أقسمت عليك..
ليلى غليون
(أقسمت عليك أن لا تكسب معيشتك إلا من حلال، أقسمت عليك أن لا تدخل النار من أجلي، بر أمك، صل رحمك، لا تقطعهم فيقطع الله بك ). إنها درر متناثرة نطق بها لسان تلك المرأة الصالحة التقية، والألسن مغارف القلوب تخرج ما بداخلها إن خيرًا فخير، وإن شرًا فشر.
لقد أدركت هذه المرأة بنور بصيرتها وإيمانها، أن اللقمة الحلال مفتاح سعادتها وسعادة أسرتها في الدنيا والآخرة، وأن صحة الأبدان وعافيتها بالإضافة لكونها نعمة من المنعم المتفضل الله جل جلاله، فإن سرَّها يكمن في اللقمة الحلال المغموسة بالكد والتعب وعرق الجبين، وأن الدعوة المستجابة لن يحظى بها إلا من أبى أن يُدخل في جوفه غير اللقمة الحلال، إنها امرأة لا يسيل لعابها أمام بهارج الدنيا، ولا تقف مشدوهة أمام اغراءاتها بإرادة هشة تريد الحصول على كل شيء، وبأي وسيلة ومهما كان الثمن، حتى لو كانت هذه الوسيلة من وسائل الغش والخداع كما تفعل بعض النساء اللواتي يصل الأمر بالواحدة منهن أن تقيم الدنيا ولا تقعدها إذا عجز زوجها عن تحقيق رغبة من رغباتها في أمر دنيوي، ليضطر هذا الزوج وفي كثير من الأحيان للاستدانة من البنك الربوي ويدخل بالحرام بكلتا رجليه إكرامًا لعيونها! وتتعامل هي بهذا الحرام لا بل وتغذي أسرتها وأبناءها بما هو حرام، وقد غاب عن بالها أن كل شيء نبت بالحرام فالنار أولى به، فبئست اللقمة التي تدخل صاحبها النار، وتعست امرأة قدمت دنيا فانية على ما هو خير وأبقى.
إنَّ تلك المرأة التي دفعها إيمانها بالله أولًا، ثم حبها لزوجها وإخلاصها له ثانيًا، ثم خوفها وحرصها على سعادة أبنائها وأسرتها ثالثًا، أن تقف هذه الوقفة الرائعة التي تجسد نموذجًا خلابًا للزوجة الصالحة والأم الحنون والابنة البارة، وقبل كل ذلك فهي المرأة المسلمة التي أضاء الإيمان بصيرتها وانتشر نوره في غرفات قلبها، فأزاح منه كل ظلمة، لتقسم على زوجها أن لا يدخل النار بسببها أو بسبب أبنائها، بمعنى أنها تقسم عليه أن لا يسير في الطرق الملتوية ولا المشبوهة لإرضائها، لأنها لن ترضى إلا بما يرضي الله وما يدخلها ويدخله جنته، وليس أعظم من برّ الوالدين يدخل الجنة بعد عبادته سبحانه وتعالى، فلم تطلب هذه المرأة من زوجها أن يبر أمه، بل أقسمت عليه ذلك، وهذا يدل على مدى حرصها واهتمامها الكبير أن يبر زوجها بأمه ويعمل على ارضائها وحسن معاملتها، والتي ستجني هي شخصيًا من وراء ذلك الخير الكثير والسعادة والراحة لأنها تدرك أن رضى الوالدين من رضى الله، ومن رضي الله عنه فقد كفاه. فماذا تقول بعض النساء اللواتي يقفن حاجزًا منيعًا أمام أزواجهن وبرهم لآبائهم وأمهاتهم؟ ماذا تقول من قبلت لنفسها أن تكون قاطعة رحم تقطع كل جسور المحبة والرحمة والاحسان، وجعلت من زوجها يزيغ عن الحق ويسير في طريق مهلكة، طريق النكران والجحود ليجحد أول ما يجحد تلك اليد الحنون والقلب الرؤوم الذي أفاض عليه من حنانه وشفقته، وليس أشد على قلب الوالدين ألمًا من عقوق الأبناء، وتكون المصيبة أعظم إذا كان وراء هذا العقوق زوجات الأبناء اللواتي لا يمنعهن الخوف من الله أن يقطعن ما أمر الله به ان يوصل ليقوم الزوج بجريمة مركبة بحق والديه أو إخوته وأخواته، جريمة عقوق الوالدين وجريمة قطع صلة الأرحام. فكوني أيتها الزوجة كتلك المرأة الصالحة التي عرفت ما لها وما عليها وأبت إلا أن تكون طاعة الله وتقواه هي الميزان الذي تزن فيه أعمالها، فكوني عونًا لزوجك على الخير والأجر والثواب، وإياك أن تكوني عونًا له على المعصية، واعلمي أن المال الحلال ولو كان قليلًا سيبارك الله فيه ويبارك أهله ويبارك آكله، وأن المال الحرام ولو كان مثل مال قارون سيجر الويل والبلاء والمصائب على أهله، وارضي بما قسم الله لك تكوني أغنى الناس، وأعيني زوجك على بر والديه وخصوصًا أمه واحرصي على كسب ودها ورضاها، وقومي على راحتها وحسن معاملتها وعشرتها، فهي بمثابة أمك الثانية وأم زوجك رفيق دربك وجدة أبنائك، فليسعها قلبك وليسعها وقتك وليسعها اهتمامك، لا بل احرصي أشد الحرص أن يبرها أبناؤك الذين هم أحفادها وقطعة من قلبها فمحبتهم بالنسبة لها لا تقل عن محبة والدهم كما قال المثل (ما أغلى من الولد إلا ولد الولد).
كما وذكّريه دائما بأن له إخوة يجب زيارتهم والسؤال عنهم وعن أحوالهم، وأن له أخوات يشتقن لرؤيته ويسعدن بزيارته مثلما أنك تشتاقين لإخوتك وتسعدين بزيارتهم، ولا بأس أن تذكريه أن يقدم هدية ولو بسيطة أثناء زيارته لإخوته، ولا بأس أن ترافقيه الزيارة كلما سنحت لك الظروف، فإن هذا حتما سيزيد من تعميق الروابط والصلات الحميمة بالإضافة أنك تؤدين واجبًا شرعيًا يتمثل بصلة الرحم التي قال الله تعالى فيها في الحديث القدسي: (وعزتي وجلالي لأصلن من وصلك ولأقطعن من قطعك).
إنَّ الزوجة الوفية المحبة هي التي تعين زوجها على طاعة الله، وإن الزوجة التي ملأ الأنا قلبها هي التي تعينه على معصيته، فكوني من اللواتي قال الله تعالى فيهن: {… فالصالحات قانتات حافظات للغيب بما حفظ الله..}.