وسائل الإعلام الإسرائيلية تبكي: حكومة نتنياهو ستغيّر وجه الدولة
واحدة من أبرز ميزات الإسرائيليين هي أنهم يحاولون دائما إعفاء أنفسهم من جرائمهم ونتائجها. ونتائج انتخابات الكنيست الأخيرة، التي جرت يوم الثلاثاء الماضي، التي ولّدت حكومة يمينية متطرفة برئاسة بنيامين نتنياهو، وبمشاركة الأحزاب الحريدية وقائمة الصهيونية الدينية، التي تضم عناصر فاشية من أتباع حاخام الترانسفير مئير كهانا، هي نتيجة حتمية لحقن الإسرائيليين على مدار عقود كثيرة بالعنصرية والاحتلال والاستيطان وشيطنة الفلسطينيين، بواسطة خطاب سياسي – أمني.
ولوسائل الإعلام الإسرائيلية دور كبير للغاية في هذه العملية، بصفتها وسائل إعلام تعمل في خدمة دولة الاحتلال ودولة التمييز العنصري ضد الفلسطينيين في فلسطين التاريخية كلها. وتكاد وسائل الإعلام هذه لا ترى، أو تتجاهل، طبيعة إسرائيل. لكن بعد صدور نتائج الانتخابات الأخيرة، راح المحللون “الليبراليون” في وسائل الإعلام المركزية يتباكون ويتخوفون من عواقب خطوات للحكومة التي سيشكلها نتنياهو، رغم إسهامهم في شرعنتها، وإن لم يكونوا بين مؤيدي أحزابها.
ووصف المحلل السياسي في صحيفة “يديعوت أحرونوت”، ناحوم برنياع، اليوم الجمعة، نتائج الانتخابات بأنها “ثورة”، معتبرا أن الحسم في الانتخابات لصالح اليمين “قد يكون صفارة بداية تحوّل سيغير وجه الدولة”. إلا أنه لم يوضح ما الذي سيتغير في وجه الدولة. ربما طريقة الخطاب، ليس أكثر، لكن ليس متوقعا حدوث تغيير في السياسة الإسرائيلية تجاه الفلسطينيين في الأراضي المحتلة عام 1967 وأراضي الـ48، والمستمرة منذ عقود. فنتائج الانتخابات هي مرآة لصورة إسرائيل الحقيقية.
وادعى أن “القصة لم تعد متعلقة بنتنياهو. فهذا التحول أقوى منه. وربما هو انجرف، لكن بنظري هذه بداية نهاية عهد الصهيونية الليبرالية، العلمانية، الإسرائيلية. لقد بزغ عهد آخر، معاد لليبرالية، حريدي – قومي، هدام. وبالإمكان إرسال رفات (واضع فكرة الدولة اليهودية ثيودور) هرتسل إلى (موطنه الأصلي في) فيينا، ورفات بن غوريون إلى (مسقط رأسه في) بلونسك. ولست متأكدا من أن نتنياهو الشاب كان يريد أن يعيش في دولة يرأسها قريبا نتنياهو المسن”.
وأضاف برنياع أنه “ينبض في النخبة السياسية الجديدة رغبة قوية، حقيقية، بإنهاء الحساب والانتقام من 75 عاما من الإقصاء. فهم أطفال (يهود) اليمن المخطوفون الحقيقيون، والضحايا الأبديين لمؤسسي الدولة”.
وأشار إلى أنه عندما يجلس رؤساء أحزاب الائتلاف الجديد حول طاولة الحكومة ستُطرح القضايا التي تعهدوا بها خلال الحملة الانتخابية. “مسألة الأمن الشخصي مطروحة في مركز اهتمام إسرائيليين كثيرين. وكذلك مسألة القدرة على الحكم. ولا توجد أخبار كاذبة هنا. التخوفات حقيقية. وكذلك ارتباطها بالعلاقات المشحونة بين اليهود والعرب حقيقية. وبن غفير دخل إلى هذا الفراغ”.
واعتبر برنياع كأن السياسة التي يدعو بن غفير إليها مختلفة أو متشددة أكثر من السياسة الإسرائيلية المتبعة. “لقد تعهد في حملته الانتخابية بوضع حلول: سيصدر أحكام إعدام، سيُبعد إلى سورية، سيحرر قفل الزناد في أسلحة الجنود وافراد الشرطة والمواطنين (أي المستوطنين). وسيتم تغيير تعليمات إطلاق النار، والواقع الميداني سيتغير، القوانين، النيابة العامة، القضاة، والقيم ستتأقلم وفق ذلك أو تختفي”.
ورأى المحللون أن بن غفير بات قريبا جدا من تعيينه وزيرا للأمن الداخلي، المسؤول عن الشرطة وسياسة إسرائيل في القدس المحتلة وتجاه المجتمع العربي. وبحسب برنياع، فإن بن غفير هو المرشح الوحيد لهذا المنصب، وأنه “محل إجماع. مجرم مدان بالإرهاب يحصل على صلاحيات وزارية على الشرطة، ولا يرجف جفن أحد”.
من جانبه، أشار المحلل العسكري في صحيفة “هآرتس”، عاموس هرئيل، إلى أن هدف نتنياهو من ائتلافه الجديد هو تغيير القوانين ليتمكن من الإفلات من محاكمته بتهم فساد خطيرة ومنع سجنه. وتشكيل نتنياهو حكومة كهذه “لن تكون صفقة أحادية الجانب. وسيطالب بن غفير وسموتريتش بمقابل. ولنتخيل زيارة مستقبلية لبن غفير، الوزير المرشح للأمن الداخلي إلى جبل الهيكل (المسجد الأقصى)، بادعاء الاطلاع على الوضع الأمني فيه. وقد رصده الفلسطينيون والعرب في إسرائيل كعدو منذ وقت طويل”.
وتوقع هرئيل أن “زيارة كهذه، تحت حراسة كثيفة، ستؤدي على ما يبدو إلى مواجهات في القدس القديمة. هل ستبقى حماس هادئة أم أنها ستطلق قذائف صاروخية من قطاع غزة، بعد قرابة سنة ونصف السنة من الهدوء النسبي من جانبها في القطاع؟ وينبغي أن نأمل أن نتنياهو لا يزال يتذكر الدروس من أحداث النفق، في أيلول/سبتمبر 1996، التي خيمت على بداية ولايته الأولى”.
غير أن هرئيل تجاهل سماح رئيس الحكومة الأسبق، إيهود باراك، لرئيس المعارضة، أريئيل شارون، باقتحام ساحات المسجد الأقصى، في نهاية أيلول/سبتمبر العام 2000، واندلاع انتفاضة القدس والأقصى بعد ذلك مباشرة. كذلك سمحت الحكومة المنتهية ولايتها لبن غفير باقتحام الاقصى مرات كثيرة.
وكرر هرئيل في هذا السياق التحذير من أن خطوة كهذه ستؤدي إلى توتر بين إسرائيل والدول العربية، التي تقيم علاقات دبلوماسية أو سرية معها، وبشكل خاص الأردن.
ويحاول هرئيل تجميل صورة الحكومة المنتهية ولايتها، بالزعم أنها قدمت تسهيلات للفلسطينيين في الضفة الغربية وقطاع غزة وسمحت بدخول عمال إلى إسرائيل “بهدف منع تصعيد أكبر في الضفة الغربية والقطاع”. لكن الواقع حاليا هو أنه بالرغم من عدم اندلاع انتفاضة ثالثة، إلا أن الضفة مشتعلة أمنيا، وعدد الشهداء الذين سقطوا فيها في الأشهر الأخيرة مرتفع للغاية.
واستدرك هرئيل أن “الضفة الغربية قابلة جدا للاشتعال، لدرجة أن عود ثقاب آخر سيؤدي إلى اشتعالها، وفي هذا التوقيت يختار نتنياهو إدخال مشعلي النيران المركزيين (من الصهيونية الدينية) إلى الحلبة”.
وأشار إلى أن سياسة إدارة بايدن تجاه حكومة نتنياهو الجديدة متعلقة بنتائج انتخابات منتصف الولاية للكونغرس. وإذا خسر الديمقراطيون الأغلبية في مجلسي الشيوخ والنواب، فإن “ما سيتبقى للإدارة في السنتين الأخيرتين ستكون السياسة الخارجية. وفي هذه الحالة، ثمة احتمال لتصعيد سريع نسبيا في العلاقات مع نتنياهو، خاصة إذا كانت خطوات الصهيونية الدينية علنية. وإمكانية ثانية هي أن رئيس الحكومة القادم، الذي يعي جيدا العواقب المحتملة، سيحاول تهدئة الأميركيين بواسطة رسالة مفادها أن الصلاحيات الحقيقية ستبقى بيديه”.