أمريكا تخشى انهيار السلطة وتعجز عن كبح التطرّف الصهيوني
تحذيرات الولايات المتحدة الأمريكية لـ”إسرائيل” من انهيار مؤسسات السلطة الفلسطينية لها ما يبررها من خشية أمريكية على استقرار المشهد السياسي الإقليمي في ظل فشل مشروع التسوية والسلام الاقتصادي مع تنامي القناعة بجدوى المقاومة الشعبية لكبح جماح الاحتلال.
وبعثت الولايات المتحدة الأمريكية قبل أيام برسالة تحذير لـ”إسرائيل” من مغبة انهيار السلطة الفلسطينية خلال المدّة القادمة خلال رسالة نقلها المبعوث الأمريكي الخاص بعلاقات الاحتلال والسلطة “هادي عمر” حين زار “إسرائيل”.
وأفادت الرسالة أنَّ الإدارة الأمريكية تخشى من فقدان السلطة الفلسطينية السيطرة على مناطقها، مناشداً الاحتلال اتخاذ خطوات لمصلحة تعزيز قوة السلطة.
ورعت الولايات المتحدة الأمريكية عملية التسوية بين الفلسطينيين و”إسرائيل” منذ انطلاقتها في مطلع تسعينيات القرن الماضي حتى تعثرت تمامًا عام 2015م مع هيمنة التطرّف الصهيوني على المشهد السياسي.
وكانت جهات أمنية إسرائيلية حذرت قبل أسابيع قيادة الاحتلال من انهيار السلطة مع تنامي المقاومة الشعبية في الضفة المحتلة واستمرار حصار غزة وتعثّر التسوية خشية الدخول في فراغ سياسي وحالة فوضى.
وفي حين تجمع “إسرائيل” والسلطة الفلسطينية مصالح مشتركة على رأسها استمرار التنسيق الأمني ترفض “إسرائيل” الوفاء بكل التزاماتها الموقعة منذ انطلاق التسوية، وتعزز تهويد واستيطان الضفة والقدس المحتلة.
استقرار مهم
حين دفع المجتمع الدولي بزعامة الولايات المتحدة الأمريكية نحو إنشاء السلطة الفلسطينية وحل الصراع العربي-الإسرائيلي من نافذته الأهم وهي القضية الفلسطينية كان المراد تسكين المشهد السياسي لمصلحة “إسرائيل” ودمجها في الشرق الأوسط.
ويؤكد د. أحمد رفيق عوض -المحلل السياسي- أن التحذير الأمريكي الآن من انهيار السلطة الفلسطينية له مبررات دولية وإقليمية أهمها ضمان استمرار الواقع كما هو حتى تضمن استقرار المنطقة والإقليم.
وتقضم قوى دولية وإقليمية بشكل متصاعد من الهيمنة الأمريكية في الشرق الأوسط مع تقدم الدور الروسي والمشروع الإيراني والتركي والصيني، لذا تخشى أمريكا من فقدان جزء من إستراتيجيتها القائمة على أمن وسيادة “إسرائيل” والتحكم بالنفط.
ويضيف المحلل عوض، “لا تزال السلطة تحظى بدعم كامل من الأطراف الإقليمية والدولية، لكن هناك جهات إسرائيلية متطرفة تسعى لإضعافها سواء من الداخل أو الخارج”.
انهيار السلطة الفلسطينية حسب عمل اليمين الإسرائيلي يعني القضاء على حل الدولتين الذي لم يعد واقعيًّا وسلب أراضي الضفة، وبذلك توقع شهادة وفاة عملية التسوية كلها.
جهات إسرائيلية عديدة حذرت “نتنياهو” رئيس حكومة الاحتلال المرتقب من انهيار السلطة، ودعت لضرورة دعمها؛ لأن انهيارها يورّط “إسرائيل” مجدداً في تحمل مسؤولية حياة المواطن الفلسطيني.
ويقول محمد مصلح -الخبير في الشؤون الإسرائيلية-: إن جهاز الأمن الداخلي الإسرائيلي “الشاباك” جلس مؤخراً مع “نتنياهو” محذراً من انهيار السلطة وتلاشي التنسيق الأمني؛ لأن المشهد الأمني بالضفة تغيّر جزئيًّا مع تقدم المقاومة.
ويتابع، “خشية أمريكا من انهيار السلطة هي خشية من انهيار مشروعها في الشرق الأوسط الذي أسسته اتفاقية أوسلو. أمريكا تريد حل الدولتين، وتمر الآن بصراعات مع تركيا وإيران ورسيا والصين، وهي بحاجة لورقة تحكم بها سياستها في المنطقة”.
وقفزت “إسرائيل” عن تمتع القضية الفلسطينية كمفتاح لتقدم مشروعها في الشرق الأوسط مع انطلاق عجلة التطبيع مع أنظمة عربية بدعم أمريكي، لذا زاد التطبيع من ضعف السلطة الفلسطينية السياسي.
فاشية إسرائيلية
اليمين واليمين المتطرّف المهيمن على مشهد “إسرائيل” السياسي منذ عقدين مع تراجع اليسار والوسط الإسرائيلي بدّد آخر الآمال بدفع عملية التسوية، وبرزت احتمالات تنذر بصدام ميداني وفشل سياسي تؤيده وقائع العدوان اليومي وزيادة الاستيطان والتهويد خاصة في القدس المحتلة.
ويشير المحلل عوض أن أحزابًا إسرائيلية تصل لمرحلة الفاشية ستدخل بمزيد من القوة لحكومة الاحتلال المرتقبة وهي ترى أن السلطة الفلسطينية لا داعي لوجودها ويمكن استبدال دورها بسلب الضفة المحتلة.
وترى الإدارة الأمريكية أن “خطّة الضم” خط أحمر وهي تنذر بالدخول في حالة فوضى وعدم الاستقرار، لذا ترى أن الدعم الاقتصادي الآن للسلطة يخفف من حدّة التوتر في حين تلوّح في الوقت ذاته بأهمية الحل السياسي.
ويؤكد الخبير مصلح أن أمريكا تريد دفع التطبيع العربي، لكنها في الوقت ذاته ترفض هيمنة التطرّف الصهيوني؛ لأن تطرّف الاحتلال سيقابله مقاومة فلسطينية متصاعدة وتعزيز للتطرّف الصهيوني.
ويتابع: “لا تزال القضية الفلسطينية محور الصراع العربي-الإسرائيلي رغم تغير المشهد، ونتنياهو يكذب حين يزعم أن الفلسطينيين يرفضون حل الدولتين، ويسعى لإسقاطه بمبررات كاذبة، وهذا سيعزز المقاومة المسلحة ضد الاحتلال، وينمّى حالة التطرّف، وانهيار السلطة سيقسم المشهد لمقاومة مسلحة تشارك بها فصائل فلسطينية”.
ولن يحل البديل الاقتصادي أزمة الصراع الفلسطيني-الإسرائيلي، فالحل كان دوماً ولا يزال سياسيًّا، ولا توجد قدرة أمريكية ولا رغبة إسرائيلية على دفع الحل السياسي قدماً، لذا الحلول الاقتصادية محاولة مؤقتة لعدم انفجار المشهد فقط.
ومنذ عقد ونصف هيمن فيه “نتنياهو” على قيادة “إسرائيل” همّش التسوية مع السلطة الفلسطينية مقدماً عليها رؤيته من الملف الإيراني وسوريا في حين تبدو أمريكا منشغلة أكثر من أي وقت مضى بالحرب في أوكرانيا وملفات دولية مثل نووي إيران وتقدم الدور الروسي والصيني.
المصدر: المركز الفلسطيني للإعلام