقعنا في هذا المأزق؟! لأن بعضنا أصرَّ أن يواصل اللهاث وراء سراب لعبة الكنيست تاركا لجنة المتابعة العليا تضعف علاقتها مع جماهيرنا يوما بعد يوم، وكأن هؤلاء البعض أرادوا للجنة المتابعة العليا أن تلقى هذا المصير حتى يقولوا لجماهيرنا: لا حل لكل قضاياكم إلا في لعبة الكنيست!! ولكن مع مرارة هذه الحقيقة وهذا الحال لا زال بالإمكان تنشيط كل لجان المتابعة، مما يعني تقليص فجوة القطيعة بين لجنة المتابعة العليا وجماهيرنا، مما يقود الى صناعة لحمة قوية بين لجنة المتابعة العليا وبين هذه الجماهير، الأمر الذي سيصنع حاضنة شعبية واسعة ومساندة للجنة المتابعة العليا.
3- كان من الواجب وضع اللبنات الأولى لتشكيل لجنة مالية للجنة المتابعة العليا، ولو قمنا بذلك منذ عقود لأصبحت هذه اللجنة اليوم بمثابة صندوق مالي عصامي للجنة المتابعة العليا، ولأصبحت ذات قدرة مالية تستمدها من جيوب جماهيرنا، وليس من جيوب أي صندوق مالي مشبوه، ولأصبحت لجنة المتابعة العليا قادرة أن تنفذ كل قراراتها، دون أن يمنعها من ذلك العجز المالي المأساوي الذي لا تزال تعاني منه!! ولكن بعضنا تبنى المثل القائل: (عنزة ولو طارت)، وظلَّ يلهث وراء سراب لعبة الكنيست وهو لا يحصد إلا الوهم إلا القليل من فتات الفتات في كل دروة كنيسية!! وما عاد يقلقه معاناة لجنة المتابعة العليا!! فها هي مزاريب الدعم المالي تصب عليه ملايين الدولارات من صناديق الدعم الأمريكية والإماراتية إلى جانب السلطة الفلسطينية!! وهذا يعني انه لن يأسف في يوم من الأيام على العجز المالي الضاغط على لجنة المتابعة العليا، ولعل لسان حاله يقول: لتذهب لجنة المتابعة العليا إلى التفكك ثم الى الاندثار ثم الاختفاء. وهكذا ستخلو له كل الجماهير في الداخل الفلسطيني ستخلو له وحده وفق حساباته الواهمة. ولكن لم يضع كل شيء، ولا تزال الإمكانية قائمة لتشكيل لجنة مالية تنمو مع الأيام، وتسمن قدراتها، وتوفر الميزانيات المالية المطلوبة للجنة المتابعة العليا كل عام!! ومصدرها جيوب الكادحين الصادقة من جماهيرنا، وجيوب رجال الأعمال على قلتهم، وجيوب الشركات ذات القوة الاقتصادية النوعية، وذات الدورات المالية السنوية الكبيرة، وهي بالمئات، بشرط أن تؤسس لجنة مالية على أصول مهنية ومخلصة.
4- كان من الواجب علينا أن نقوم بكل تلك الواجبات، ولو قمنا بها منذ عقود لكنا قد دخلنا في مرحلة نضوج جماهيرنا إلى جانب نضوج أداء لجنة المتابعة العليا، ولكنَّا قد دخلنا في مرحلة الانتخاب المباشر للجنة المتابعة العليا- رئاسة وعضوية- من قبل جماهيرنا، أو على الأقل لأصبحنا اليوم جاهزين للسير بلجنة المتابعة العليا نحو مرحلة جديدة راشدة، وهي انتخابها مباشرة من قبل كل جماهيرنا!! ولكنا قد ذللنا كل الصعاب التي تجعل البعض منا يتردد بالموافقة على انتخاب مباشر للجنة المتابعة العليا من جماهيرنا. ولكن البعض منا الذي لا يزال لسان حاله يقول: لعبة الكنيست مرابط خيلنا!! لا يزال هؤلاء البعض يعضون على لعبة الكنيست بنواجذهم، ولا يزالون يبيعون الوهم لجماهيرنا، مدَّعين أنَّ ما أنجزوه من فتات الفتات في لعبة الكنيست هو إنجازات تاريخية تستحق كل شيء، حتى لو كان التضحية بلجنة المتابعة العليا. ولكن لسنا في طريق مسدود، بل هناك إمكانية أن ننهض بلجنة المتابعة العليا نهوضا جادا تدريجيا يهيئ الظروف المطلوبة لانتخاب مباشر للجنة المتابعة العليا من جماهيرنا، فما ضاع ضاع، والمطلوب أن نتدارك أنفسنا.
5- كان من الواجب علينا أن نقوم بكل ما ورد أعلاه، ولو قمنا به لكانت لدينا الآن لجنة متابعة منتخبة، ذات لجان منبثقة عنها وناشطة وذات صندوق مالي عصامي على مستوى التحديات، وذات تلاحم حي مع كل جماهيرنا وهمومها، وذات شخصية اعتبارية تمثلنا على صعيد محلي ودولي، وذات مكاتب علاقات خارجية أو مكتب واحد على الأقل يرفع همومنا إلى كل المنتديات الدولية، وذات تقدير واحترام دولي، ولكن أضعنا كل ذلك لأنَّ البعض منَّا أصرَّ على هذا اللهاث الموهوم خلف سراب لعبة الكنيست، وهكذا أضاع البعض منا عقودا طويلة من عمر جماهيرنا خلف هذا السراب، وكانت المحصلة الوهم المغطى بفتات الفتات، وهو أهم ما خسرته جماهيرنا من وراء سراب لعبة الكنيست، لقد خسرت هذه العقود الطويلة من عمرها وراء هذا الوهم المغطى بفتات الفتات، وهي خسارة لا تعوض، لأن الوقت هو الحياة، وهذا يعني أن جماهيرنا خسرت حياتها وراء هذا الوهم المغطى بفتات الفتات!!.
ولكن لا مبرر لليأس والإحباط، بل يجب علينا أن نتدارك كل هذه الخسائر رحمة بأنفسنا، ورحمة بأجيالنا القادمة، فهل نصحو؟!