بعد 18 عاما على رحيل عرفات.. لماذا لم تعلن نتائج التحقيق؟
18 عاما مرت على الوفاة الغامضة للرئيس الفلسطيني الراحل، ياسر عرفات، وفي كل عام يتجدد السؤال “من قتل أبا عمار؟”، دون إجابة واضحة ومؤكدة، حيث لم تنشر السلطة الفلسطينية؛ كجهة رسمية حتى الآن أي إعلان رسمي عن نتائج التحقيقات في “اغتيال” الرمز الفلسطيني.
وتحل غدا الجمعة، الذكرى الـ18 لرحيل أبي عمار المولود في 4 آب/ أغسطس 1929، والمتوفى بشكل غامض داخل مستشفى “كلامار” العسكري الفرنسي بالعاصمة الفرنسية باريس في 11 تشرين الثاني/ نوفمبر 2004 عن عمر ناهز الـ75 عاما، عقب تدهور حالته الصحية بعد حصاره داخل مقر الرئاسة الفلسطينية في مدينة رام الله بالضفة الغربية المحتلة من قبل جيش الاحتلال الإسرائيلي.
نزاع وتسريب
وعقب وفاة عرفات، فإنها شكلت لجنة تحقيق خاصة من قبل السلطة وحركة “فتح” برئاسة عضو اللجنة المركزية لحركة فتح، اللواء توفيق الطيراوي، الذي استقال مؤخرا من منصبه كمفوض للمنظمات الشعبية التابعة لـ”فتح”، وبعد مرور كل هذه السنوات، لم يعلن رسميا عن أي نتائج لتلك التحقيقات، أو حتى عن القاتل المنفذ لعملية الاغتيال، والطريقة الغامضة التي تمت بها تصفية الرمز الفلسطيني.
اللافت في القضية؛ التسريب الذي يعتقد أنه مقصود لبعض الوثائق من ملف التحقيقات في وفاة عرفات، والذي يتزامن مع نزاعات نفوذ داخل حركة فتح، على الشخص الذي يمكن أن يخلف رئيس السلطة الحالي محمود عباس البالغ من العمر نحو 86 عاما.
وفي قراءته لعدم نشر نتائج التحقيقات بعد مرور 18 عاما على اغتيال عرفات، أكد الكاتب والمحلل السياسي سامر عنبتاوي، أنه “بلا شك، أن الرمز الفلسطيني عرفات، قضى في عملية إسرائيلية، ومعظم الشعب الفلسطيني على قناعة تامة بأن عرفات تم اغتياله بطريقة معقدة”.
وأضاف: “منذ اغتيال الرئيس الراحل، مرت سنوات طوال وفتح التحقيق وتشكلت لجان وبحث الموضوع في أكثر من اتجاه، ولكن للأسف، حتى هذه اللحظة لا يوجد أي مؤشر واضح عن المسؤولين (المنفذين) عن اغتياله، والمسؤولية الأساس يتحملها الاحتلال، لكن بكل تأكيد هناك من تعامل مع الاحتلال في عملية الاغتيال”.
وذكر عنبتاوي، أن “عدم صدور أي إعلان عن نتائج التحقيقات يثبت أن هناك من يراد التستر عليهم والتكتم على الأمر، ولا يوجد من يستطيع أن يقتنع، بأنه طيلة هذه الفترة ومع كل هذه اللجان والتحقيقات، لم يتمكن فريق التحقيقات من الوصول إلى المسؤول عن عملية الاغتيال، ورغم أنه من المؤكد أن الأطباء في فرنسا استطاعوا التعرف على سبب وفاته المباشر فإن هناك تكتما واضحا حتى اللحظة”.
ورأى أنه “بدلا من أن يحتفلوا الآن بذكرى وفاته، فإن المفترض أن يحتفلوا بالكشف عن القائمين على اغتياله (بشكل بمباشر أو غير مباشر) ومساعدة دولة الاحتلال في تنفيذ عملية اغتيال عرفات”.
طمس الحقيقة
وعن المستفيد من عدم نشر نتائج التحقيق بشكل رسمي حتى الآن، قال: “المتورطون بكل تأكيد، وهناك جهات فلسطينية متورطة في التآمر على الرئيس الشهيد عرفات، لا يريدون للأمور أن تتكشف بأي شكل من الأشكال، ولذلك فإن هؤلاء يحاولون طمس الحقيقة ومنع أي تقرير يصدر يحمل مؤشرات عن هوية المسؤولين عن اغتيال عرفات”.
وتابع: “من لا يريدون كشف حقيقة من يقف خلف اغتيال عرفات، يسعون لطمس الحقيقة، واعتقد أن المستقبل كفيل بكشف هؤلاء”، منبها إلى أن “من تورطوا في عملية اغتيال عرفات، فإن من الواضح أن لديهم نفوذا (داخل السلطة)، لأنه لو كانت هناك جدية واضحة في عملية الكشف؛ لكان هناك تحقيق مكثف ومعلومات يمكن أن يستفاد منها، للوصول إلى الحقيقة، لكن بالتأكيد، هناك من هو متنفذ ويمنع ظهور الحقيقة”.
ولفت المحلل، إلى أن “هناك من يغطي على من تعاون مع دولة الاحتلال في الوصول إلى عرفات واغتياله، وهذا يتضح بشكل كبير في مجريات التحقيق، خاصة بعد مرور هذه السنوات الطوال دون الوصول لطرف الحقيقة، علما بأن أكثر من مسؤول فلسطيني أعلنوا عن الاقتراب من الوصول إلى الحقيقة، ولكن سرعان ما يتم إخفاء الموضوع وتنتهي القضية”.
ونبه إلى أن “الشهيد أبا عمار، اغتيل بإرادة إسرائيلية واضحة وبمعاونة فلسطينية، ولكن حتى اللحظة فإن عملية الكشف عن هذا الحقيقة، تطمس لمصالح شخصية”.
وحول تسريب بعض وثائق التحقيقات مع شخصيات بارزة عن اغتيال عرفات في هذا التوقيت، رجح عنبتاوي، أنها قد تكون نتيجة “نزاعات داخل أجهزة السلطة؛ مع وجود بعض التناقضات الشخصية بين أطراف مختلفة، فكشف وإخفاء بعض الوثائق، لا تعدو كونها تناحرات داخل أجهزة السلطة”.
وبين أنه “من الخطأ الكبير والأمر المسيء جدا، أن تستعمل قضية وفاة الرئيس الشهيد ياسر عرفات في مناكفات وتجاذبات داخلية (داخل السلطة وحركة فتح)”، مشددا على أهمية “وجود لجنة مهنية، توفر لها كل الإمكانات، من أجل كشف الحقائق، عدا عن ذلك، فهي عبارة عن مماحكات داخلية تظهر في بعض الفترات وتختفي، ضمن توازنات القوى داخل القيادة، وهذ يوضح لماذا ظهرت بعض الأوراق واختفت أخرى”.
انقسام “فتح”
من جانبه، أكد أستاذ العلوم السياسية، ناجي شراب، أن “قضية اغتيال عرفات، من المواضيع الهامة جدا والمصيرية والمعقدة التي لا يمكن حسمها، والتي فيها الكثير من الحرج السياسي، لأن المسألة في أحد أبعادها تتعلق بالجانب الفلسطيني”.
وأضاف: “القلق قلق فلسطيني وهنا تكمن المشكلة، ولو كان الأمر غير ذلك، لكانت المسألة عادية؛ بمعنى أنه لو كانت الأمور واضحة في قيام إسرائيل باغتيال الرئيس عرفات لحسمت المسألة”، منوها إلى “الجدل والنقاش، حول من هو الفلسطيني الذي سهل عملية الاغتيال، وهناك يكمن القلق السياسي”.
ونوه شراب، إلى أن “المفارقة العجيبة، أن الكل يريد أن يبحث عن أن هناك يدا فلسطينية في عملية اغتيال عرفات، وهنا المشكلة الحقيقية التي تواجه التحقيقات”، موضحا أن “الوثائق المسربة، تلمح إلى أن هناك يدا فلسطينية، فمن يستطيع أن يصل إلى الرئيس عرفات بغير يد فلسطينية؟ ومن يصل هم الأقرب إليه، وهنا تبدأ التلميحات”.
وأشار إلى “أن التسريبات وللمفارقة، نشرت وليس لها ردود فعل قوية، هنا أو هناك، مجرد وثائق مسربة نشرت وانتهى الأمر بذلك، وكأن الموضوع قد طوي”، مضيفا أنه “في حال وجود اتهام لشخص أو شخصية ما، فإن هناك شيئا من التشكيك، لأن هذا الاتهام يأتي من الشخص الخصم له، وبالتالي فإن هذه التسريبات، طوت ملف اغتيال الرئيس عرفات، لأن القلق هو قلق فلسطيني، وهناك من يريد أن يقول إن من اغتال عرفات فلسطينيا، وللأسف بدلا من توجيه الاتهام لإسرائيل وغيرها فإنه يتم التركيز على الجانب الفلسطيني”.
ونوه أستاذ العلوم السياسية، إلى أن “هذا الملف، يضاف إلى ملفات الانقسام على مستوى حركة فتح، وقد يعمق من فجوة عدم الثقة والانقسام داخل الحركة”.
يشار إلى أن حركة فتح في قطاع غزة، تنظم عصر اليوم مهرجانا جماهيريا وسط مدينة غزة، في الذكرى الـ18 لاستشهاد القائد الرمز أبي عمار.
يذكر أن الاسم الكامل لعرفات هو “محمد ياسر” عبد الرؤوف عرفات القدوة الحسيني، وكان قد تلقى تعليمه في القاهرة، وشارك، بصفته ضابط احتياط في الجيش المصري في التصدي للعدوان الثلاثي عام 1956، وتخرج من كلية الهندسة بجامعة فؤاد الأول، وأسس في الخمسينيات مع مجموعة من الفلسطينيين حركة فتح، التي أعلنت انطلاقتها في الأول من كانون الثاني/ يناير 1965، بتنفيذ عملية فدائية عرفت بـ”عملية عيلبون”، وفي 20 كانون الثاني/ يناير 1996 انتخب عرفات رئيسا للسلطة الفلسطينية.