أزمة الطاقة تقلص من طموح مواجهة تطرف المناخ (تحليل)
ـ أوروبا قلصت طموحها في الوصول إلى 45 بالمئة من مصادر الطاقة المتجددة في عام 2030 إلى 40 بالمئة
ـ الدول الصناعية الكبرى لم تف بعد بالتزاماتها المالية لدعم الدول منخفضة الدخل في مواجهة تطرف المناخ
شكلت الحرب الروسية الأوكرانية وما نتج عنها من أزمة عالمية للطاقة نكوصا عن الأهداف التي سطرتها قمة المناخ في باريس، وعلى رأسها الوصول إلى الحياد الكربوني في العام 2040، إلا أن الإحصاءات تكشف عن ازدياد الاعتماد على الفحم في إنتاج الكهرباء، رغم أنه أكثر مصدر للطاقة ملوث للبيئة.
وشرعت أوروبا في تقليص طموحاتها المتعلقة بالوصول إلى 45 بالمئة من مصادر الطاقة المتجددة في العام 2030 إلى 40 بالمئة، بحسب موقع “يورو أكتيف”.
تطرف المناخ وتصاعد الصراع
ففي عام 2022، شهد العالم تطرفا غير معتاد للمناخ في أوروبا، جفت فيه أنهار كانت تسقي مساحات واسعة من الأراضي التي تنتج الغذاء، ومنها تولد الطاقة الكهرومائية النظيفة وتبرد مياهها المفاعلات النووية وتستخدم في النقل النهري حتى بين الدول.
لكن الأسوأ يضرب منطقة القرن الإفريقي، فالجفاف يدفع الناس للنزوح والهجرة ويجعلهم على حافة المجاعة ويؤجج الحروب.
وبحيرة تشاد في الساحل الإفريقي مثال واضح على تأثير تطرف المناخ على حياة البشر، حيث انحصرت مياه البحيرة إلى درجة تهدد فيها حياة عشرات آلاف الناس الذين يعتمدون عليها في الشرب وصيد الأسماك وسقي حقولهم وإرواء ماشيتهم، لكنها تحولت إلى بؤرة للجماعات الإرهابية ولصوص الماشية.
ولا يمكن نسيان الحرائق الهائلة التي اشتعلت في أكثر من دولة متوسطية، خاصة بالجزائر في 2021، والتي حصدت عشرات الأرواح.
وعلى النقيض من الجفاف والحرائق، أغرقت الفيضانات هذا العام ثلث أراضي باكستان، وأحدثت خسائر مروعة.
تطرف المناخ يرجعه الخبراء إلى ارتفاع درجة حرارة الأرض (وليس الجو) بسبب انبعاث الغازات الدفيئة (مثل ثاني أكسيد الكربون) المتولدة بالأخص من حرق الوقود الأحفوري المتمثل في الفحم والنفط وبدرجة أقل الغاز الطبيعي.
ونظرا لتقليص روسيا صادراتها نحو أوروبا وسعي الأخيرة للتخلص من تبعيتها للغاز الروسي، وكنوع من العقوبات على موسكو بعد غزوها لأجزاء من أوكرانيا، أدى ذلك إلى ازدياد الطلب على الغاز، فتضاعفت أسعاره في الأسواق العالمية بشكل رفع فواتير الكهرباء والغاز المنزلي ودفع الناس للاحتجاج.
ولجأت الحكومات في أوروبا لتخفيض تشددها بشأن استغلال الغاز الطبيعي والطاقة النووية بل وحتى الفحم في إنتاج الكهرباء، ما أغضب المدافعين عن البيئة.
ففي ظل أزمة الطاقة تراجعت الأولويات البيئية إلى مراتب خلفية، ولم يحقق التحول نحو الطاقات المتجددة الأهداف المرجوة، وما زال الوقود الأحفوري المصدر الأول للطاقة.
ورغم ارتفاع حصة الطاقات المتجددة في نصيب إجمالي إنتاج الطاقة العالمي وتقليص الشركات العالمية للمحروقات استثماراتها في استكشاف النفط والغاز وتركزيها على الطاقات النظيفة، إلا أن الحرب في أوكرانيا كشفت أن العالم ليس جاهزا بعد لتحقيق تحول في الطاقة.
فقمة المناخ في باريس 2015، وضعت هدف تقليص حرارة الأرض إلى 1.5 درجة، إلا أن الواقع الحالي بعيد عن هذا الهدف.
وبحسب ما نقلته شبكة “بي بي سي” البريطانية عن أمين عام المنظمة العالمية للأرصاد الجوية، بيتيري تالاس، فإن “بعض الدول تكافح حتى الآن لتحقيق هدف ارتفاع درجة الحرارة بواقع درجة ونصف، ونتجه الآن نحو 2.5 درجة إلى 3 درجات بدلا من 1.5 درجة”.
تحدي التنفيذ
أكبر تحد يواجه قمة المناخ المنعقدة في شرم الشيخ بمصر بين 6 و18 نوفمبر/تشرين الثاني ليس الخروج بقرارات جديدة، بل تنفيذ ما تم الاتفاق عليه في قمم سابقة وبالأخص اتفاق باريس 2015.
وهذا التحدي عبر عنه وزير الخارجية المصري سامح شكري، رئيس الدورة 27 للمؤتمر، بالقول: “حان الوقت للانتقال من المفاوضات والتعهدات إلى مرحلة يحظى فيها التنفيذ بالأولوية”، مشددا على “أننا لا نملك ترف الاستمرار على هذا النهج”.
وبالنسبة للأمم المتحدة، فالهدف المنتظر من قمة “كوب 27″، التي حضرها نحو 120 زعيم دولة من إجمالي 200 وفد، اتخاذ إجراءات حاسمة لمعالجة حالة الطوارئ المناخية.
وتتمثل هذه الإجراءات في “الحد بشكل عاجل من انبعاثات غازات الاحتباس الحراري، وبناء القدرة على الصمود والتكيف مع الآثار الحتمية لتغير المناخ، وصولًا إلى الوفاء بالتزامات تمويل العمل المناخي في البلدان النامية”.
والنقطة الأخيرة تمثل مربط الفرس، فالدول الغنية التي تعهدت في اتفاقية باريس بتوفير 100 مليار دولار لتمويل الدول الفقيرة الأكثر تضررا من التغير المناخي.
إلا أن الدول الإفريقية المصدر للنفط والغاز تضررت بشكل غير مباشر من تقليص الشركات العالمية من استثماراتها في قطاع المحروقات بالقارة السمراء، وتوجهها نحو الاستثمار أكثر في الطاقات النظيفة مثل طاقة الشمس والرياح والكهرومائية وباطن الأرض وأمواج البحر.
ودول مثل نيجيريا والجزائر وأنغولا التي تعتمد على تصدير محروقات كمصدر رئيسي في اقتصادها، شكل هذا التحول المفاجئ للشركات العالمية نحو الطاقات المتجددة صعوبات في تطوير حقول النفط والغاز لزيادة الصادرات.
فالتحول الطاقوي سيكون له انعكاسات سلبية على الدول النامية المصدرة للنفط والغاز، ما يتطلب دعمها ماليا وتكنولوجيا لتشجيعها نحو التحول لإنتاج الطاقة النظيفة، على غرار الهيدروجين الأخضر والطاقة الشمسية، التي تمتلك الدول العربية والإفريقية إمكانيات هامة تؤهلها للتحول إلى دول مصدرة لطاقة متجددة.
كما أن الطاقة الشمسية أثبتت فاعليتها في مناطق النزاعات على غرار اليمن والصومال ومخيمات اللاجئين الصحراويين بولاية تيندوف الجزائرية، حيث لا تتطلب شبكات أسلاك وأعمدة كهربائية لإيصالها إلى مناطق بعيدة ومعزولة، بل فقط مولد كهربائي مع لوح للطاقة الشمسية يكفي احتياجات بيت كامل.
لكن استمرار الحرب الأوكرانية ومعها أزمة الطاقة العالمية وشبح ركود الاقتصاد العالمي مع تصاعد مؤشرات التضخم في كبرى الاقتصادات في أوروبا وآسيا وأمريكا الشمالية، يضع الكثير من الشكوك حول مدى التزام الدول الصناعية بدعم الدول منخفضة الدخل لمواجهة تطرف المناخ وتحقيق الحياد الكربوني.