يتعرض بعضهم للابتزاز والسجن وسوء المعاملة.. ليبيا بوابة عبور جديدة للسوريين للهجرة إلى أوروبا
لم يجد شكري الحوراني بداً من بيع منزله في ريف درعا جنوب سوريا بقيمة تبلغ نصف سعره الحقيقي، حسب تقديره، لأجل تأمين مصاريف رحلة اللجوء إلى إحدى الدول الأوروبية التي لم يحددها، لكنه على يقين أن وجهته الأولى هي ليبيا دولة العبور القريبة من إيطاليا.
ويقول الحوراني (اسم مستعار) إن الكثير من شبان درعا يخططون للرحيل من البلاد، جراء الضائقة المعيشية غير المسبوقة والظروف الأمنية التي تمر بها المحافظة الجنوبية التي يطلق عليها مهد الثورة ضد نظام حكم بشار الأسد.
ويؤكد الحوراني أنه مدرك لمخاطر الرحلة، مشيرا إلى ما توصف بقوارب الموت التي يبحر بها مهاجرون معظمهم سوريون، مؤكدا أن بقاءه في درعا هو أشبه بـ “الموت البطيء فلا ضير من استعجاله أو النجاة بأعجوبة”، حسب تعبيره.
ويشير الشاب المنحدر من جنوب سوريا إلى أن نصف رحلته تعتبر آمنة، فهو يعتزم السفر بشكل شرعي من مطار دمشق إلى ليبيا، ليبدأ الجزء الصعب من رحلته إلى القارة الأوروبية عبر القوارب المطاطية.
ويعزو الحوراني انطلاق سوريين في هذه الرحلة إلى أنها أقل كلفة من العبور إلى تركيا، خصوصا لأبناء مناطق جنوب سوريا مثل درعا والسويداء ودمشق أيضا، “فالوصول إلى حدود تركيا وعبورها مكلف جدا على عكس السفر إلى ليبيا بالطائرة بتكاليف مالية لا تتجاوز ألفي دولار”، كما يقول.
نقاط تهريب جديدة
بعد الوصول إلى ليبيا جواً في مطار بنغازي، ينتقل المهاجرون إلى مدينة طرابلس استعدادا للجزء الأخطر من الرحلة عبر البحر بالقوارب التي ينظم رحلاتها مهربون يتقاضون مبالغ من المال، ويحتاج ذلك بعض الوقت لأجل التوجه إلى مدينة زوارة القريبة من العاصمة الليبية.
لكن بعض السوريين وآخرين من المهاجرين يلجؤون للعمل في ليبيا لعدة أشهر، بهدف تأمين تكاليف ما تبقى من الرحلة إلى أوروبا، وفق محمد سالم، الضابط في وزارة الداخلية الليبية، حيث يتراوح ما يدفعه المهاجر للمهربين ما بين ألفين إلى 3 آلاف دولار عادة، يتم توفيرها من خلال العمل لعدة أشهر في المطاعم والمخابز والورش في المدن الليبية الكبيرة.
وأوضح سالم للجزيرة نت أن خطوط الهجرة تنوعت بين الرحلات الجوية والبرية عبر منفذ امساعد الحدودي مع مصر أو عبر الصحراء لمن لا يحملون وثائق سفر، “لكن الوجهة قبل الأخيرة لكل هؤلاء تظل موانئ التهريب عبر البحر إلى أوروبا شرقا وغربا”.
ولم يعد الأمر مقتصرا على سواحل مدينة زوارة غربا، فقد استحدث المهربون نقاط تهريب جديدة كمنطقتي البردي وكمبوت شرق مدينة طبرق، حيث قُبض مؤخرا على ألف مهاجر كانوا في انتظار مركب يقلهم إلى سواحل إيطاليا، كما أكد مصدر أمني في فرقة الضفادع البشرية التابعة للجيش فضل عدم ذكر اسمه.
وأكد المصدر في حديث للجزيرة نت أن الجرافات ليست كلها معدة للإبحار إلى سواحل أوروبا مباشرة، بل يقوم بعضها بتسليم المهاجرين في نقاط متفق عليها في عرض البحر أو في موانئ أخرى وفي غرب ليبيا، ضمن شبكات تهريب تدار بين سوريا وليبيا وبلدان أوروبية بينها ألمانيا، بحسب ما كشفت عنه بعض التحقيقات.
سجون وابتزاز
ولا تنتهي محنة اللاجئين بعد القبض عليهم أثناء رحلات البحر إلى أوروبا انطلاقا من ليبيا، إذ يتعرض عدد كبير منهم إلى السجن والابتزاز المالي، وفق روايات شهود وتقارير حقوقية معنية بشأن اللاجئين.
ويروي أحد المهاجرين السوريين كيف وصل إلى ليبيا عبر مطار بنينا في بنغازي، قادما من إسطنبول في تركيا، قبل أن يتعرض للابتزاز وسوء المعاملة على يد رجال أمن أودعوه السجن لأسابيع.
وأكد المهاجر (فضل عدم الكشف عن هويته) في حديث للجزيرة نت، أن أقرباء له دفعوا 5 آلاف دولار لعدة أشخاص حتى يتمكنوا من إطلاق سراحه، مشيرا إلى أنه تعرض للسرقة والمعاملة السيئة داخل السجن.
بدوره، تحدث العامل في مجال حماية ودعم المهاجرين بمدينة بنغازي محمد عيسى، عن “جرائم ابتزاز علني وبيع وشراء للسوريين من قبل العصابات وبعض رجال الأمن والعاملين بمراكز الهجرة”، نظرا لاستحالة ترحيلهم على عكس المهاجرين المصريين الذين يجري ترحيلهم عبر المنفذ البري على الحدود مع مصر بحسب الاتفاقيات بين البلدين.
ويؤكد بيان نشره المركز الأورومتوسطي لحقوق الإنسان وجود 4 مراكز احتجاز في العاصمة طرابلس، وهي سجن الزاوية، وأبو سليم، وعين زارة، وغوط الشعال، يقاد إليها اللاجئون القادمون إلى ليبيا بقصد الهجرة.
وذكر المركز الأورومتوسطي أنه تلقى إفادات من أقارب مهاجرين سوريين محتجزين في طرابلس، تُشير إلى أن المحتجزين يعيشون ظروفا إنسانية غاية في السوء، ويتعرضون لانتهاكات مركبة تمس سلامتهم وكرامتهم.
وكانت المنظمة الدولية للهجرة أعلنت أنه تم اعتراض أو إنقاذ 20 ألفا و257 مهاجرا منذ بداية العام الجاري وحتى مطلع هذا الشهر في البحر، مما يعادل تقريبا عدد إجمالي المهاجرين الذين تم إنقاذهم أو اعتراضهم العام الماضي وإعادتهم إلى ليبيا.