جماعات الهيكل.. 46 منظمة عنصرية فاشية تعمل لهدم الأقصى
ترتبط قضية القدس عمومًا، والمسجد الأقصى خصوصًا بالدعاية الصهيونية الاحتلالية، التي تستند إلى توظيفات توراتية ودينية لأغراض الاحتلال، ولفرض السيادة على القدس، لا سيما الجزء الشرقي منها، وقلبها البلدة القديمة التي يقع فيها المسجد الأقصى.
وهذه هي الأسباب الرئيسة بالنسبة للجهات الصهيونية كلها؛ السياسية والأمنية والعسكرية، وفي هذا الإطار يأتي الإصرار على اقتحام المسجد وإقامة الصلوات فيه وتهميش دور الإدارة الأردنية، مع تصاعد دور الصهيونية الدينية، وتوابعها كالجماعات الخلاصية، وجماعات الهيكل، التي تعمق نفوذها داخل المؤسسة الصهيونية الأمنية والعسكرية، ومن قبلها السياسية، وازدياد مؤيديها، ما يؤثر على سياسات الدولة الصهيونية في المجمل، فضلًا عن قناعاتهم الدينية بأن افتعال الحرب يقرّب من نزول مسيحهم المخلص.
جماعات الهيكل
هي جماعات يهودية متطرفة تسعى لهدم المسجد الأقصى لإقامة الهيكل المزعوم مكانه، لاعتقادها بأن خلاص الشعب اليهودي لا يبدأ من السيطرة على أرض “إسرائيل” الكاملة فقط، وإنما من السيطرة على ما يطلقون عليه “جبل الهيكل” تحديدًا.
وتاريخيًّا شكلت هذه الجماعات كتلة متطرفة داخل اليمين الصهيوني، وضمت أتباع التيار القومي الديني الذي وازن ما بين التيارين القومي والديني لليهودية، وبناءً عليه يرى حاخامات هذه الجماعات -من تلاميذ الحاخام أبراهام كوك- إقامة الهيكل المزعوم مكان المسجد الأقصى جوهر الوجود الصهيوني في فلسطين.
ويرى هؤلاء أن التيار القومي العلماني الذي كان يتولى حكومة الاحتلال عام 1967 عند احتلال القسم الشرقي من القدس إبان هزيمة 67 أضاع الفرصة الذهبية لقصف المسجد الأقصى وإزالته، ثم بناء الهيكل المزعوم مكانه، مؤكدين سعيهم منذ ثمانينيات القرن الماضي لتعويض تلك الفرصة الضائعة لتأسيس الهيكل تدريجيًّا.
وتعد جماعة “أمناء جبل الهيكل” لمؤسسها جرشون سلمون، أول الجماعات نشأةً عام 1967، تلتها جماعة “معهد الهيكل” لمؤسسها يسرائيل أرئيل، التي تعدّ المؤسسة الأم لجماعات الهيكل، ثم الجمعيتان الاستيطانيتان البارزتان “عطيرت كوهنيم” و”إلعاد”، ثم جماعة “نساء لأجل الهيكل”، و”طلاب لأجل الهيكل” برئاسة توم نيساني، وجماعة “تراث جبل الهيكل”، كما أدى ائتلاف الجماعتين السابقتين إلى تأسيس جماعة “جبل الهيكل بأيدينا” (بيدينو).
46 جماعة تتلقى دعمًا هائلًا
وقال الباحث المختص في شؤون القدس والمسجد الأقصى، جمال عمرو: إن جماعات الهيكل عبارة عن عصابات صهيونية متطرفة وصل عددها لـ46 منظمة ما بين صغيرة وكبيرة ومتوسطة الحجم، تدعي العمل من أجل بناء الهيكل المزعوم.
وشدد أن أصولها عنصرية وفاشية، وهي ضد الوجود العربي المسيحي والإسلامي في القدس، وتتلقى دعما ماليا هائلا ومباشرا من مؤسسات صهيونية مسيحية أمريكية وكندية وأسترالية وأوروبية بمئات الملايين من الدولارات.
وأوضح عمرو أن الدافع من وراء وجود هذه الجماعات هو إبقاء الكيان الصهيوني على قيد الحياة، فهم يمنحون الكيان المبرر الديني للبقاء ولجلب الدعم المالي من الدول الغربية.
ونبه إلى أن حاخامات هذه الجماعات يتنافسون فيما بينهم ليس حبًّا في الدين، وإنما حبًّا في المال والجنس، من أجل تحقيق مصالح شخصية، وهذا واضح من خلال سلوكهم اليومي، وانحرافاتهم العديدة، والجرائم التي يرتكبونها، وفضائح كبار الحاخامات في المحاكم التي لا حصر لها، وهو أكبر دليل على أنهم لا يخافون الله، وأن الدين عندهم مجرد وسيلة لتحقيق مصالحهم الشخصية.
وأكد الباحث المختص في شؤون القدس والمسجد الأقصى، أن كل تنظيم من هذه التنظيمات يتمتع باستقلالية كاملة، لكنهم مستعدون للاتحاد معًا من أجل الهيكل المزعوم، لذلك شكلت هذه الجماعات تكتلًا متطرفًا يسعى إلى ضم كل الجماعات الساعية لهدم المسجد الأقصى وبناء الهيكل المزعوم في عضويته.
ويبين عمرو أن جماعة أمناء الهيكل، والتي تأسست عقب هزيمة 1967 الكبرى من حيث عدد المنتسبين وقوة التأثير، ومعتقدها الأساسي هو: إعادة بناء الهيكل الثالث المزعوم مكان المسجد الأقصى المبارك، للتحضير لمجيء المسيح، وقد حاولت أكثر من مرة إرساء حجر الأساس للهيكل المزعوم بعد أن تم تجهيزه وفق مواصفات توراتية، لكن محاولاتها فشلت.
كما يعتقدون، استنادًا لما جاء في العهد القديم، أنه لا بد من توفر ثلاثة شروط لمجيء المسيح بن داود ولخلاص شعب إسرائيل، وهي: قدوم كل اليهود إلى الديار المقدسة، وقيام “دولة إسرائيل” على الأرض التي وعد بها الله إبراهيم وإسحق ويعقوب، وإعادة بناء الهيكل الثالث في الحرم القدسي الشريف.
ولجماعات الهيكل مجموعة من الأهداف طويلة الأمد، وأخرى قصيرة الأمد، كما يوضح جمال عمرو في حديثه لمراسلنا، وهي:
أهداف طويلة الأمد:
– تحرير “جبل الهيكل” (الحرم الشريف) من الاحتلال العربي الإسلامي، حسب تعبيرها.
– إعادة تشييد الهيكل الثالث المزعوم، والذي سيكون بيت عبادة لشعب إسرائيل ولكل الأمم.
– إقامة إسرائيل التوراتية من الفرات إلى النيل.
أهداف قريبة الأمد:
– تقوية هذه الجماعات تنظيميًّا في القدس، لتحقيق أهدافها بعيدة الأمد.
– القيام بحملة توعية لشعب إسرائيل؛ لفهم “خطة الله” في موضوع خلاص إسرائيل.
– نشر رسالة الحركة ومبادئها عبر الوسائل الإعلامية وعقد المؤتمرات، بجانب جبل الهيكل
– استيطان القدس القديمة، “القدس التوراتية”، حسب تعبيرها.
ويؤكد جمال عمرو رفض جماعات الهيكل محادثات السلام مع الفلسطينيين، وتعدّها زائفة، لأنها ستؤدي إلى انقسام “إسرائيل” و”كسر وعد الله، والرباط المقدّس، والعهد بين الله وشعبه” (شعب إسرائيل)، موضحًا أن هذه الجماعات تتمسك بالقدس، وتعدّها عاصمة موحدة لـ”دولة إسرائيل”.
إجماع على وجوب وجود سيادة للاحتلال
من جانبه، قال المختص في الشأن الإسرائيلي، أشرف بدر: في البداية يجب أن نميز بين جماعات الهيكل، وفكرة السيادة على ما يسمى في الأدبيات الإسرائيلية جبل الهيكل “المسجد الأقصى”.
ووفق بدر؛ فهناك إجماع من الطيف السياسي الإسرائيلي سواء متدين أو علماني بوجوب وجود سيادة للاحتلال على الأقصى، بما في ذلك أقصى اليسار الإسرائيلي، فمؤخرًا أصدرت مبادرة جينيف “يعدّونهم حمامة سلام” بيانًا دعت فيه إلى فتح ساحات المسجد الأقصى أمام الزوار اليهود.
ويضيف منذ تسعينيات القرن الماضي طرأ تحول على الساحة الإسرائيلية، حيث أصبح هناك تبنٍّ لفكرة السيادة على الأقصى، بعدما كان التوجه الرسمي للحاخامية الإسرائيلية منذ احتلال القدس عام 1967 بعدم الدخول لساحات الأقصى إلا بعد ظهور المسيح المنتظر، لكن ومع ظهور اجتهادات فقهية جديدة للصهيونية الدينية تنص على أن الدخول للمسجد يأتي من أجل تهيئة الأرضية لمجيء المسيح المنتظر، وهو الهدف الرئيس لجماعات الهيكل.
وقال: جماعات الهيكل أنشأت معهدًا خاصًّا أسموه “معهد الهيكل” يعمل على تدريب التلاميذ على الطقوس الدينية، ويوفر الملابس والقرابين، والتصاميم الهندسية في انتظار المسيح المنتظر.
نفوذ عميق
بدأت اقتحامات المتطرفين اليهود للمسجد الأقصى في عام 2003 بقرار قضائي، ليبدؤوا منذ ذلك التاريخ في تحقيق التقدم تدريجيًّا، فكانت البداية بالاقتحامات الفردية، ثم الجماعية عام 2006، وصولًا إلى تأدية صلوات تلمودية علنية في ساحات المسجد الأقصى أثناء الاقتحامات.
ويبين بدر -المحاضر في جامعة بيرزيت- أن “الخطوة القادمة لجماعات الهيكل، والتي صرح عنها وزير الأمن الداخلي السابق لدولة الاحتلال جلعاد إردان تتمثل في إقامة كنيس في مكان ما من المسجد الأقصى، بدعوى حمايته من المطر والحرّ، وإلى آخره”.
ويسترسل بدر: “كانت عيونهم ولا تزال على إقامة الكنيس في مصلى الرحمة، وهناك خرائط تصدرها جماعات الهيكل تظهر إمكانية إقامة الكنيس بمحاذاة مصلى الرحمة، لكن ذلك يعتمد على وجود ظرف سياسي مواتٍ”.
التمثيل في الكنيست
ومن أجل تحقيق أهدافها حرصت جماعات الهيكل على أن يكون لها ممثلوها في برلمان الاحتلال “الكنيست”؛ حيث كان دخولها الأول له في ثمانينيت القرن الماضي، قبل أن تمنَع من الترشح بقرار قضائي، يقول ضيفنا الدكتور أشرف بدر إنه كان بحق حركة كاخ، لكن فيما بعد عادوا للترشح ودخول البرلمان تحت مظلة أحزاب ومسميات أخرى، بعدما تمكنوا من اختراق أكبر الأحزاب مثل حزب الليكود، وأحزاب الصهيونية الدينية، وغيرها.
وكانت بداية العودة في انتخابات 2003، ومنذ ذلك الحين لم يغب تمثيل هذه الجماعات المتطرفة عن الكنيست؛ بل بات يتزايد في كل دورة انتخابية ليشكل ما نسبته 15٪ من إجمالي مقاعد الكنيست، ومن المتوقع أن يحصد مرشحو هذه الجماعات على أكثر من 12 مقعدًا في الانتخابات القادمة، وفقًا لاستطلاعات الرأي، كما يوضح ضيفنا.
ويؤكد المختص في الشأن الإسرائيلي، أشرف بدر نجاح هذه الجماعات في اختراق جيش وشرطة الاحتلال، إضافة للكنيست، ووسائل الإعلام، ومختلف مؤسسات دولة الاحتلال، وتدريجيًّا يرسخون وجودهم، بعدما استفادوا أفضل استفادة من وجود بن يمين نتنياهو في سدة الحكم على رأس أربع حكومات متتالية، ما أدى من زيادة تمكينهم في المواقع المهمة والمؤثرة في دولة الاحتلال، من خلال الصفقات التي كان يعقدها معهم بمنحهم مناصب حساسة مقابل دعمه في الانتخابات.
وبين أنه وفي حال فوز تكتل نتنياهو في انتخابات الشهر القادم، والذي يضم إلي جانب الليكود الصهيونية الدينية، وحزب شاس، ويهودات هتوراه، وحصوله على 61 مقعدًا في الكنيست سيكون هناك تأثير كبير لجماعات الهيكل على مستقبل الحياة السياسية، وعلى مستوى استلام مناصب مهمة، وقد تم تقديم وعد لإيتمار بن غفير بتسلم منصب وزاري، وهو أحد نشطاء حركة كاخ سابقًا، وكان يوصف بالإرهابي في إعلام الاحتلال، لكن الآن لا أحد يجرؤ على ذلك، وبالتالي نتائج الانتخابات القادمة، لا سيما في حال فوز تكتل نتنياهو سيكون لها تأثير كبير على القادم.
المصدر: المركز الفلسطيني للإعلام