كيف حوّل السيسي مصر إلى “وكر” للتجارة السرية؟
أشارت تقارير صحفية غربية إلى أن النظام المصري، يسرع من وتيرة شرائه الوقود من روسيا، بشكل مضاعف عن السنوات السابقة، وأنه يعاون موسكو في كسر العقوبات الغربية عليها، وأن إحدى موانئه الصغيرة على البحر المتوسط تستقبل شحنات النفط الروسية وتعيد تصديرها لدول أخرى.
وكالة “بلومبيرغ” الأمريكية، وفي 19 أيلول/ سبتمبر 2022، قالت إن آسيا والشرق الأوسط، استحوذتا على حصة أكبر من صادرات النفط الروسية منذ اندلاع حرب أوكرانيا، 24 شباط/ فبراير الماضي.
ولفتت إلى أن زيادة عمليات البيع الروسي تأتي قبل حظر الاتحاد الأوروبي معظم واردات الخام الروسي في 5 كانون الأول/ ديسمبر المقبل، ثم حظر المنتجات النفطية في شباط/ فبراير المقبل.
وأكدت الوكالة الأمريكية، أن البائعين الروس يستخدمون تكتيكات متنوعة ويوجدون منافذ بيع جديدة، منها استخدام بعض الموانئ ومصافي البترول لإعادة تصدير الخام الروسي بعد تغيير علامته التجارية، والتحويلات من سفينة لأخرى.
“ميناء الحمرا”
وأوضحت أنه جرى تتبع وصول 51 شحنة بترول من روسيا لميناء “الحمرا” المصري البترولي بالساحل الشمالي الغربي للبحر المتوسط في آب/ أغسطس الماضي، لافتة إلى أن هذا رقم كبير من الشحنات الروسية بالنسبة لسابق التعاملات التي بلغت في ذات الشهر من 2021، شحنة واحدة فقط.
وكشف “بلومبيرغ”، أن مصر تقوم باستخدام الميناء نفسه في إعادة تصدير خام البترول الروسي وتسهيل بيعه في الأسواق العالمية.
وفي تقرير لها 3 آب/ أغسطس الماضي، قالت “بلومبيرغ” إن روسيا وجدت طريقا جديدا لتسويق نفطها عبر ميناء مصري صغير مع اقتراب العقوبات الغربية على نفط موسكو.
وأكدت أنه جرى تسليم شحنة بنحو 700 ألف برميل من النفط الروسي لميناء الحمراء النفطي في مصر على ساحل البحر المتوسط في 24 تموز/ يوليو الماضي، مشيرة إلى أنه جرى بيع تلك الشحنة لجهة أخرى لم تحددها.
وأضافت أنه بعد ساعات قليلة، أخذت سفينة أخرى شحنة من الميناء- والتي ربما تضمّنت بعض براميل النفط الروسي أو كلها- وفقا لبيانات تتبع السفن التي رصدتها “بلومبيرغ”، التي وصفت تلك الخطوة بأنها غير عادية.
وقالت إنه بعد ساعات قليلة من مغادرة الناقلة الأولى”Crested” ميناء الحمراء؛ وصلت ناقلة أخرى تحمل اسم “Chris” تظهر بيانات التتبع أنها كان موجودة بالمحطة لعدة أيام، وخرجت من المرسى للسماح لـ”Crested” بالرسو.
وأشارت الوكالة لاحتمال مزج البراميل الروسية مع الإنتاج المصري، خاصة وأن ميناء الحمراء، الذي تديره شركة بترول الصحراء الغربية المصرية، به 6 صهاريج تخزين، تستوعب 1.5 مليون برميل نفط خام، ومرسى واحد للتحميل والتفريغ.
وقالت إن روسيا بالفعل تعتمد على مصر كمحطة لعبور النفط، موضحة أن موسكو وجدت وسيلة جديدة لتسويق نفطها مع اقتراب العقوبات الغربية عليها.
وهو الأمر الذي اعتبره مراقبون يسيء إلى مكانة مصر الدولية وسمعتها العالمية، ويجعل منها مقرا للأعمال الخارجة عن القانون الدولي، ويحولها لمجرد سمسار حرب يعمل بالخفاء لتحقيق بعض المكاسب المالية، أو الوقوف بين روسيا والغرب.
“أسلحة كورية”
وفي السياق، وفي واقعة مماثلة، وفي 2 أكتوبر/ تشرين الأول 2017، أعلنت صحيفة “واشنطن بوست” الأمريكية أن سفينة كورية شمالية ترفع علم كمبوديا، محملة بقذائف كورية رصدتها الاستخبارات الأمريكية على الشواطئ المصرية قرب قناة السويس.
الصحيفة أشارت إلى أن صفقة الأسلحة تلك والبالغة 30 ألف قذيفة، اشتراها الجيش المصري من كوريا الشمالية، رغم العقوبات الدولية المفروضة على بيونغ يانغ، فيما طالبت واشنطن القاهرة نهاية آب/ أغسطس 2017، بتوقيف السفينة.
وأكدت الصحيفة أن نقل تلك الأسلحة لمصر كان جزءا من عملية سرية، شارك فيها رجال أعمال مصريون اشتروها من كوريا الشمالية لإخفاء العلاقات التجارية بين الدولتين، وتخبئة الأسلحة داخل حاويات قيل إنها مواد خام لصناعة الحديد والفولاذ.
وفي 3 آذار/ مارس 2018، قالت صحيفة “نيويورك تايمز” الأمريكية، إن مصر اشترت أسلحة كورية شمالية، وتسمح لدبلوماسيي “بيونغ يانغ” باستخدام سفارة بلادهم بالقاهرة لبيع تلك الأسلحة وتحويل السفارة بموافقة القاهرة إلى مركز لبيع السلاح.
الواقعتان وغيرهما تكشفان كيف أن السيسي يعمل كسمسار حرب مخالفا التوجهات العالمية من أجل المال، ويضع مصر أمام طائلة العقوبات الغربية بتمرير صفقات بترول روسي وصفقات سلاح كوري شمالي، ما يضر بسمعة دولة بحجم وقيمة وتاريخ مصر.
“تداعيات سلبية”
وفي تعليقه قال الباحث المصري في الشؤون الأمنية، أحمد مولانا، إن “السيسي يحاول الاستفادة المالية من ظروف الحظر الغربي المنتظر فرضه على روسيا نهاية العام”.
وأضاف، أنه “وآخرين في المنطقة بينهم الإمارات والسعودية لديهم زيادة في عدد السفن الناقلة للنفط الروسي، باعتبار إمكانية خلطه مع الإنتاج المحلي وإعادة تصديره مجددا”.
ولفت إلى السيسي، في هذا الإطار، “يحاول أن يستثمر ماليا في خام البترول في ظل ظروف الحرب الحالية، ويجلب ما يمكن له من عملة أجنبية”.
وأشار إلى حالة التقارب المصرية الروسية الأخيرة، والتي تمثلت في الحديث عن ربط نظام الدفع المالي الروسي “مير” بنظام الدفع المصري “ميزة”، لتشجيع السياح الروس للقدوم إلى مصر وتسهيل معاملاتهم المالية.
ويرى الخبير الأمني، أن هذه التوجهات جميعها، “تمثل إزعاجا للدول الغربية”، ملمحا إلى أن “التهديدات الغربية برفض عقوبات على داعمي التهرب الروسي من العقوبات دفعت بنكي “Isbank” و”Denizbank”التركيين للتوقف عن استخدام النظام الروسي”.
وقال إن “السيسي، يحاول أن يستثمر في العلاقات مع روسيا بأكثر قدر ممكن، ويعمل على الاستفادة من التوتر الدولي الجاري منذ الحرب الأوكرانية، ولكن هذا يضعه في مواجهة بطبيعة الحال مع الدول الغربية وبمقابل ضغوطها”.
واستدرك: “فكرة أنه يُغضب الغرب في طريق محاولته البحث عن مصلحته والوصول إليها، تضعه أمام السؤال: هل هو قادر على الصمود في مواجهة الضغوط الغربية أم لا؟”.
وأشار إلى أن “علاقاته بالجانب الروسي قوية وظهرت أخيرا في تفعيل العمل بمحطة (الضبعة النووية)، وهو يراهن بأن هذه العلاقات يمكن استثمارها اقتصاديا في جلب أكبر قدر من الموارد المالية”.
وأكد أن “هذا في مقابل ضغوط غربية تداعياتها ستكون أكثر سلبية”، مضيفا: “ولعل هذا يكون السبب في تباطؤ منح صندوق النقد الدولي، القرض المالي الذي تطلبه القاهرة من آذار/ مارس الماضي، أو اشترطت شروط ثقيلة تؤدي لاضرابات مجتمعية مثل تحرير سعر صرف الجنيه مجددا أو تقليل الدعم أكثر وبالأخص على الخبز”.
وختم بالقول إن “هذه إحدى الأدوات التي يستخدمها الغرب لمواجهة العلاقات المصرية الروسية، وتوجهات النظام المصري لتخفيف العقوبات على موسكو”.
“طريقة الترجمان”
رئيس المنظمة المصرية لحقوق الإنسان سابقا، والناشر المصري هشام قاسم، أكد أن تصرفات النظام لا شك تقلل من قيمة مصر بمثل هذه التصرفات.
وأكد أن “قصة تورط النظام المصري بصفقات أسلحة سواء من كوريا الشمالية وغيرها بالمخالفة للعقوبات الدولية وللقانون الدولي أمر قديم، كما أنها للأسف تتم لصالح رجال أعمال يكونوا هم الواجهة في تلك الصفقات، التي لا تدخل أرباحها الموازنة العامة”.
وأوضح أنهم “لا يشتغلون بشكل علني ولابد من غطاء، وهي الحالة الواضحة في رجل الأعمال حسين سالم، الذي استخدمه نظام حسني مبارك في صفقات الغاز مع إسرائيل، وكذلك صفقات السلاح”.
وقال إن قصة جلب شحنات بترول روسية إلى ميناء الحمرا ثم بيعها مرة أخرى، “هي في الحقيقة عدم فهم لوضع المجتمع الدولي والقوانين الدولية، وأن النظام يتعامل مع الغرب بطريقة الترجمان (مترجم للسائحين)”.
ويرى أن “هذه هي مشكلة تعامل النظام في مصر في معظم ملفاته، التي لا تتم إلا لحسابه ولحساب القائمين على الأمر وليس لحساب الاقتصاد المصري”، لافتا إلى أن تصرفات النظام تلك تأتي في وقت أزمة تأخر قرض صندوق النقد الدولي.
وأكد أن “الصندوق لا يريد لمصر أن تتعثر لدواعي أمن إقليمي ودولي، وخاصة في ظل وجود قناة السويس (12 بالمئة من تجارة العالم)، وبجوار نفط السعودية وليبيا، وكذلك إسرائيل، وقرب الاتحاد الأوروبي”.
وتابع: “لكن النظام في مصر يتعامل بمنطق (عيشني النهاردة وموتني بكرة)، ويرغب في تحقيق المكاسب المالية من أي صفقة كانت”، لافتا إلى أنهم حتى في أزمة جنوح السفينة “إيفر جيفن” 23 آذار/ مارس 2021، طلبوا مبالغ خيالية.
وأكد أنهم بهذه الطريقة “يتعاملوا بدون فهم لمنظومة التعاملات الدولية، وطريقة الابتزاز وغرف المال من أي اتجاه، ولا يهم شكل وسمعة مصر والنظام، ما أوصل العالم لرفض لقاء السيسي، الذي لم يشارك مؤخرا بجنازة الملكة إليزابيث، ولا الجمعية العامة للأمم المتحدة”.
ويرى أن ما يجري هو “لعب في الصراع الجاري بين بوتين والغرب”، متوقعا، أنه “بعد انتهاء الحرب الروسية الأوكرانية ولو انتصر الغرب سيفرض شروطه وستكون إدارة الغاز والبترول الروسي تحت مظلة دولية لسنوات بعد عقوبات قاسية ضدها”.
ويعتقد قاسم، أن الغرب “لن يفرض عقوبات على مصر بسبب هذه التصرفات، ولكنه سيتجاهل السيسي ومصالح مصر، مثل تأخير قرض صندوق النقد، وغيره”، ملمحا إلى أن “وضع السيسي لا يتحمل هذا الأمر”.
“محدودي الفهم”
ولفت إلى تلاعبه مع الغرب “حينما طالب أوروبا التوسط لدى صندوق النقد قبل شهور، ووعد بدعم القطاع الخاص، وتخفيف ملف حقوق الإنسان، وبيع شركتين للجيش هما (وطنية) و(صافي)، لكنه لم ينفذ وعوده”.
وقال إنه في هذا يقلد ما جرى في عهد حسني مبارك الذي اتفق مع واشنطن عام 2005 على إقامة منطقة تجارة حرة بمصر، ووعد نائب الرئيس الأمريكي ديك تشيني بعدم حبس الناشط أيمن نور، ثم حبسه”.
وأوضح أن الوفد المفاوض حينها قال له شخصيا إن هذه الاتفاقية وتحفيز لنظام مبارك ورشوة اقتصادية له لفتح الحريات”، مبينا أنهم “بعد حبس نور بـ3 أيام ألغوا المفاوضات، ما سبب لمصر خسائر فادحة اقتصاد وضياع استثمار بالملايين”.
وختم قاسم بالقول: “أغلبية التعاملات يجريها النظام بهذا المنطق، الذي ينم عن أنهم محدودي الفهم في التعاملات الدولية”.