ذاهبون إلى الموت.. نازحو إدلب يفضلون المخيمات على العودة لسلطة النظام
قابلت أسرة رامي المعري السورية دعوات النظام الأخيرة لعودة سكان مدينة معرة النعمان بريف إدلب إلى منازلهم بالاستنكار والسخرية، معتبرة أنها أشبه بمحاولة الانتحار والذهاب إلى الموت، فضلًا عن أن معظم أحياء المدينة تحولت إلى أنقاض وأكوام من الأتربة والحجارة، جراء القصف الذي استهدف المدينة على مدى السنوات الماضية.
وأكد رب الأسرة رامي المعري أن أهالي مدينة المعرة وريف إدلب النازحين يرفضون العودة إلى مدينة يحكمها نظام قتل أطفالها وشرّد أهلها، وقام جيشه بنهب منازلها وسرقة محاصيل أراضيها وتهديم بنيتها التحتية.
وقال المعري، إن معظم سكان المدينة لا يمكن أن ينسوا كيف نزحوا قبل قرابة 3 سنوات على حين غرة، تاركين كل ما في منازلهم من أثاث وأمتعة، عندما كانت طائرات النظام تستهدف أي هدف متحرك داخل الأحياء.
وأشار إلى أنه ونازحي إدلب يفضلون البقاء في الخيام رغم حجم المعاناة وقلة الموارد، لافتًا إلى أنهم لم يناصروا الثورة السورية كي يعودوا إلى كنف من خرجوا ضده منذ سنوات.
ومنذ أكثر من أسبوع، أعلنت سلطات النظام السوري أنها سمحت بعودة سكان مدينة معرة النعمان، بعد قرابة 3 سنوات من السيطرة عليها وانتزاعها من يد فصائل المعارضة السورية المسلحة، في خطوة وصفت بأنها ترويج إعلامي لإحكام النظام قبضته على أجزاء مهمة من ريف إدلب آخر معاقل المعارضة بشمال غربي سوريا.
وحسب صحيفة “الوطن” الموالية، فإن محافظ إدلب الذي عينه النظام السوري، ثائر سلهب، أعلن السماح لأهالي معرة النعمان بالعودة بدءا من الأحد 25 سبتمبر/أيلول الماضي ضمن خطوات المصالحة الوطنية، قائلًا إن القرار يشمل كل أهالي المدينة، بمن فيهم المقيمون في المناطق التي تقع تحت سيطرة المعارضة السورية.
غرفة عمليات
ومنذ إعلان النظام اعتزامه السماح بعودة الأهالي، أكدت مصادر محلية -للجزيرة نت- عدم عودة أي أسرة إلى المدينة البالغ عدد سكانها نحو 100 ألف نسمة، مستبعدة أن تلقى عروض النظام أي تجاوب من النازحين، حتى الموالين منهم.
<
ويرى الصحفي السوري وابن مدينة المعرة محمد كركص أن من المستحيل أن يسمح النظام لأهالي المدينة الواقعة بريف إدلب بالعودة لسببين رئيسين: الأول استمرار سرقة ونهب المنازل والمباني حتى اليوم في مناطق عدة منها الحي الجنوبي، لأن سكانها نزحوا من دون أن يخرجوا شيئا من ممتلكاتهم.
وقال كركص -للجزيرة نت- إن قوات النظام تقوم في الأثناء ببيع الأثاث والحديد المستخرج من أسقف المنازل وأبوابها لتجار من مناطق مصياف وسلحب واللاذقية، مضيفًا أن الوصول إلى الحديد يتم من خلال نسف وتفجير أسطحة البيوت والمنازل بالألغام ومخلفات الحرب.
ولفت كركص إلى أن السبب الثاني، وهو الأهم، أن مدينة معرة النعمان باتت مقرًّا عسكريًّا لـ”الفرقة 25 مهام خاصة” التي يقودها العميد في جيش النظام السوري سهيل الحسن، الملقب بـ”النمر”، حيث تقع غرفة عمليات عسكرية مشتركة مع الروس تدار منها العمليات العسكرية في منطقة “خفض التصعيد الرابعة” التي تشمل إدلب وأجزاء من ريفي حلب واللاذقية شمال غربي سوريا.
ويشير الصحفي السوري إلى أن “الفرقة 25 مهام خاصة” لا يمكن أن تقبل بعودة أي أحد من الأهالي، لأنها مستفيدة ماليا من مردود محاصيل الأراضي الزراعية المتنوعة التي ضمنتها لأشخاص موالين للنظام بعد الاستيلاء عليها من أصحابها النازحين.
انتهاكات ومجازر
ومنذ بداية الثورة الشعبية في سوريا وتحولها إلى صراع مسلح، شهدت مدينة معرة النعمان إلى جانب ريف إدلب الجنوبي العديد من الانتهاكات والمجازر بحق السكان، وثقتها تقارير منظمات حقوقية سورية وعالمية.
ففي 22 يوليو/تموز 2019 وثق الدفاع المدني السوري مقتل 42 شخصًا مدنيًّا وإصابة العشرات في قصف من الطيران الحربي الروسي على سوق شعبية في مدينة معرة النعمان، بينهم نساء وأطفال ومتطوع في الدفاع المدني.
وقبل أكثر من 5 سنوات ارتكب النظام السوري مجزرة مروعة في مدينة خان شيخون، الجارة الجنوبية للمعرة في ريف إدلب الجنوبي، حيث قضى أكثر من 100 مدني بينهم 32 طفلا و23 امرأة لقوا حتفهم في الهجمات الكيميائية التي شنتها قوات النظام عليهم مستخدمة غاز السارين.
ورغم إنكاره قصف المدينة بالسلاح الكيماوي، أكدت بعثة التحقيق المشتركة التابعة للأمم المتحدة ومنظمة حظر الأسلحة الكيميائية في 27 أكتوبر/تشرين الأول 2017 مسؤولية النظام السوري عن تنفيذ الهجوم الكيميائي في مدينة خان شيخون.
التوثيق الأخير
وكانت عدسة الجزيرة نت وثقت قبل نحو 3 سنوات الساعات الأخيرة قبل سقوط مدينة معرة النعمان بيد قوات النظام السوري، ورصدت حركة نزوح الأهالي على وقع القصف الصاروخي والمدفعي.
وقابلت الجزيرة نت حينئذ أحد النازحين ومدير الدفاع المدني في المدينة، وتحدثا عن حجم القصف والدمار الذي تعرضت له مدينة أبي العلاء المعري في مواجهة اقتحام النظام السوري.