كاميرات مراقبة وإضاءة عالية.. انتهاك جديد لمعتقلي سجون مصر
في إجراء جديد وصفه حقوقيون بأنه انتهاك لحقوق السجناء في مصر، نصبت وزارة الداخلية كاميرات مراقبة داخل زنازين أكبر مجمع سجون في البلاد افتتح حديثا، لمراقبة تحركات المعتقلين السياسيين على مدار الساعة، فيما يتعرض المعتقلون لأضواء الكشافات العالية طوال الوقت.
وافتتح النظام المصري مجمع السجون مطلع العام الجاري، تحت مسمى مركز الإصلاح والتأهيل- بدر، في مدينة بدر الواقعة بنطاق محافظة القاهرة، بعد شهرين من افتتاح مركز مماثل في منطقة وادي النطرون الواقعة بين القاهرة والإسكندرية، في إطار ما يسمى “الاستراتيجية الوطنية لحقوق الإنسان” التي أطلقها رئيس سلطة الانقلاب عبد الفتاح السيسي، في أيلول/ سبتمبر العام الماضي.
ونقلت سلطات السجون إلى المجمعين سجناء 15 سجنا عموميا هي: استئناف القاهرة- ليمان طرة- القاهرة بطرة- بنها- الإسكندرية- طنطا العمومي- المنصورة- شبين الكوم- الزقازيق- دمنهور القديم- معسكر العمل بالبحيرة- المنيا العمومي، بالإضافة إلى ثلاثة سجون من بينها سجن العقرب (سيئ السمعة) في مجمع سجون طرة.
ويقع المجمع الجديد على مسافة 55 كيلومترا شمال شرقي العاصمة القاهرة، وأقيم على مساحة 85 فدانا، وهو ملحق ضمن مجمع أمني ضخم ويضم ثلاثة مراكز للإصلاح والتأهيل (السجون سابقا). ولكن الأوضاع المزرية للمحبوسين السياسيين لم تتغير، وفق عدد من أهالي المعتقلين.
شكاوى الأهالي
واشتكى عدد من أهالي المعتقلين من تكرار ممارسات السجون السيئة مع ذويهم، مثل حرمانهم من التريض والقراءة أو استلام متعلقاتهم الشخصية.
وكتبت إكرام يوسف، والدة البرلماني السابق والناشط السياسي زياد العليمي، عقب أول زيارة لنجلها في السجن الجديد: “زياد حالته الصحية مش حلوة.. عرفت منه ان السبب انهم عايشين تحت اضاءة قوية ٢٤ ساعة فمش عارفين يناموا، وكاميرا بتصورهم 24 ساعة، وهو مش قادر يستوعب حكاية انه يغير هدومه قدام الكاميرا؛ وقال لي ان دا شيء غير دستوري وطبعا غير انساني!!”.
وأضافت عبر حسابها في فيسبوك: “مافيش سراير وبيناموا على مراتب على الارض -مش عارفة اذا كان ده حيبقى الحال على طول واللا في البداية عشان السجن جديد؛ لكن بيتهيألي كان ممكن يلحقوا يجيبوا سراير قبل ما ينقلوهم، او حتى بعدما اتنقلوا من اسبوع- الاكل قليل لان الكانتين لسة ما اشتغلش، رغم ان المفروض اننا سايبين فلوس في الأمانات.. كانت اول مرة يشوفوا ضوء النهار العادي، من ساعة ما اتنقلوا كانت مقفولة عليهم الزنازين”.
يزداد الأمر سوءا مع بعض المعتقلين، إذ أعلن أحمد عبد المنعم، نجل المرشح الرئاسي السابق ورئيس حزب “مصر القوية” عبد المنعم أبو الفتوح، أن والده امتنع عن تنفيذ الزيارة في سجن بدر، وأنه أخبرهم بأن “وضعه قاتل”.
واتهم أحمد، عبر حسابه في موقع “فيسبوك” المسؤول عن نقل والده من سجن مزرعة طرة إلى سجن بدر، بمحاولة القتل العمد، وقال: “تم نقل والدي إلى سجن بدر من دون ملابس أو غطاء، وتم إيداعه داخل زنزانة انفرادية مراقبة بالكاميرات ومضاءة طوال اليوم، من دون سرير أو كرسي”.
وأشار أحمد إلى أن أسرته لم تلتقِ والده بشكل طبيعي منذ ثلاث سنوات، مؤكدا أنهم ممنوعون من زيارته والتواصل معه بشكل مباشر من دون حاجز زجاجي، مؤكدا أن والده “لم يتلق أي رعاية طبية منذ ثمانية أيام، رغم وضعه الصحي المعروف للجميع”.
انتهاك للخصوصية ومخالف للقانون
من جهته، انتقد وكيل لجنة حقوق الإنسان في البرلمان المصري سابقا، عز الدين الكومي، استمرار الممارسات السلبية لمصلحة السجون المصرية، وقال: “هذا النظام يتمادى في انتهاكات حقوق الإنسان والتنكيل بالمعتقلين، بل وتحويل البلاد إلى جمهورية الخوف والرعب، والذي يطبق فيها هو شريعة الغاب، ولا حقوق للمواطنين قبل المعتقلين”.
وأضاف: “ما يجري في سجن بدر هو انتهاك صارخ لحقوق المحبوسين ولخصوصيتهم، ولا يمكن تبريرها بحفظ النظام لأنه يكون خارج الزنازين في العنابر”.
وأكد الكومي أن “جميع المحبوسين بلا حقوق كما خاطبهم أحد مسؤولي السجون في وقت سابق، ويعتبرهم رهائن لديه. وهناك تواطؤ من جميع المؤسسات الداخلية بما فيها مجلس حقوق الإنسان الذي يتستر على تلك الممارسات الخاطئة، وكان يجب عليه أن يحقق في مثل تلك الشكاوى لأنها أمور مخالفة للقانون والدستور”، كما قال.
وأشار الكومي إلى أن “ادعاءات النظام بشأن عدم وجود انتهاكات لحقوق في السجون فندتها المنظمات الدولية مثل أمنستي وهيومن رايتس ووتش قبل المنظمات الداخلية والمستقلة”، موضحا أنه “يصعب حصر حجم الانتهاكات التي يتعرض لها سجناء الرأي في مصر في ظل سياسة الانتقام التي يمارسها النظام ومؤسساته الأمنية، وكل حديثه عن تحسين وضع السجون والسجناء هي محاولة لتحسين صورته في الخارج، ولكن الحقيقة يعلمها الجميع”، وفق قوله.
إدانات حقوقية
ووصف مدير الشبكة المصرية لحقوق الإنسان (مستقلة)، أحمد العطار، الإجراءات الجديدة في مجمع بدر بأنها مخالفة للوائح السجون، وقال: “بالتأكيد قيام السلطات المصرية بوضع كاميرات مراقبة داخل الزنازين تمثل انتهاكا خطيرا لخصوصية المعتقلين وحريتهم الشخصية”.
وأضاف “بحسب المعلومات التي ذكرها عدد من المعتقلين لذويهم فإنهم معرضون للإضاءة الشديدة، ومراقبون كذلك على مدار الساعة داخل زنازينهم”.
وأشار إلى أن “هذا نوع من الضغوط النفسية والعصبية التي تمارسها السلطات الأمنية على المعتقلين، وبالتأكيد هذا يعد انتهاكا للقانون الإنساني قبل أن يكون انتهاكا للدستور والقانون المصري واللائحة الداخلية للسجون”.
بدورها، طالبت حملة آخر سجين (حملة حقوقية) السلطات المصرية بوقف الانتهاكات التي تمارس بحق السجناء السياسيين في سجن بدر الجديد، وتنفيذ الحقوق المنصوص عليها في الدستور وقانون تنظيم السجون، وانتقدت في بيان لها استمرار الممارسات الأمنية لدى الأجهزة الأمنية القائمة على الانتقام من السجناء السياسيين بشتى أنواع سوء المعاملة الإنسانية، بحسب الحملة.
وانتقدت الحملة احتجاز المعتقلين في زنازين ضيقة تحت مراقبة كاميرات تعمل على مدار 24 ساعة، في الزنازين الجماعية والانفرادية. كما أنه يتم تسليط كشافات ضوئية على السجناء السياسيين ما يمنعهم من النوم، كأحد أساليب التعذيب الجماعي، ما أدى إلى تعرض العديدين منهم للانهيار العصبي خاصة السجناء القادمين من سجن العقرب الذين لم يتعرضوا للشمس ولا للضوء لفترات طويلة، وفق الحملة.