تجارة التهريب عبر قوارب الموت.. بحثوا عن لقمة العيش فابتلعهم البحر
الإعلامي أحمد حازم
طرق التهريب عديدة ومختلفة، منها ما يتم عبر تركيا ومنها عبر الساحل السوري وأخرى عبر الساحل اللبناني. وأساليب المهربين تصب كلها في نفس الهدف، جمع أكبر كمية من المال مقابل التهجير بمراكب وقوارب غير صالحة. والمؤكد أكثر أن هذه المراكب يصح عليها تسمية قوارب الموت، لأن غالبية من يستخدمونها طلبًا لحياة أفضل، يغادرون الحياة وهم على متن القوارب لأن البحر يبلعهم بعد غرق هذه المراكب.
المهرِّب لا يهمه إذا كان المركب صالحًا أو غير صالح. ما يهمه كمية الدولارات التي تعود لجيبه من وراء الضحايا الذين خططوا لمستقبل أفضل، فكان مصيرهم الهلاك. مهربون لا ضمير لهم ولا يتمتعون بأدنى حس من الإنسانية، المركب الأخير الذي غادر من طرطوس باتجاه أوروبا كان على متنه أطفال ونساء وشباب من جنسيات مختلفة (فلسطينيون، سوريون ولبنانيون)، الضحايا الفلسطينيون الذين غرقوا والذين لا يزالون في عداد المفقودين هم من سكان مخيم نهر البارد بالقرب من طرابلس شمالي لبنان.
هذا المخيم أعرفه جيدًا، فقد ترعرعت فيه وتعلمت الأبجدية الفلسطينية وتاريخ وجغرافية فلسطين فيه، وتعلمت حكاية النكبة الفلسطينية في مدارسه الابتدائية والاعدادية، وكبرت فيه على حب الوطن.
هذا المخيم الذي نشأ نتيجة النكبة الفلسطينية الأولى عام 1948، عاش أيضا نكبة أخرى وتشتيتا آخر في العام 2007 عندما تعرض المخيم للدمار من قبل الجيش اللبناني.
نكبة أخرى ألمت بالمخيم قبل أيام. لقد فقد المخيم العشرات من سكانه غرقا في البحر في مركب بينما كان متجها الى اليونان. وكأن المخيم لا يكفيه ما حصل له من مؤامرات حتى من أبناء جلدته. كبار المسؤولين جميعهم يتحملون المسؤولية عما حدث لنهر البارد وعما يحدث له. فلسطينيون ولبنانيون على الصعيد الرسمي كلهم مسؤولون ولا استثني أحدًا.
“الطبقة السياسية الفاسدة التي نهبت لبنان وحولته الى جحيم هي الشريك الأساس في هذه الجريمة مع تجار الموت وتجار الشر وتجار الارهاب”. هكذا قال فضيلة الشيخ بلال سعيد شعبان رئيس حركة التوحيد الاسلامية في لبنان في كلمة التعزية التي ألقاها في مخيم نهر البارد، والتي أرسلها لي مشكورًا. ودعا فضيلته “أن يكون شعارنا جميعا لا هجرة بعد اليوم ولن نغادر إلا الى فلسطين”.
الشاب الفلسطيني محمد فارس إسماعيل أحد الناجين من مركب الموت الذي فقد زوجته وطفلتيه (ريم وراند) في قارب العذاب والموت قال: “قبطان المركب رفض الانطلاق، لأنه حسب خبرته سيكون الموت مصير ركابه لعدم صلاحية المركب ولكثرة عدد الهاربين من ظلم الحياة، الذي لا يحتمل هذا العدد الكبير (حوالي 150شخصًا) لكن المهرب أخرج مسدسه وهدد القبطان بقتل أولاده أمامه أولًا وقتله هو ثانيًا، وأجبره على قيادة المركب وكانت الكارثة”.
ريم وراند اسماعيل ، كانتا وردتان في هذه الحياة، أراد والدهما أن يكون لهما مستقبل أفضل في أوروبا فتحطمت آماله بغرق القارب، وبدلًا من أن يرى طفلتيه تتخرجان من جامعات أوروبية، رأى البحر يبتلعهما مع زوجته، ولم يستطع فعل شيء. ما أصعب هذه اللحظات عندما ترى فلذة كبدك يصرخ ويموت أمامك وأنت عاجز عن إنقاذه.
قوارب الموت أصبحت الأمل الوحيد للهرب من الظروف الاجتماعية والاقتصادية المأساوية للفلسطينيين وغيرهم. ما يحدث للبشر على هذه القوارب هو في حقيقة الأمر فرار من الموت البطيء الى موت محتم. هكذا كان حال من كانوا على المركب. رحمة الله على شهداء قارب الموت وألهم ذويهم الصبر والسلوان.