الثالوث المدمر!!
الثالوث المدمر!!
أمية سليمان جبارين (أم البراء)
مَن منّا لا يلاحظ ما يجول حولنا، من تفشٍ للعنف والجريمة، وارتفاع مخيف في نسبة الطلاق، وتفكك أسري يدمي القلب ويبكي العين دمًا، وسقوط للقيم والثوابت لدى الناشئة من أبنائنا، وانتشار ملحوظ للإلحاد لدى الشباب خاصة طلاب الثانوية والجامعات، وتقبل للشواذ والمثليين! نعم، كل هذه المآسي التي كنّا قبل ثلاثة أو أربعة عقود لا نتخيل مجرد حصولها في مجتمعنا كحالات منفردة، ها هي في أيامنا هذه تتوغل في مجتمعنا وتنتشر كما تنتشر النار في الهشيم. قد يدّعي البعض أنني متشائمة، أو أنني أرى العالم من حولي من خلال نظارة سوداء!! هذا غير صحيح، لكنني أرفض أن أضع رأسي بالتراب كالنعام وأختار عدم المواجهة، ومحاربة هذه الظواهر الهجينة والغريبة عن مجتمعنا المسلم!! لأنني على يقين أن كل هذه الأمور التي لم نكن نستوعب حدوثها سابقًا وباتت واقعًا أليمًا اليوم، لم تحصل صدفة، بل تم التخطيط لها وبدقة لتحقيق حدوثها في مجتمعنا المسلم على امتداد تواجده العالمي وليس المحلي فقط، وذلك بهدف ضرب الإسلام وتدميره وإبادة أهله حتى تستطيع الماسوصهيونية من التحكم بخيرات ومقدرات العالم والسيطرة عليه.
لذلك فقد ابتكرت هذه القوى الخفية سلاحًا فتاكًا أكثر من الأسلحة التقليدية، يدمّرون به الإسلام. إنه سلاح يتكون من ثلاثة رؤوس مدمرة تصيب المجتمع المسلم في مقتل، إذا ما لم نقاومه ونقف بوجه هذا الثالوث المدمر!!! لأنه عند ضرب الأسرة وتدمير التعليم والعقيدة في أي مجتمع، سينتج لنا عندها مجتمع هلامي مسخ لا هوية له.
وكما ذكرت فإن الرأس المدمر الأول لهذا الثالوث هو:
1- تدمير الدين والعقيدة في قلوب المسلمين والتركيز على جيل الشباب خاصة، وذلك من خلال تقبل واستحسان كلّ محرم في عقيدتنا، بل وإتاحته بين يدي الشباب وسهولة الوصول إليه، كتقبل الشواذ، شرب الخمور، انتشار الزنا بين الشباب، إشاعة الإلحاد، وكل ذلك تحت شعار دع الخلق للخالق، حرية شخصية.
2- هدم الرابطة الأسرية: من خلال إخلال التوازن الأسري بين الرجل والمرأة وإشعال الحرب الضروس بينهما على القوامة والإدارة، وجعل العلاقة بين الزوجين مبنية على النديَّة (الند بالند) وليست مبنية على الرحمة والمودة، مما يفكك الأسرة ويقودها إلى الطلاق وهذا ما نعيشه الآن كما ذكرت آنفًا.
3- هدم التعليم: وذلك بإقصاء المتعلمين والمتفوقين في المجتمع عن الواجهة وتهميشهم، ورفع قيمة الأراذل أو جعلهم في الواجهة على مواقع التواصل وتقديمهم كقدوات للنشء، فيحصل تغيير في نمط تفكير الشباب عن العلم والتعليم، خاصة إذا ما تمَّ تصوير مستوى الرفاهية التي يعيشها هؤلاء التحوت من البشر. وهذا ما نشاهده جميعًا بما يسمون أنفسهم (البلوغر).
ومن أجل الوصول لهدفهم بتدمير الإسلام والمسلمين من الداخل، فقد أنشأ أعداء الإسلام شركات إعلانية لاستقطاب الشباب والفتيات من الدول المسلمة بعد عملية فرز لهؤلاء الشباب وفق شروط هذه الشركات، إذ يستقطبون الهاربات والهاربين من دولهم ويوفرون لهم اللجوء في إحدى دول أوروبا أو أمريكا، ويغدقون عليهم الأموال الطائلة والسيارات الفارهة والقصور الفخمة!! كل هذا في سبيل استخدامهم لمهاجمة الإسلام والمجتمع المسلم وتصوير الحياة في الغرب على أنها جنّة وحرية دون تسلط الرجل على المرأة، أو حرية الاختيار في الشذوذ والتحول!! وبذلك يعملون على تغيير الصورة النمطية ويشجعون الشباب المسلم على الهروب من دولهم المسلمة، ولا يعترفون أن الثمن لهذه الرفاهية المزيفة هو التعرّي، والانحلال الخلقي، والإلحاد، والتطاول على الدين. لذلك تجعل منهم هذه الشركات نجومًا على (السوشيال ميديا) وهذا ما اعترف به بين زيغر يهودي استرالي الجنسية، عميل الموساد الذي انتحر في سجنه (أيالون)، في كانون أول عام 2010، وقد اعترفت إسرائيل لاحقًا بقتله لما يمتلك من معلومات حساسة، وقد كلف هذا العميل بإنشاء شركة إعلان وتسويق للقيام من خلالها بما يسمى الثورة الناعمة وغسل الأدمغة للشباب المسلم، من خلال الفن، الرياضة، الإعلام، المشاهير (البلوغر، اليوتيوبر) وذلك من خلال فرز هذه الفئات ومعرفة من لديه القابلية والاستعداد للتعاون معهم من خلال الإعلانات والبرامج الفنية والمسلسلات والأفلام الهابطة، وبذلك يتم تدمير المجتمعات من خلال تغيير الصورة الذهنية وتدمير القيم والعقيدة.
لذلك تركز وتدعم هذه الشركات الهاربات المسلمات -بالذات- من دولهن أمثال هند القحطاني وغيرها وتقصي عن قصد أمثال “ألاء الحمد” وهي فتاة سعودية منقبة تعمل في السلك الأمني الأمريكي بولاية إنديانا بعد اجتيازها كافة الشروط المعقدة لقبولها بهذه الوظيفة وهي مباشرة الجرائم ما بين القتل والسرقة. وهنالك نموذج آخر يجب أن نحتفي بها وهي “منال العصيمي” المتخصصة في علم الأدلة الجنائية والبصمة الوراثية وحاصلة على درجة الماجستير بامتياز وتتم الاستعانة بقدراتها في بريطانيا وأمريكا فهل سمعتم عن هذه النماذج؟!! ولماذا لا يسلط الضوء عليها كما يسلطون الضوء على الهاربات والمتمردات؟!
“طباخ السم بذوقه”
وللحق أقول إنَّ هذا السلاح الفتاك قد تم تصويبه إلى الغرب كذلك، لكننا نسمع الآن أصواتًا عدة لمقاومة الدمار المجتمعي الذي خلفه هذا السلاح، والعمل على بناء مجتمع سليم معافى ومن هذه الأصوات:
1- يشعياهو لبوفيتش، كاتب وناقد لاذع للمجتمع اليهودي ومفكر ومفسر للديانة اليهودية يقول: حتى نعود للريادة في المجتمع الإسرائيلي لا بد من رأب الصدع في الأسرة وزرع القيم وإعطاء الإدارة للزوج وإعادة التوازن في العلاقات الأسرية حتى نقلل من نسبة الطلاق.
2- رئيسة وزراء إيطاليا جورجيا ميلوني، كان شعار حملتها الانتخابية رأب الصدع للأسرة، العودة للفطرة ومحاربة الشواذ، وزرع القيم، وإعادة التوازن بين الرجل والمرأة.
3- رئيسة وزراء نيوزيلندا كيث لوريل عام 2017، وقبل ان تتولى السلطة في حزبها عملوا دراسة عن سبب ارتفاع الجريمة فوجدوا أن التفكك الأسري هو السبب الرئيس في ارتفاع نسبة الجريمة في بلدهم، فقامت مع حزبها بمشروع إعادة ترميم الأسرة وإعادة التوازن في العلاقة بين الزوجين فانخفضت نسبة معدلات الجريمة في نيوزلندا وفق إحصائية رسمية لسنوات2012-2008 من 35000 جريمة إلى 848 جريمة فقط وهذا ما جعلها تفوز برئاسة وزراء نيوزلندا عام 2017.
فإذا نجحت خطط رأب الصدع للأسرة في دول أوروبا غير المسلمة، أليس من الأولى أن نعمل نحن على مشاريع لرأب الصدع لأسرنا المسلمة، والعمل على خفض نسب الطلاق، وخفض مستوى العنف والجريمة في مجتمعاتنا المسلمة، فنحن لا نحتاج إلى حل سحري، بل نحتاج أن نعود لربنا وعقيدتنا ونفتخر بها، فبها المربح وبالتخلي عنها المخسر.