عندما تدافع الضحية عن جلادها
عبد الإله معلواني
إذا قيل لنا: إن الضحية باتت تدافع عن جلادها، فمن الواجب علينا أن نسأل: ماذا حدث حتى انقلبت الموازين، وباتت هذه الضحية تدافع عن جلادها، رغم أن هذه الضحية لا تزال هي الضحية، ورغم أن جلادها لا يزال هو الجلاد؟! وقد يقول قائل: أحقا حدث ذلك؟! ومتى حدث ذلك؟! وكيف حدث ذلك؟! صدقوا أو لا تصدقوا، لقد حدث ذلك مع شديد الأسف، في مسيرة الأحزاب والحركات التي هي جزء من مجتمعنا في الداخل الفلسطيني، والتي قادها نهجها المتعثر إلى الانخراط في لعبة الكنيست، ثمَّ قادها هذا النهج إلى الانخراط في لعبة التوصية على غانتس ثم لبيد لرئاسة الحكومة الإسرائيلية، ثم قاد البعض منها نهجها المتعثر الانبطاحي إلى الانخراط في لعبة الانضمام إلى الإئتلاف الحكومي الإسرائيلي برئاسة بينت-لبيد!! وفجأة ونتيجة لهذا النهج والمسار التفريطي المتواصل بلا توقف، وإذ بهذه الأحزاب والحركات، والتي لا تزال هي جزء من مجتمعنا في الداخل الفلسطيني الذي لا يزال هو الضحية، وهذا يعني أنها لا تزال هي كذلك الضحية، فجأة وإذ بهذه الأحزاب والحركات الضحية باتت تدافع عن الجلاد الذي هو كل الحكومات الإسرائيلية المتعاقبة التي كانت أو القادمة!! فيا للعجب!! وتحت مبررات هي أعجب من العجب يؤسفني أن أقول ذلك بلا تردد، وقد بت مقتنعا بما كتبت أعلاه بسبب مواقف وتصريحات هذه الأحزاب والحركات الضحية، لا سيما مواقف وتصريحات رؤساء هذه الاحزاب والحركات، والتي خرجت علينا ذات يوم باسم (القائمة المشتركة) و (الموحدة)، ثم ها هي قد خرجت علينا اليوم باسم (ما تبقى من القائمة المشتركة) و (الموحدة) و (التجمع)، ثم لا أدري كيف ستخرج علينا في قادمات الأيام، وكل ذلك تحت مقولة (إرادة شعب)، وهذه يعني وفق هذا الانقسام الذي جاء ليمثل (إرادة شعب) أن (الإرادة) أصبحت (إرادات)، وأن (شعب) أصبح (شعوب)!! لماذا كل ذلك؟! لأن هذه الأحزاب والحركات الضحية انزلقت في ممارساتها السياسية وخرجت علينا تقول في بداية الأمر إنها أوصت على (غانتس) ثم على (لبيد) لرئاسة الحكومة الإسرائيلية حتى تمنع وصول (نتنياهو) لرئاسة الحكومة الإسرائيلية!! وهكذا انزلقت هذه (الضحية) انزلاقا تاريخيا!! وباتت تدافع عن جلادها حتى تبرر هذا الانزلاق التاريخي!! كيف؟!
من المعروف أن هناك المشروع الصهيوني، وأن كل هذه الأحزاب التي يقف على رأسها (نتنياهو) أو (غانتس) أو (لبيد) أو (بينيت.. الخ هي جزء من هذا المشروع الصهيوني!! وهذا يعني أن استراتيجية هذا المشروع الصهيوني تجمع كل هذه الأحزاب، فهي استراتيجية واحدة، وإن اختلفت هذه الأحزاب في (تكتيك) تنفيذ هذه الاستراتيجية الصهيونية الواحدة!! وهذا يعني أن كل هذه الأحزاب في منزلة واحدة وعلى قدم سواء بالنسبة للاستراتيجية، وقد تختلف في الجانب الفرعي فقط، وهو (تكتيك) تنفيذ هذه الاستراتيجية، وهذا يعني أنه لا يوجد يمين، ولا يسار، ولا وسط، ولا يمين متشدد، بين هذه الأحزاب بما يتعلق بالاستراتيجية، حيث تذوب كل هذه المسميات فيما بينها، وتبقى كلها أحزاب صهيونية في دائرة الاستراتيجية الواحدة،!! ثم قد تخرج علينا هذه الأحزاب الواحدة من حيث الاستراتيجية الواحدة الصهيونية، قد تخرج علينا بتعددية (التكتيك) فقط!! وتعددية هذا التكتيك هي التي تخدعنا!! وهي التي تجعلنا نظنّ أن هناك حزب صهيوني يميني، وهناك يساري، وهناك وسط، وهناك يمين متشدد.. الخ. وأكثر ما تبرز تعددية هذا التكتيك في الخطاب الإعلامي لكل من هذه الأحزاب الصهيونية الواحدة ذات الاستراتيجية الواحدة صهيونيا!! ولذلك لا زلت على قناعة أنَّ هذه الأحزاب الصهيونية قد يبدو لنا بعضها يمينا أو يسارا أو وسطا أو يمينا متشددا في خطاب كل منها الإعلامي، ولكن على أرض الوقع والممارسة هي تمثل من حيث الأداء الرسمي الحكومي الحزب الصهيوني الواحد تجاهنا نحن الضحية!! وذلك واضح في نهج تعامل هذه الأحزاب الصهيونية مع ملف أرضنا وبيوتنا ومقدساتنا ومع ملف العنف وملف النقب وملف القضية الفلسطينية بعامة وملف القدس والمسجد الأقصى المباركين بخاصة!! ولذلك تشير الأرقام بوضوح أن حكومة بينت- لبيد زاد تغولها كجلاد في كل هذه الملفات، أي زاد تغولها كجلاد علينا نحن الضحية!! ومع ذلك ومع أن هذه الحكومة (بينت- لبيد) الجلاد التي قامت على هذا الثالوث: (بينت- لبيد- غانتس)، بالغت في تغولها علينا نحن الضحية، إلا أنها قامت، وهناك الأحزاب والحركات الضحية منا التي دافعت عنها قبل قيامها!! فهي التي أوصت بغانتس ولبيد لرئاسة الحكومة الإسرائيلية!! وهي التي لا تزال تبرر هذه التوصية حتى قبيل أيام ولا تزال تقول: (هناك صهيونية وهناك صهيونية أخرى، وهما مختلفان!! وهناك استراتيجية صهيونية وهناك استراتيجية صهيونية أخرى وهما مختلفان!! وهناك إمكانية للتوصية على إحدى هاتين الصهيونيتين!! وهناك إمكانية للتوصية على إحدى هاتين الاستراتيجيتين!! وهناك استراتيجية صهيونية يمينية، وهناك استراتيجية صهيونية يسارية أو وسط!! ونحن الأحزاب والحركات الذين نعتبر أنفسنا من الضحية نحن مع الجلاد الذي يمثل الاستراتيجية الصهيونية اليسار أو الوسط!! (وفق حسابات هذه الأحزاب والحركات الضحية منا)!! وهو خطاب انزلاقي لم يحلم به ذات يوم هرتسل أو بن غوريون ولا سائر من خلفهم!! نعم وأقول بكل ألم وأسف: لم تحلم الحركة الصهيونية أن يصدر هذا الخطاب الانزلاقي ذات يوم عن الضحية!! ولم تحلم هذه الصهيونية الجلاد أن تقف الضحية لتدافع عنها أو عن بعض مكوناتها كما فعلت هذه الأحزاب والحركات الضحية منا!! لماذا كل ذلك؟! كي تبرر هذه الأحزاب والحركات الضحية منا هذا الانزلاق الذي وقعت به!! وإلا ما دلالة التوصية على غانتس ثم لبيد لرئاسة الحكومة الإسرائيلية إن لم تكن كذلك!! ومما يزيد الطين بلة أنها لا تزال تدافع عن هذا التبرير حتى الآن!! إلا التجمع الذي بعد أن كان شريكا في ذاك الانزلاق ثم بات في هذه الأيام يعلن تخليه عن ذلك الانزلاق!! ثم تفاقم خطر هذا الانزلاق بعد أن دخلت القائمة الموحدة إلى لعبة الائتلاف الحكومي الإسرائيلي القائم على ثالوث: (بينيت- لبيد- غانتس)، وفق تبريراتها المعروفة!! وفجأة وإذ بالقائمة الموحدة التي هي جزء منا كضحية، وإذ بها كضحية تدافع عن الجلّاد! وإذ بالحركة الصهيونية تسجل إنجازات لرصيدها، لم تحلم بها منذ جذورها الأولى في أيام (موشيه هيس) يوم أن لم تكن قد أعلنت عن نفسها!! فها هي القائمة الموحدة الضحية تدافع عن الحركة الصهيونية كجلاد، وتطلق على حائط البراق اسم (المبكى)، وتمنح المجتمع الإسرائيلي حق الصلاة فيه، وتصرح بيهودية الدولة علانية، وتطلق اسم المخربين على الطرف الفلسطيني، وهكذا وجدت الحركة الصهيونية من يتبنى خطابها ومصطلحاتها!! يا للعجب!!
بطبيعة الحال فإن هذه المقالة ليست معصومة، وهي قابلة للنقد، وأرجو ممن أراد أن ينتقدها أن يتحلى بأدب النقد. وله جزيل الشكر.