ما أتمناه على الأحزاب والحركات في مسيرتنا
الشيخ رائد صلاح
إن دور الأحزاب المخلصة لرسالتها والوفيّة لشعوبها ليس محصورا في المشهد الانتخابي المحلي أو العام، وإن قوة هذه الأحزاب في مسيرة شعوبها، ليست محصورة بنتائج الاستطلاعات التي تظهر عدد المقاعد التي سيحصل عليها كل حزب في الانتخابات المحلية أو العامة، وإن حضور هذه الأحزاب ليس موسميا مرتبطا بعدة أحداث سنوية تمر على شعب هذه الأحزاب، مما يدفع هذه الأحزاب أن تحيي هذه الأحداث السنوية ثم تخلد إلى الخمول طوال أيام السنة، ليست هكذا الأحزاب في علاقتها مع شعوبها في يوم من الأيام، بل يجب أن تبقى هذه الأحزاب في ارتباط دائم يومي مع شعوبها، مجتهدة أن تحمل هموم شعوبها كل شعوبها، مما يجعل من هذه الأحزاب على تواصل دائم مع شعوبها في كل قضاياها المصيرية المرتبطة بتاريخها وحاضرها ومستقبلها، بهدف توفير حلول لكل هذه القضايا المصيرية نابعة من هوية هذه الشعوب وقيمها وانتمائها وتراثها وثقافتها وجذورها. نعم هكذا يجب أن تبقى جدلية العلاقة بين تلك الأحزاب وشعوبها، فهي التي تحمل شعوبها وليس العكس، وهي التي تضحي من أجل شعوبها وليس العكس، وهي التي تعطي لشعوبها وليس العكس، وهذا النمط الجاد والوفي والحيّ الذي يميز هذه الأحزاب، ويميز ارتباطها مع شعوبها هو الذي اتمناه على كل الأحزاب والحركات ذات الأسماء المعروفة التي ظهرت في مسيرة مجتمعنا في الداخل الفلسطيني، والتي باتت أعضاء في لجنة المتابعة العليا التي تمثل المرجعية الوحيدة الأساس لكل مجتمعنا في الداخل الفلسطيني، ولذلك فالذي أتمناه على هذه الأحزاب والحركات ما يلي:
1- أن تكون وفيّة لثوابتنا الإسلامية العروبية الفلسطينية، دون أدنى مس بهذه الثوابت تصريحا أو تلميحا سواء كان ذلك في أقوالها أو مواقفها أو سلوكها السياسي وغيره.
2- أن يكون لها دورها الجاد المستديم في إفشاء ثقافة التراحم والتسامح، والحرص على تماسك الأسرة، والحفاظ على الحيز العام، والتحلي بالمعاملة الفاضلة، في مسيرة مجتمعنا.
3- أن تواصل تغذية كل الأجيال بالاعتزاز بانتمائها في كل أبعاده الإسلامية العروبية الفلسطينية، من منطلق تلاحم هذه الأبعاد وليس تضاربها، ومن منطلق تكامل هذه الأبعاد وليس تنافرها، فهو مجتمعنا الذي يجب أن يتحلى دائما بإخلاصه لوطنيته، وصفائه مع قوميته، وتماسكه مع أمته الإسلامية، وذلك لن يكون إلا بدوام التواصل مع مجتمعنا، ومواصلة تثقيف هذا المجتمع على هذه الأصول، حتى نعزز فيه المناعة ضد الأسرلة وضد الأمركة وضد التسيب والتميع واللامبالاة، وكم سنخسر إذا حولنا هذا الدور التثقيفي المنشود إلى مجرد مقالات في الصحف، أو تغريدات في مواقع التواصل، أو شعارات دعائية خلال أيام الدعاية الانتخابية المحلية أو العامة.
4- أن يكون لها دورها في إفشاء ثقافة الصلح والاحتكام إلى لجان الإصلاح عند وقوع أي نزاع بعيدا عن الاحتكام إلى لغة السلاح والعنف وتوابع هذه اللغة بدافع الكيدية أو الانتقام أو الثأر، وإلا فلا يُعقل أن نبني مجتمعنا مزدوج الشخصية، بمعنى أن يكون مجتمعنا ذا أصالة وطنية وقومية ودينية، وأن يكون في نفس الوقت مجتمعا عنيفا قاسي القلب وفظ الألفاظ ومنحرفا في المعاملة ومندفعا عند الغضب، ومتناحرا فيما بينه، وإن التقى في مظاهرات ومهرجانات يوم الأرض وهبة القدس والأقصى وهبة الكرامة ومسيرات حق العودة ونصرة أسرى الحرية والشهداء وشدّ الرحال إلى القدس والمسجد الأقصى المباركين. وإن أخشى ما أخشاه إذا أهملنا إفشاء هذه الثقافة أن نصل إلى مرحلة نعاني فيها من انفصام شخصية مجتمعنا، بحيث لا يجد حرجا أن يميل إلى العنف الأعمى الداخلي في مسيرتنا، وأن يواصل الهتاف بأعلى صوته نصرة لقضايا الأرض والمسكن والمقدسات … الخ، فيتحول هذا الهتاف إلى هتاف أجوف استهلاكي.
5- أن بكون لها دورها في إفشاء ثقافة المناعة ضد السوق السوداء والربا الأسود والخاوة وفوضى السلاح والممنوعات المدمرة، فهناك فرق بين مجتمع مريض قابل للاختراق والانجرار وراء إفشاء ثقافة العنف وتوابعه، وبين مجتمع محصن يتمتع بالمناعة ضد العنف وتوابعه.
وقد يقول قائل- وأنا أوافقه سلفا- إن هناك دور لأزمة الفقر والضائقة السكنية وانسداد أفق الشباب وتربص المؤسسة الرسمية بنا في انفجار آفة العنف وتوابعه في مسيرة مجتمعنا، ومع ذلك أقول، وهو قول مر: إن فقدان مجتمعنا للمناعة- أصلا- ضد العنف وتوابعه كان له الدور الكبير في حصول انفجار آفة العنف وتوابعه في مسيرة مجتمعنا، ولو كان هناك الحد الأدنى من المناعة، لما انحدر بنا العنف وتوابعه إلى بؤس ما انحدرنا إليه، وإن أحد أسباب فقدان مجتمعنا لهذه المناعة، هو اهمال الأحزاب والحركات في مسيرة مجتمعنا في الداخل الفلسطيني، اهمالها في إفشاء ثقافة المناعة ضد العنف وتوابعه، إلى جانب أسباب أخرى، لن أتحدث عنها في هذه المقالة.
6- أن يكون لها دورها في إنقاذ لغتنا العربية التي باتت في خطر، فمن يستمع إلى الحديث اليومي لمجتمعنا سيبكي على لغتنا العربية، لأنه سيصطدم بحديث يقوم على مصطلحات هجينة كثيرة باتت ألسن مجتمعنا ترددها يوميا وشعبيا، وقد تكون هذه المصطلحات الهجينة عبرية أو انجليزية.. الخ، ومن يتجول في أية بلدة من بلداتنا ويقرأ اللافتات المعلقة فوق المحلات التجارية والمكاتب والمطاعم وغيرها سيبكي على لغتنا العربية، لأنه قد يظن نفسه أنه في بلدة عبرية وليست عربية، وإن مما لا شك فيه أن هذا الخطر الذي يتهدد لغتنا العربية، هو خطر مصيري ينعكس علينا وعلى هويتنا وقيمنا وانتمائنا.
والمطلوب فورا من كل الأحزاب والحركات في مسيرة مجتمعنا في الداخل الفلسطيني أن يكون لها نشاطها الدائم والجاد في انقاذ لغتنا العربية!! وكم سأعجب ممن قد يقول لي: نحتاج إلى ميزانيات مالية!! وردي على هذا القول بسيط جدا مفاده أن الأحزاب والحركات التي وجدت الملايين لتدير حملاتها الانتخابية المحلية أو العامة، ألا تخصص سهما من هذه الملايين للإسهام في إنقاذ لغتنا العربية.
7- ما كتبت أعلاه هو جانب مما أتمناه على كل الأحزاب والحركات في مسيرة مجتمعنا في الداخل الفلسطيني وإلا فإن الواجب المطلوب منها هو أثقل من ذلك بكثير!!
ثمَّ أختم وأقول: تصوروا لو أن هذه الأحزاب والحركات قد بذلت جهودا لحمل أعباء هذه المهمات التي تحدثت عنها أعلاه، كما تبذل هذه الأحزاب والحركات في حملاتها الانتخابية سواء كانت المحلية أو العامة، لو بذلت جهودا كهذه الجهود لتغير مجتمعنا جذريا للأحسن.