نتائج استطلاع صادمة.. هكذا يفتقر شباب غزة لأبسط الحقوق الطبيعية بفعل الإغلاق الإسرائيلي
واقع مرير يعيشه شباب قطاع غزة، فقد أظهرت نتائج استطلاع رأي حديث أن 9 من كل 10 منهم يعتقدون أن حياتهم غير طبيعية جراء التحديات الجسيمة التي واجهوها خلال السنوات الـ15 الماضية، والناجمة عن الحروب والقيود الإسرائيلية، هذا الواقع أيضا ترجمه معرض فني بغزة عسكت أعماله الفنية تأثيرات الحصار والإغلاق على حياة الشباب بالقطاع المحاصر.
وتعتقد غالبية الشباب الذين شاركوا في استطلاع أجرته “اللجنة الدولية للصليب الأحمر”، أن هذه التحديات التي يواجهونها هي نفسها التي ستحدد مسار حياتهم في المرحلة القادمة، وأن لا أمل لدى 40% منهم في العثور على فرصة عمل.
وشارك في الاستطلاع الإلكتروني 385 شابا وشابة في الفئة العمرية من 18 إلى 30 عاما، بهدف “قياس الآثار المترتبة على حياة الشباب في قطاع غزة بفعل القيود المفروضة على حركة الأفراد والبضائع منها وإليها”.
وتقول نوران الزعيم (23 عاما) التي شاركت في الاستطلاع، إن “كل ما نطلبه (نحن الشباب) هو العيش بشكل طبيعي مثل الآخرين في العالم.. نريد أن نكون قادرين على التنقل بحرية والسفر والحصول على وظائف لائقة”، بحسب ما نقلته عنها الوكالة الدولية للصليب الأحمر.
الأسوأ حظا
هذه الوظيفة التي وصفتها نوران باللائقة، وتقصد أن تتناسب وإمكانيات الشاب ومؤهلاته، لم تتوفر لمحمود حمدان، الذي يحمل شهادة متوسطة في تخصص “السكرتارية الطبية”، فقد وجد نفسه مضطرا بعد التخرج قبل نحو 8 سنوات للعمل عامل بناء.
وقال محمود (28 عاما) “يا خسارة مصاريف التعليم.. تكاليف مادية وتعب وسهر من أجل النجاح، وطوابير جيش العاطلين عن العمل من الخريجين في ازدياد مستمر سنويا”.
محمود يصف نفسه وأقرانه من مواليد التسعينيات بأنهم “الأسوأ حظا”، وقال “15 عاما، أكثر من نصف حياتنا حتى الآن حرقت في الحروب والحصار والانقسام.. وخلالها لا أتذكر أنني عشت يوما واحدا لم تقطع فيه الكهرباء”.
عمل محمود في البناء ليس مستقرا بفعل القيود الإسرائيلية والتردي الاقتصادي، ولا يزال يقيم في غرفة صغيرة لدى أهله في مخيم للاجئين في مدينة رفح جنوب القطاع، وهو غير قادر على الزواج ويخطط حاليا للسفر واللحاق بأصدقاء له سافروا للعمل في ليبيا، ويقول “لم أكن مقتنعا بفكرة السفر خارج غزة، لكن العمر يمضي ولا يبدو أن هناك أملا قريبا في حياة أفضل”.
وبحسب نتائج الاستطلاع، فإن ثلثي الشباب في غزة يعتمدون على عائلاتهم في مصاريف حياتهم اليومية، وعبر 42.9% منهم عن انعدام الأمل لديهم في الحصول على عمل خلال الأعوام الـ15 المقبلة.
ويعتبر 69.9% من الشباب أن انعدام الاستقلال المالي لهم وقبولهم لأي عمل حتى لو كان لا يناسبهم هو من أهم تداعيات التدهور الاقتصادي.
ويمثل الشباب في الفئة العمرية من 18 إلى 29 عاما نحو الخُمس من بين حوالي مليوني فلسطيني في قطاع غزة الساحلي الصغير والمحاصر منذ منتصف العام 2007، وقد تعرض منذ ذلك الحين لأربع حروب إسرائيلية وعشرات جولات التصعيد.
فرص متلاشية
وقالت الناطقة باسم اللجنة الدولية للصليب الأحمر سهير زقوت إن الحروب والقيود المفروضة على غزة منذ 15 عاما أسهمت بشكل كبير في تدهور الوضع الاقتصادي والإنساني، وتقييد الوصول إلى الخدمات الأساسية والوظائف، والفرص خارج الأراضي الفلسطينية المحتلة.
أيمن الحصري فنان تشكيلي شاب لم يحظ بفرصة للسفر خارج غزة، وواجه في مرات عدة عوائق بسبب هذه القيود حرمته من السفر من أجل العمل والمشاركة في فعاليات فنية.
وما واجهه أيمن تعرض له 39.2% من الشباب -بحسب الاستطلاع- فقدوا فرصة عمل بالخارج، في حين فقد 12.9% منحة دراسية بالخارج لعدم قدرتهم على مغادرة غزة.
وليس لأيمن حاليا وظيفة ثابتة تدر عليه دخلا شهريا، ويعمل بموجب عقود مؤقتة، وقال، “وضعي أفضل حالاً من غيري، فقد تمكنت أخيرا من الزواج، وأعمل بشكل شبه منتظم، وإن كانت تمر علي أسابيع بلا عمل أو دخل”.
وأضاف “العائد المادي من وراء عملي بالكاد يكفي لسد الاحتياجات الأساسية، لكن بالمقارنة مع الغالبية من أقراني، اعتبر نفسي محظوظا في مجتمع يعاني فيه الشباب من اليأس وانعدام الأمل”.
الحل لهذا الواقع المرير تحدده زقوت بـ”قرار سياسي يأتي بحلول مستدامة وطويلة الأمد”، يصدر عن السلطات الفلسطينية والإسرائيلية ودول الإقليم والمجتمع الدولي، وقالت “المساعدات المقدمة للفلسطينيين تمنع انهيار الخدمات، لكنها لا تقدم الحلول المستدامة التي تعالج الأزمة وتمكن الشباب من العيش بكرامة”.
وتتجاوز احتياجات الشباب الجانب الاقتصادي، ويقول نصف الشباب في غزة إنهم عانوا من مشكلات نفسية خطيرة، ويواجه ثُلثهم مشكلات اجتماعية.
وقالت زقوت إن الاستطلاع “قرع الجرس” بخصوص رؤية الشباب لواقعهم ومستقبلهم.
نتائج مخيفة
%88.8 من المشاركين في الاستطلاع اعتبروا أن الحياة في غزة غير طبيعية مقارنة بغيرها، وأرجعوا ذلك إلى تداعيات جولات التصعيد المتكررة، والإغلاق والقيود المفروضة على الحركة، والخلافات الفلسطينية الداخلية.
وأظهر الاستطلاع تأثر 95.6% من الشباب سلبا بالأوضاع الإنسانية بسبب انخفاض مستوى الدخل وانعدام فرص العمل وعدم الوصول إلى الخدمات الأساسية، ويتمثل ذلك في الانقطاع المستمر للكهرباء وقلة جودة المياه وخدمات الصرف الصحي وسوء التغذية.
وعلى المستوى الصحي، يعاني 49% من الشباب من التوتر والقلق والاكتئاب، و34.5% منهم يعانون من مشكلات اجتماعية متعلقة بالروابط الاجتماعية، و12.4% منهم يمتنعون عن الزواج.
مبني للمعزول
“مبني للمعزول” قد يكون عنوانا غير معتاد لمعرض للفنون البصرية، ولكنه -بحسب زقوت- “يعبر بصدق عن تبعات تحويل مساحة مسكونة إلى نموذج سجن مكبر، وما يتضمنه ذلك من عزلة نتيجة الإغلاق المفروض عليها.. أجيال بأكملها ولدت ونشأت في تلك المساحة التي تفتقر إلى الكثير من الأمور الطبيعية مثل حرية التنقل والسفر والاتصال والتواصل والصحة والتعليم والتجارة، وتعاني من الكثير من الانتهاكات”.