استطاع جمع 10 آلاف قطعة أثرية.. “الحروب” متحف يروي تاريخ فلسطين
بجهد شخصي استطاع الفلسطيني إسحاق الحروب، جمع نحو 10 آلاف قطعة أثرية، ليؤسس أكبر متحف فلسطيني يضم حقباً زمنية متعددة، غالبيتها عثمانية.
ويقول الحروب، وهو معلم متقاعد، إن شغفه دفعه لأن يمضي عمره وماله في جمع تلك القطع الأثرية النادرة، والتي تشكل هوية وتاريخ شعبه.
وأضاف، بينما يتفقد بعض من القطع، إن البداية كانت بينما كان طفلا صغيرا، ويعيش في قريته الصغيرة “دير سامت”، إلى الجنوب من الخليل، عندما كسر إبريق فخاري، ورمي في فناء المنزل.
وتابع: “بعد أيام من رمي الإبريق، قلت سأحتفظ به وعندما أكبر أقول لأحفادي :هذا الإبريق كنت أشرب منه، واستخدمه والدي للوضوء”.
وما يزال الحروب يقتني الإبريق ضمن مجموعته.
وأشار إلى أنه جاب فلسطين التاريخية، ومخيمات اللاجئين في سوريا ولبنان والأردن لشراء المقتنيات الأثرية، ويحتفظ بما هو مميز ويبيع ما هو دون ذلك لتوفير قوت عائلته.
وعمل الحروب مدرسا للعلوم العامة والرياضيات في المدارس الفلسطينية بالضفة الغربية على مدار 27 عاما، وله تسعة من الأبناء والبنات.
وقال: “خلال هذه السنوات استطعت بناء متحف يغطي فلسطين لا مثيل له”.
وتابع: “المتحف وتلك القطع تحافظ على الرواية الفلسطينية لمواجهة الرواية الإسرائيلية التي تحاول سرقة تاريخ وحضارة الشعب الفلسطيني”.
وأضاف: “لا يمكن لإسرائيل أن تطمس تاريخنا، كل شيء هنا يفند روايتهم”.
ويرفض الحروب بيع أي من تلك القطع، وقال إنها “جزء منه ولا يمكنه الاستغناء عنها”.
متاحف
وقسم العجوز الفلسطيني تلك القطع، على متاحف متعددة، أبرزها “المتحف الوطني التراثي الفلسطيني ” في مدينة بيت لحم.
وقال: “بعد هذه السنوات الطويلة أريد أن أحافظ على تلك القطع من الاندثار والسرقة، لذلك وضعتها في عدة متاحف منها في رام الله (وسط)، وأريحا (شرق)، وبيت لحم (جنوب)، والقليل في بيته”.
وأشار إلى أنه وقع اتفاقية مع وزارة السياحة والآثار الفلسطينية تضم كل تفاصيل تلك القطع التاريخية بهدف الحفاظ عليها وعدم بيعها أو إهدائها أو التفريط فيها بأي شكل كان.
وذكر أنه “يمكن لأي فلسطيني أو سائح أن يشاهد تلك القطع”.
وكان الفلسطيني الحروب يتحدث من داخل المتحف الوطني التراثي والذي يضم 2570 قطعة وهو الأكبر في فلسطين، ويقام بموقع “قلعة مراد” العثمانية في مدينة بيت لحم.
ويستقطب الموقع عددا كبيرا من السياح الأجانب، وطلبة مدارس وجامعات، ومختصون في التاريخ.
و”قلعة مراد” شيدت في زمن السلطان العثماني مراد الرابع، بهدف حماية ينابيع المياه التي تزود مدينة القدس، وحماية الحجاج، ويعود بنائها إلى العام 1622.
أقسام وحقب زمنية
وأِشار الحروب إلى أن القطع تعود إلى حقب تاريخية مختلفة، أبرزها الخلافات الإسلامية.
وفي متحف بيت لحم خصص عدة أقسام لها، منها قسن أدوات الزراعة بكل مكوناتها من محراث وأدوات لعصر ثمار الزيتون، والمطاحن، وإنتاج عسل النحل، وأدوات حفظ الحبوب.
وهناك قسم خاص بالمهن الحرفية كالنجارة والحدادة، والإسكافي (صناعة الأحذية)، وأدوات الحلاقة وغيرها.
وخصص قسم خاص بالمنزل الفلسطيني، من أدوات مطبخ، وبيت الزوجية، والملابس التقليدية، والزينية.
وعن ذلك يقول الحروب: “هنا يمكن أن تتعرف كيف عاش الفلسطيني قديما، وماذا أرتدى، والأدوات التي استخدمها في حياته”.
ولم يكتف الحروب بجمع تلك القطع، حيث عمل على توثيقها في كتاب خاص، سمي “أطلس التراث الريفي الفلسطيني”.
الحقبة العثمانية
وتشكل الحقبة العثمانية أكبر مكون من القطع التي جمعها الحروب.
ففي زاوية مخصصة للأدوات الحربية، قطعا أثرية منها “خوذ وقنابل مدفعية، وأدوات الجندي من حزام رصاص، ومحفظة بارود، وخوذ وسيوف، وعربات نقل الجنود”.
وعن ذلك قال جامع الآثار الفلسطيني: “تعد الحقبة العثمانية هامة في فلسطين ولها أثر كبير على حياة الفلسطيني”.
وتابع: “أكبر مكون في القطع التي جمعتها تعود للزمن العثماني في فلسطين”.
وبينما كان يشير إلى عربة نقل جنود، وقال “هذه العربة استخدمها الجيش العثماني لنقل الجنود، وكان يجرها حصانين إثنين، وجدتها عند عائلة فلسطينية في مخيمات سوريا، ونقلتها بجهد شخصي إلى هنا.
ويخلو المتحف من أسلحة نارية، وعن ذلك يقول “جمعت عددا من الأسلحة (بواريد) العثمانية والإنجليزية، وهي موجودة اليوم في الأردن، ولا يسمح لي بإدخالها إلى الضفة الغربية”.
ويقف الحروب أمام غطاء رأس عروس كان يسمى قديما بـ “وقاة الدراهم”، ويقول إنها “الأغلى وتحتوي على مئات القطع النقدية الفضية العثمانية، وقدر سعرها بنحو 10 آلاف دولار”.
ولفت إلى أنه حصل مؤخرا، على “نيشان” لفلسطيني خدمة في الجيش العثماني، وشارك في معركة “جناق قلعة”، وكان له دور كبير في حسم المعركة لصالح الجيش العثماني.
وتابع: “الجيش العثماني كرم ذلك الجندي بنيشان خاص، وجد قبل سنوات في منزله جنوبي الخليل”.
وأشار إلى أنه اشترى النيشان ويحتفظ فيه وسيعرضه لاحقاً أمام زوار المتحف.