تصعيد نقابي في تونس.. احتواء للقواعد أم تغيُر تجاه النظام؟
– الأمين العام لاتحاد الشغل نور الدين الطبوبي موجها تهديده للحكومة: إذا أردتموها معركة اجتماعية فليكن ذلك
– الباحث بعلم الاجتماع هشام الحاجي: تصعيد الاتحاد يعود لتردي الوضع الاجتماعي والاقتصادي وانفراد السلطة بالقرار
– المدير السابق لمعهد الدراسات الاستراتيجية تابع للرئاسة) طارق الكحلاوي: الاتحاد يريد أخذ مسافة من الحكومة واحتواء غضب قواعده وغير قادر على التعبئة
بشكل مفاجئ، صعّد الأمين العام للاتحاد العام التونسي للشغل نور الدين الطبوبي خطابه تجاه الحكومة وسلطة الرئيس قيس سعيد، مهددا بـ”معركة اجتماعية”.
هذا التصعيد طرح أسئلة بشأن دوافعه وإن كان الاتحاد (أكبر النقابات وأكثرها تأثيرا بالحياة السياسية منذ عقود) قادر على التعبئة في الظرف الانتخابي الراهن والكيفية التي سترد بها السلطة على هذا الخطاب.
وموجها كلامه إلى الحكومة، خلال كلمة في تجمع لمئات من عمال النقل بتونس العاصمة للمطالبة بحقوق معيشية واجتماعية، قال الطبوبي: “إذا أردتموها معركة اجتماعية فليكن ذلك.. المنظمة ستظل دائما في صف الشعب وستكون تجمعات وتحركات قطاعية ووطنية”.
ومنتصف سبتمبر/ أيلول الماضي، وقّعت رئيسة الحكومة نجلاء بودن والطبوبي اتفاقا لزيادة الأجور بنسبة 5 بالمئة خلال السنوات الثلاث المقبلة كمعدل عام.
وأضاف الطبوبي: “قمنا بمفاوضات اجتماعية وكنا نعرف أن الاتفاق لا يلبي طموحات الطبقة العاملة.. لكن وضعنا فصلا (مادة في الاتفاق) بتقييم المفاوضات في ظل التضخم وزيادة سعر الفائدة.. واليوم نقول إننا في حِل من كل الالتزامات”.
وفي 23 نوفمبر/ تشرين الثاني الماضي، أقرت الحكومة زيادة في أسعار الوقود، هي الخامسة خلال العام الحالي، ضمن برنامج تعديل أسعار البترول.
وزاد الطبوبي: “الحكومة تتحايل على شعبنا في رفع الدعم.. رُفع بطرق ملتوية بالزيادات في الطاقة وغيرها”.
وكشف أن “الاتحاد سيعلن خطابا رسميا الثلاثاء المقبل يسمي فيه الأشياء بمسمياتها.. الاتحاد لا يخشى السجون وسيكون قريبا صلب المعركة الوطنية، ويرفض أن يتم تعليق فشل السلطة على تحركاته”.
هذا التصعيد الاجتماعي يأتي في وقت تعاني فيه تونس من أزمة سياسية حادة منذ أن بدأ الرئيس سعيد في 25 يوليو/ تموز 2021 إجراءات استثنائية يعتبرها الرافضون “تكريس لحكم فردي مطلق” ويراها المؤيدون “تصحيح لمسار ثورة 2011” التي أطاحت بالرئيس آنذاك زين العابدين بن علي (1987-2011).
بالقطيعة
وحول خلفية هذا التغير المفاجئ في خطاب الطبوبي، قال الباحث في علم الاجتماع هشام الحاجي إن : “أهم خلفية، بجانب تردي الوضع الاجتماعي والاقتصادي، هو أن هذا الخطاب يعد شكلا من أشكال رد الفعل على انفراد السلطة بالرأي والقرار”.
وأضاف: “الثلاثاء، كان هناك اجتماع بين الاتحاد والحكومة وأُلغي لأن الحكومة ألغت في آخر وقت جدول الأعمال، كما أن رئيسة الحكومة غابت عنه.. هناك استخفاف واستهتار باتحاد الشغل”.
واعتبر الحاجي أن “الحكومة توهمت أنها حيّدت الاتحاد اجتماعيا بعد أن عقدت معه الاتفاق حول الزيادة في الأجور، وهذا دليل على أن الحكومة لا تعرف كيف يفكر النقابيون ولا تعرف جيدا تاريخ تونس”.
وتابع: “الخطاب التصعيدي للاتحاد يأتي في إطار انتخابات تشريعية (17 ديسمبر/ كانون الأول المقبل) دون اهتمام الرأي العام والتشكيك في جدواها ووسط دعوات واسعة للمقاطعة”.
وهذه الانتخابات ضمن إجراءات سعيد الاستثنائية ومنها إقالة الحكومة وتعيين أخرى وحل مجلس القضاء والبرلمان وإصدار تشريعات بأوامر رئاسية وتمرير دستور جديد عبر استفتاء في 25 يوليو الماضي.
وأردف الحاجي: “لا يجب أن ننسى تسريبات تتعلق بعض القضايا وآخرها تسريب شركة الرهان الرياضي والوضع في جهات (مناطق) متدهور، هذا بجانب ملفات غامضة للرأي العام وآخرها تبادل الزيارات في أعلى مستوى بين تونس والجزائر ويبدو أن الأمر يتجاوز الأبعاد الاقتصادية”.
وفي الأيام الأخيرة تداولت وسائل إعلام تونسية قائمة بـ٢٥ شخصية قالت إنها على علاقة بصاحب شركة للرهان الرياضي وإن القضاء يتابعهم في قضية “تآمر على أمن الدولة”، فيما لم يصدر تعقيب عن السلطات.
واعتبر الحاجي أنه “في هذا الوضع أراد الاتحاد العام للشغل أن يبرز أنه في حالة قطيعة مع السلطة، وفعلا هذا هو خطاب القطيعة بين السلطة والاتحاد أو على الأقل التلويح بالقطيعة”.
ضغوط جهوية
غير أن المدير السابق للمعهد التونسي للدراسات الاستراتيجية (تابع للرئاسة) طارق الكحلاوي قلل من دلالات خطاب الطبوبي.
وأضاف الكحلاوي أنه “إذا كان الاتحاد ينوي التصعيد لم يكن ليمضي اتفاق زيادة الأجور مع الحكومة وهو يعرف أن صندوق النقد الدولي كان يشترط ذلك للموافقة على القرض”.
ورأى أن “الاتحاد يريد أخذ مسافة من الحكومة لأنه يعتبر أنها قلمت أظافره في ظل وجود ضغط من الاتحادات الجهوية والقواعد والقيادة النقابية وهو يعرف أن الضغط إذا توسع يصعب احتواءه”.
وخلص إلى أن “التصعيد موجه لاحتواء غضب القواعد لأنه متوقع أن يصير غضب اجتماعي بعد الزيادات الأخيرة (في الأسعار)”.
واعتبر أنه “غير متوقع أن يكون الاتحاد قادرا على التعبئة في اتجاه الرفض لأنه في وضع صعب”.
ورأى الكحلاوي أن “الإضراب العام ليوم 16 يونيو/ حزيران الماضي أظهر أن أقصى ما يمكن انتظاره هو عدم ذهاب العمال إلى العمل دون القدرة على النزول إلى الشارع للدفاع عن مطالب الاتحاد”.
وتابع: “الاتحاد يمكنه التملص من وضع الخضوع للحكومة، لكن بشرط تغير موازين القوى في الشارع من خلال احتجاجات قوية ضد النظام”.
لكن الحاجي لا يوافق الكحلاوي قائلا إن “الاتحاد أظهر اليوم من خلال يوم غضب عمال النقل أنه قادر على التعبئة.. الاتحاد يمكنه أن يستقطب فئات اجتماعية أخرى لها شعور بأن وضعيتها تدهورت وتراجعت، وهذا ما يجب ألا تنساه الحكومة”.
وتابع: “في بداية ديسمبر/ كانون الأول 2010 كان الاتحاد في حالة تعبئة شبه كلية لدعم السلطة، لكنه تملص وغير موقفه ولعب دورا كبيرا في الاحتجاجات التي أطاحت بنظام زين العابدين بن علي”.
صمت الحكومة
وحول ردود الفعل المتوقعة من الحكومة تجاه خطاب الطبوبي التصعيدي الأربعاء، قال الحاجي إن “الحكومة ستواصل الصمت واللامبالاة.. وأتوقع أن تواصل المضي قدما في نهجها هذا وهو مكلف”.
الأمر نفسه ذهب إليه الكحلاوي بقوله “ستصمت الحكومة ولن تتفاعل مع خطاب الطبوبي.. سياسة الحكومة هي أن تفعل وتتصرف وتتخذ القرارات وعلى الاتحاد أن يقبل.”
ويواجه الاقتصاد التونسي أسوأ أزمة منذ استقلال في خمسينيات القرن الماضي، بسبب عدم الاستقرار السياسي منذ ثورة 2011 وتداعيات جائحة كورونا والحرب الروسية الأوكرانية، وسط مطالبات للسلطات بالقيام بإصلاحات اقتصادية.