تناقضات ألمانيا تجاه قطر.. “مصالح ضيقة” و”ازدواجية معايير”
تباينت المواقف الألمانية تجاه قطر مؤخرا، مستهدفة تنظيمها كأس العالم إعلاميا، ومن جهة أخرى تحتفي بعقد اتفاقات غاز معها، وهو ما وصفه خبيران عربيان بأنها سياسة “المصالح الضيقة”، و”ازدواجية المعايير”.
وتحدث خبيران عربيان للأناضول، عن تناقضات داخل السياسة الألمانية وأحزابها، وتضاربها في الوقت نفسه فيما يتعلق بالمصالح، في محاولة احتلال موقع متقدم في السياسة العالمية.
وتتواصل الحملات الأوروبية ضد تنظيم قطر للمونديال، وحظرها رفع المثليين شعاراتهم خلال مباريات كأس العالم، وفي إطار الحملة، دافع وزراء أوروبيون، وفي مقدمتهم ألمان، عن حق منتخبات بلادهم لكرة القدم في التعبير عن آرائهم الداعمة لمجتمع المثليين.
وأظهرت وزيرة الداخلية الألمانية نانسي فيزر، دعمها لمنتخب بلادها عندما حضرت مباراته أمام اليابان مرتدية شارة المثلية الملونة.
وأمس الثلاثاء، قال وزير الطاقة القطري سعد بن شريدة الكعبي، إن شركة قطر للطاقة “وقعت اتفاقية مع ألمانيا، لتزويدها بالغاز الطبيعي لمدة 15 عاما تبدأ اعتبارا من 2026″، وهو ما أشاد به وزير الاقتصاد الألماني روبرت هابيك.
تناقضات سياسية
الكاتب والباحث العراقي نظير الكندوري، قال للأناضول معلقا على تناقضات السياسة الألمانية تجاه قطر إنها “لم تكن الأولى من نوعها سواء تجاه قطر أو تجاه قضايا عالمية أخرى كثيرة”.
وأضاف: “محاولة ألمانيا أن تتصدر العالم كدولة ذات شأن اقتصادي كبير، جعلتها تقع في فخ التناقض بالعديد من تلك القضايا، فتناقضت سياساتها تجاه الأزمة الأوكرانية الروسية، حيث رفضت أن تفرض عقوبات صارمة على روسيا بسبب ضمها لجزيرة القرم عام 2014”.
وأردف: “تثاقلت في دعم أوكرانيا ضد الغزو الروسي على أراضيها، ألمانيا في سنواتها الأخيرة تبدي تشددا في دفاعها عما تسميه قيما إنسانية عالمية رغم اختلاف كثير من الدول عليها مثل المثلية والحرية الجنسية”.
واستدرك الكندوري: “لكنها في نفس الوقت، تبدي مرونة في قيم إنسانية مهمة تتفق عليها جميع شعوب العالم، مثل حق الشعوب في الدفاع عن نفسها ومحاربة الاحتلال كما هو الحال في فلسطين”.
الحالة القطرية
الكندوري تطرق للحالة القطرية بالقول: “وجدنا تناقضا ألمانيًا كبيرا في التعامل مع قطر، فهي تدافع عن حق المثليين في الترويج لممارساتهم الشاذة والمرفوضة من قبل الشعب القطري والشعوب المجاورة لقطر وكثير من شعوب العالم”.
وتابع: “لكنها في نفس الوقت، تبحث عن فرصة استثمارية لتمويلها بالغاز القطري لسنين طويلة، هذا ما أعلنت عنه قطر بأنها وافقت على إمداد ألمانيا، بمليوني طن من الغاز الطبيعي المسال سنويا، لمدة 15 عاما على الأقل”.
وزاد: “يبدو أن الإدارة الألمانية تحاول أن تخوض معارك قليلة التكاليف، تستطيع من خلالها أن تصنع لها مكانة سياسية عالمية كبيرة، وتتصدر العالم سياسيًا بما يتناسب مع تصدرها عالميًا على المستوى الاقتصادي والصناعي”.
وأكمل: “لكن تتجنب القضايا الإنسانية المهمة الأخرى لأنها ستكون باهظة التكاليف بالنسبة لها، فهي تدافع عن حقوق المثليين والحرية الجنسية وحقوق العمال في بعض الدول، لكنها تتغاضى عن الإشارة إلى الجرائم تجاه الشعب الفلسطيني، أو جرائم الأنظمة الدكتاتورية تجاه شعوبهم”.
وقال الكندوري: “مراجعة تاريخ السياسة الألمانية في سنواتها الأخيرة، تكشف أنها سرعان ما تستدرك تناقضاتها حينما تتعارض سياساتها المتناقضة مع مصالحها الأساسية الضيقة، ومن المتوقع أن الحملة الألمانية المستعرة تجاه قطر، ستنتهي مع صفارة الحكم معلنة نهاية آخر مباراة في المونديال”.
وأضاف: “ستغير من إعلامها المناهض لقطر، وتفتح صفحة جديدة معها بسبب عمق حاجة ألمانيا للغاز القطري الذي أصبح موضوعا يمس الوجود الأوروبي في خضم الصراع مع روسيا على إمدادات الطاقة”.
وختم الكندوري بالقول: “ستذهب كل الحركات البهلوانية التي قامت بها وزيرة الداخلية الألمانية حينما حضرت مباراة فريقها في قطر وحملها لشارة المثليين، إلى النسيان وتذهب أدراج الرياح، وستتحول قطر بالإعلام الألماني لدولة الحرية وبلد التسامح في الشرق الأوسط”.
خطان متوازيان
الكاتبة التونسية عايدة بن عمر قالت من جانبها حول التناقضات الألمانية: “من المعلوم أن مستشار ألمانيا (أولاف شولتس) صاحب خبرة بالعلاقات الدولية، بينما حزب الخضر الذي تنتمي إليه وزيرة الخارجية (أنالينا بيربوك)، هو حزب هاو ليس له في العلاقات الخارجية ولا يهتم إلا بالشأن البيئي”.
وأضافت للأناضول: “مع سيطرة النازيين الجدد (دعاة البشرة البيضاء) على الإعلام وجد الاثنان ضالتهما على التوافق في خدمة أجنداتهم المختلفة، وكان المونديال أحد الثوابت القطرية التي وجد فيه هؤلاء فسحة للعبث، ليس لخدمة ألمانيا بل لخدمة أجنداتهم الفئوية وغير الإنسانية”.
وشرحت بن عمر حالة التناقض بالقول: “اعتبارا على المصالح الألمانية الضيقة ليس هناك تناقض بين ما هو اقتصادي وبين مهاجمة الإعلام الألماني لقطر، وكلاهما في خطان متوازيان في محاولة للضغط على قطر لافتكاك كعكة الطاقة”.
وأردفت: “حزب يريد التمركز يغازل الإعلام، وإعلام يمد جسوره لخدمة النزعة القومية للبيض أو ما يسمى بالنازيين الجدد، في المقابل نجد قطر في اتجاه واحد واستراتيجية واحدة وهي مد الجسور وربط العلاقات الخارجية في إطار أهداف خدمة الإنسانية والمشروع الإنساني العالمي”.
وبينت بن عمر، أن قطر “لا ترى مثل هذه النعرات باعتبار قوتها التي تستمدها من الطاقة والإعلام والمال، الخلاصة هي البراغماتية وازدواجية المعايير، وستبقى ألمانيا تحاول أخذ الغاز، وبنفس الوقت الظهور بمظهر الخواجة والمنتقد للشؤون الداخلية في دول العالم”.