تحليل| هل يحارب الأردن تهريب “المخدرات” نيابة عن دول الخليج؟
صعّدت السلطات الأردنية خلال الأشهر الثلاثة الأخيرة، من حملتها ضد تهريب وتجارة المخدرات، من خلال التصدي للتسلل والتهريب إلى المناطق الحدودية للمملكة مع سوريا، ورصد أوكار التخزين والتوزيع داخل أراضيها عبر عمليات مداهمات واعتقالات.
وازدادت وتيرة الحملة الأمنية؛ بعد أن وجّه الملك الأردني عبدالله الثاني رسالة إلى اللواء عبيدالله المعايطة، بمناسبة تعيينه مديرا للأمن العام في 11 أيلول/ سبتمبر الماضي، دعاه فيها إلى “مواصلة الجهود لمكافحة آفة المخدرات دون هوادة، ولتبقى على سلم أولويات الجهاز، لينال المتورطون في تجارتها وترويجها القصاص العادل”.
وبعد رسالة الملك بأيام؛ أكد المعايطة أن “ملاحقة تجار المخدرات ومروجيها لن تتوقف”، مشيرا إلى الإقبال على “مرحلة ذات نهج عملياتي متسارع، حتى تكون يد العدالة هي العليا”.
وشدد المعايطة خلال زيارته لإدارة مكافحة المخدرات، على أن مديرية الأمن العام “ستواصل عملياتها النوعية بقوة، وبنسق متزايد، حتى القضاء على تجار الموت والمخدرات”.
وبينما تشير تقارير أمنية إلى أن العديد من كميات المخدرات المضبوطة داخل الأراضي الأردنية معدّة للتصدير لدول أخرى؛ تثور تساؤلات حول ما إذا كان الأردن يشكل ممرا فقط لإيصال الحبوب المخدرة إلى السعودية ودول الخليج، وهل المملكة تخوض حربا ضد تجار المخدرات نيابة عن هذه الدول؟ أم إنها حرب ذاتية تهدف إلى الحد من انتشار المخدرات في المجتمع الأردني، ومنعه من التحول إلى مستقر لها؟
“نيابة عن السعودية”
ولفت رئيس الجمعية الأردنية لمكافحة المخدرات، موسى الطريفي، إلى أن الأمم المتحدة تصنف الأردن دولة ممر لعبور المخدرات من دول الإنتاج إلى الدول الأكثر استهلاكا، “وهي دول الخليج العربي”.
وأوضح، أن معظم المواد المخدرة التي يتم ضبطها هي مهيأة لإعادة التصدير، مضيفا أن “الأردن كي يصبح مستقرا للمخدرات؛ فيجب أن تصبح نسبة التعاطي فيه أكثر من واحد بالمئة من مجموع سكانه البالغ عددهم 11 مليون نسمة، في حين أن القيود الأمنية تظهر أن العدد لا يصل إلى ثلث هذه النسبة”.
واستدرك الطريفي بالقول إن تصنيف الأردن كدولة ممر؛ لا يعكس حقيقة انتشار المخدرات في البلاد، مؤكدا أن “متعاطي المواد المخدرة موجودون في كل قرى ومحافظات المملكة، ولكن لا توجد لدينا سوى أرقام القضايا والقيود الأمنية، وهي لا تعكس الحقيقة كاملة، فيما لا تتوفر دراسة وطنية شاملة تبين النسبة الحقيقية لانتشارها”.
ورأى أن “الأردن يخوض معركة المخدرات نيابة عن دول الخليج، وتحديدا السعودية، لأن غالب المواد التي يتم ضبطها تكون في طريقها إليها”، مؤكدا وجود “تنسيق دائم بين عمّان والرياض حول هذه المشكلة، وتعاون استخباراتي وعسكري وعملياتي، وربما دعم مادي سعودي للأردن”.
وأشار الطريفي إلى أن ما يتم ضبطه من المخدرات التي يتم تهريبها إلى الأردن تبلغ 50 بالمئة، في حين يبقى النصف الآخر في المملكة، أو يتم تهريبه إلى دول أخرى، مبينا أنه “بغض النظر عن الكمية التي تبقّت في الأردن؛ فإن المملكة ستظل معبرا لإيصال المخدرات إلى الدول الأخرى”.
حماية لا نيابة
من جهته؛ رأى رئيس المجلس الاقتصادي والاجتماعي، موسى شتيوي، أن الأردن تاريخيا يشكل نقطة عبور لتصدير المخدرات إلى الخليج وأطراف أخرى.
واستدرك شتيوي بالقول، إن المهربين والمروجين باتوا يستهدفون الساحة الأردنية، خاصة بعد تطور صناعة المخدرات وحبوب الكبتاغون، ما سهّل إقدام الناس على تعاطيها، لافتا إلى أن الإحصاءات القضائية تشير إلى وجود من 16 ألفاً إلى 20 ألف حالة سنويا من الترويج والحيازة والتعاطي داخل المملكة.
وأضاف أن “دراسات عدة تشير إلى انتشار المخدرات في الأردن جغرافيا، وبين جميع الطبقات”، لافتا إلى أن أكثر الفئات تضررا هم الشباب وطلبة الجامعات والعاطلون عن العمل، “لوجود شبكات ترويج كبيرة بينهم”، موضحا أن “من أسباب زيادة انتشار الظاهرة؛ قلة كلفة المخدرات، بالإضافة إلى سهولة الحصول عليها من المروجين، وانتشارها أكثر مما نتصور”.
وأوضح أن المشكلة ليست فقط بضبط الحدود؛ لأن التهريب يأخذ أشكالا مختلفة ومتجددة، مؤكدا أن الاستقرار السياسي يساعد في محاربة المخدرات، وبالتالي فإن الحل السياسي للنزاعات القائمة في دول الجوار؛ عامل مهم في معركة الأردن وغيره من الدول ضد تجار المواد المخدرة.
وحول القول بأن الأردن يخوض معركة ضد المخدرات نيابة عن السعودية وبقية دول الخليج؛ بيّن شتيوي أن “المملكة تحمي الأشقاء السعوديين وغيرهم، ولكن لا أستطيع أن أقول إنها تخوض المعركة نيابة عنهم، لأنها تمتلك صرامة ذاتية شديدة في منع استخدامها كممر للدول الأخرى، لما يشكل ذلك من إساءة لها سياسيا وأمنيا”.
واجب أخلاقي
وبينما يرجح شتيوي أن يكون ثمة تنسيق بين الأجهزة المعنية في الأردن ودول الخليج لمكافحة تهريب المخدرات عبر المملكة؛ يطالب مدير العام الأسبق حسين هزاع المجالي دول المنطقة والمجتمع الدولي بمساعدة الأردن في هذه الحرب.
ويقول المجالي في مقالة نشرتها صحيفة “الرأي” الأردنية اليومية: “نحن تحت نيران حرب مخدرات مكتملة الأركان؛ تمتد ساحاتها من البقاع الغربي انتهاء بجنوب سوريا، أما أطرافها فتشمل مليشيات سورية ولبنانية محسوبة على إيران، وبمشاركة مراكز قوى منتفعة في دمشق، ما فرض على قواتنا المسلحة أعباء وجهودا جبارة في ضبط الحدود من المخدرات والإرهاب وتهريب الأسلحة معا”.
وأضاف أن “هذه المسؤوليات الجمة يتحملها الأردن بالنيابة عن دول المنطقة والمجتمع الدولي، ما يعني أن هذه الاطراف مطالبة أخلاقيا بإسناد الأردن في التصدي لآثار هذه الآفات”.
وفي الوقت ذاته؛ أكد المجالي تسرب المخدرات في المجتمع الأردني عبر “وسائل لا تخطر على بال الشيطان”، لافتا إلى أنها “طالت فئات عمرية صغيرة، والأنكى من ذلك أنها أصبحت سلعة سهلا الحصول عليها، وهي اليوم جزء من سيناريوهات جرائم القتل التي تعاظمت وبشكل لسنا معتادين عليه”.
يشار إلى أن الحكومة الأردنية أطلقت مؤخرا استراتيجية وطنية لمكافحة المخدرات للأعوام 2020- 2025، بهدف خفض العرض من المخدرات والمؤثرات العقلية، وخفض الطلب عليها، وعلاج الإدمان وإعادة إدماج ضحاياها في المجتمع.
وتعمل الاستراتيجية أيضاً على الوقاية من خطر الإدمان على المواد المخدرة والمؤثرات العقلية، وتعزيز الوعي الطبي حول التعامل السليم مع هذه المواد، ومنع تسربها لأغراض غير مشروعة.