معضلة احتجاجات مهسا أميني.. السلطات الإيرانية أمام خيارات محدودة لمواجهة الحراك
صحيح أن إيران اعتادت على إخماد الاحتجاجات خلال أيام وأسابيع طوال السنوات الماضية إلا أن دخول الحراك الأخير شهره الثالث وتزايد وتيرته في بعض المدن الحدودية يطرح تساؤلات عن السيناريوهات المستقبلية للمظاهرات التي أضحت تعرف بـ”حراك مهسا”.
وبينما تصر المعارضة الإيرانية في الخارج على وصف الحراك الاحتجاجي بأنه ثورة شاملة أوشكت على الانتصار لولا خذلانها من قبل القوى العالمية لم يتجاوز حديث السلطات الرسمية في طهران وصف التجمعات بالمئات وركوب موجتها من قبل أعداء الجمهورية الإسلامية.
وکان الرئيس الإيراني إبراهيم رئيسي ورئيس السلطة القضائية محسن إيجئي ومسؤولون آخرون قد دعوا المحتجين أكثر من مرة إلى الحوار، ووصف المحتجون الدعوة بأنها مجرد خدعة للإيقاع بهم وإفشال حراكهم.
ويعزو مراقبون في إيران إطالة أمد “احتجاجات مهسا” إلى نقطة قوتها الأساسية المتمثلة في انتشارها الواسع في ربوع البلاد خلافا لسابقاتها التي كانت تتمركز في العاصمة طهران وعدد من المدن الكبرى، إلا أنهم يعتبرون افتقارها إلى قيادة موحدة في الداخل التحدي الأكبر الذي قد يقوض شرارتها مع مرور الوقت.
ولاستشراف السيناريوهات المحتملة لمستقبل الاحتجاجات في إيران استطلعت الجزيرة نت آراء عدد من الخبراء والباحثين الإيرانيين، حيث اتفقوا على خطوطها الرئيسية وانقسموا بشأن احتمالات استمرارها في الفترة الراهنة.
سيناريوهات محتملة
بدوره، يرى الباحث الأكاديمي في الإستراتيجيات والدراسات المستقبلية مهدي مطهرنيا في حديثه للجزيرة نت أن مستقبل الحراك الاحتجاجي المتواصل في إيران لن يخرج عن السيناريوهات الأربعة التالية:
- السيناريو الأول: تفاعل السلطة مع حق الشعب في الاحتجاج والعمل على تلبية المطالب التي ينادي بها المحتجون، وذلك عبر الاعتراف بضرورة التغيير من أجل تحسين معيشة المواطن وضمان حقوقه وفق متطلبات العصر الحديث، وأن تؤمن السلطات بأنه لا يمكن عزل المجتمع عن البيئة التي تعيشها الشعوب الأخرى والتقنيات التي تسخرها لتسهيل الحياة.
- السيناريو الثاني: مقاومة التغيير وتحويل الاحتجاجات المطلبية إلى أعمال شغب تمهيدا لقمعها، لكن على السلطات الحاكمة أن تعرف أنها لن تستطيع القضاء على الحراك الاحتجاجي نهائيا ما لم تلب مطالبه الشعبية، وحينها ستبقى الاحتجاجات كالجمر تحت الرماد وستنطلق في أقرب فرصة ممكنة.
- السيناريو الثالث: إنكار وجود مطالب شعبية ورفض الاعتراف بالاحتجاجات، وبالتالي تبني سياسة المواجهة نتيجة الانسداد السياسي الناتج عنها، مما سيؤدي إلى تراكمات مطلبية وتعقيد الأزمة التي قد تنفجر في أي لحظة بما لا يحمد عقباها بعد.
- السيناريو الرابع: تقويض النظام من الداخل وتزايد الضغوط الخارجية، وذلك بسبب إصراره على عدم الاعتراف بالاحتجاجات ومطالبها حتى تستنزف طاقاته وتفتح الباب على مصراعيه، لزيادة الضغوط الخارجية على البلاد.
وخلص مطهرنيا إلى أن الجمهورية الإسلامية تشبثت بالسيناريو الثاني خلال الشهرين الماضيين، حيث قاومت التغيير وحولت الاحتجاجات إلى أعمال شغب تمهيدا لقمعها.
لكن الباحث الإيراني لا يخفي خشيته من تحول المواجهة بين الجمهورية الإسلامية والحراك الاحتجاجي إلى السيناريو الرابع الذي لن يجلب سوى المزيد من الضغوط الخارجية على البلاد ولن يساعد في حل الأزمة.
تدخل خارجي
ويشاطر الدبلوماسي السابق فريدون مجلسي الأكاديمي الإيراني مطهرنيا رأيه في أن تطورات الاحتجاجات الراهنة في إيران تسير نحو منعطف خطير بسبب عدم اعتراف السلطة بوجود احتجاجات ومطالب شعبية، لكنه يرى أن السيناريو الرابع سيؤدي إلى تكرار تجربة التدخل الأجنبي في ليبيا عام 2011.
ويقول مجلسي، إن “احتجاجات مهسا” ليست الأولى من نوعها في الجمهورية الإسلامية التي تمكنت من إخماد أخواتها خلال السنوات الماضية، مضيفا أنه بسبب سياسات إيران الخارجية النابعة من ثوابتها الثورية وتحدي طهران المستمر للقوى الكبرى فقد بلغت الضغوط الخارجية ذروتها خلال العقود الماضية، ويخشى الإعلان رسميا عن تحالفات خارجية لمواجهة النظام الإسلامي في إيران.
وأوضح الدبلوماسي الإيراني السابق أن “احتجاجات مهسا” تزامنت مع بلوغ المفاوضات النووية طريقا مسدودا، والإعلان عن خطوات نووية جديدة ردا على قرار مجلس محافظي الوكالة الدولية للطاقة الذرية الذي ينتقد طهران بسبب ما سماه عدم تعاونها مع الوكالة، إلى جانب ملف الطائرات المسيرة الإيرانية في حرب روسيا على أوكرانيا.
وعزا مجلسي السبب الرئيسي وراء زيادة الضغوط الخارجية على طهران إلى تهديدها المتواصل بالقضاء على إسرائيل وإعلانها رسميا أنها تعمل على تحقيق هذا التهديد ليلا ونهارا، مضيفا أن الدول المعارضة لمثل هذه السياسة قد شكلت تحالفا لمواجهة طهران، وأن استمرار الاحتجاجات لفترة أطول قد يفتح الباب لتدخل التحالف الأجنبي الذي يرى الفرصة سانحة للانقضاض على نظام الجمهورية الإسلامية، على حد قوله.
نهاية وشيكة
في المقابل، يعتقد الباحث الإيراني في الشؤون السياسية مهدي عزيزي أنه تم تضخيم الاحتجاجات الأخيرة عبر التهويل الإعلامي الممنهج في غرف العمليات التي تديرها جهات أجنبية، على حد تعبيره، مستدركا أن حكومة بلاده تعترف بحق المواطن في الاحتجاج والحراك المطلبي، وأن الجهات المعنية قد بدأت دراسة إصلاحات اجتماعية واسعة، وهذا ما أشار إليه رئيس البرلمان محمد باقر قاليباف أكثر من مرة.
ولا يمكن عقد مقارنة بين الاحتجاجات المتواصلة والحركة الخضراء التي أعقبت الانتخابات الرئاسية عام 2009 في إيران، وفق عزيزي الذي أوضح للجزيرة نت أن الأوساط الأمنية تفرق بين المحتجين السلميين ومثيري الشغب الذين يعملون على تأزيم الوضع في البلاد، وهو ما أدى إلى إطالة أمد الاحتجاجات.
ووصف السيناريو الأول المتمثل في تفاعل السلطات الإيرانية مع المطالب الشعبية والعمل على تلبيتها بأنه الأرجح بين السيناريوهات المستقبلية لحراك مهسا، مؤكدا أن بلاده تحرص على ضمان الأمن بأقل عدد من العسكر وتفادي استخدام القوة الخشنة، مما تسبب في اتهام القوات الأمنية بالتساهل مع مثيري الشغب.
وأشار عزيزي إلى أن عدد قتلى الأمن خلال الشهرين الماضيين يفوق عدد الضحايا بين المحتجين، مما يثبت حرص القوات الأمنية على عدم إراقة دماء المواطنين المحتجين، على حد تعبيره.
وقال إن هناك أوامر باستخدام القبضة الحديدية مع مثيري الشغب والمخلّين بالأمن القومي، ولا سيما العناصر الموجهة من الخارج.
واعتبر الباحث الإيراني عزيزي أن شريحة كبيرة من المحتجين ترفض الشعارات المتطرفة وأعمال الشغب التي تسوق لها وسائل الإعلام الأجنبية الناطقة بالفارسية، مثل حرق المساجد والمصاحف، مضيفا أن احتمالات حدوث السيناريو الرابع والتدخل الخارجي في إيران تكاد تكون صفرا “لمعرفة أعداء الجمهورية الإسلامية بالأوراق التي تمتلكها الأخيرة للدفاع عن نفسها”.
وانطلقت الحركة الاحتجاجية الأخيرة في إيران منتصف سبتمبر/أيلول الماضي بعد اعتقال ما تسمى “شرطة الأخلاق” الشابة مهسا أميني (22 عاما) في طهران بسبب ارتدائها “ملابس غير مناسبة” بحسب السلطات، وتوفيت أميني بعد 3 أيام قضتها في المستشفى بعد إصابتها بإغماء.
وتقول أسرة مهسا إنها تعرضت لضرب أفضى إلى موتها في الحجز، وهو ما نفته الشرطة الإيرانية، وأكدت أنها ماتت إثر إصابتها بنوبة قلبية.