العنف والجريمة:بين (دولة ؟!) مُنعت ودولة اُقيمت
توفيق محمد
اعتقلت الشرطة الاسرائيلية في لواء المركز صباح يوم الأحد 18\9\2022 ثلاثين مشتبها بالإتجار بالأسلحة والمخدرات ، وتسنى ذلك بعد أن جندت الشرطة عميلا سريا أسمته “شلفا” أي هدوء في أوساط عصابتي (البرون وطوليدانو) اليهوديتين اللتين تشهدان نزاعا بينهما للسيطرة على “السوق” في بلدات “هود هشارون” و”رعنانا” و كفر سابا وشهد الصراع بينهما إطلاق نار ، وإحراق ممتلكات ، وإلقاء قنابل ، ولكن لم يسفر ذلك عن إصابات صعبة ولا عمليات تصفية (قتل) حسبما ذكر موقع “واي نت” العبري ، وتم ضبط أنواع مختلفة من المخدرات وعشرات آلاف الشواقل. إلى هنا الخبر.
في المقابل فإن السوق السوداء والقروض الربوية والخاوة وترويج المخدرات والتعرض للأملاك العامة حرقا ، والتعرض للناس إصابة وقتلا هو سيد الموقف في مجتمعنا دون رادع من الشرطة ، وطبعا عندما يكون عدد قتلى العنف والجريمة في مجتمعنا في الداخل قد بلغ 79 جريمة حتى تاريخ 16\9\2022 فمن سيسأل عن بقية نتائج الجريمة والعنف التي ذكرت بعض مظاهرها أعلاه.
في الحقيقة لست بصدد المقارنة بين تصرف الشرطة مع عصابات الإجرام في المجتمع اليهودي ومع مثيلاتها في المجتمع العربي ، لأنه واضح لنا كيف تبادر الشرطة إلى الفعل هناك بهدف ليس الردع فقط وإنما بهدف القضاء على… وكيف أنها في مجتمعنا تتهم الضحية بانها لا تتعاون معها ، وتدرس إمكانية تكليف الشاباك بالمهمة ، وكل ذلك رغم أنه في العديد من الملفات التي جبت أرواح ضحايا كانت الضحايا قبل أن تصبح ضحايا قتل قد قدمت كل الأدلة والوثائق للشرطة لتحتمي بالقانون لكنها ببساطة قُتلت .
لست بصدد المقارنة بتاتا لأن المقارنة ذاتها تنفي الحقيقة التي نعلمها جميعا وهي أن الدولة ذاتها معنية بهذا الوضع ، والشرطة هي أداة من أدوات الدولة متى تلقت أمرا صادرا عن قرار فعلي وحقيقي لمتخذي القرار فلا يمكنها إلا أن تطبق هذا القرار ، وعندها ستختفي كل الذرائع التي نسمعها من الشرطة وستعمل بالطريقة التي تعرفها وتتقنها لتنفيذ الأمر كما تفعل في البلدات اليهودية.
مجتمعنا في الأصل مجتمع مسالم يريد العيش بأمن وأمان ، وهو ليس مجتمعا عنيفا وهو يشبه غيره من المجتمعات العربية القريبة منه ، ولدى مقارنة نسبة العنف والجريمة لدى شعبنا في الضفة الغربية وغزة نجد الفرق الشاسع والسبب بسيط جدا وواضح وهو وجود سلطة هناك تعمل على اجتثاث العنف والجريمة ومسبباتهما من المجتمع بينما في حالتنا توجد دولة تعمل على تغذيتهما وليس وقفهما ناهيك عن اجتثاثهما .
في 17\11\2015 حظرت الحكومة الإسرائيلية الحركة الإسلامية وحظرت معها ولاحقا ثلاثين مؤسسة وجمعية تعمل في خدمة وبناء المجتمع في كل المجالات ، وعندها صرح رئيس الحكومة الإسرائيلية في حينه بنيامين نتنياهو قائلا :”لن أسمح بدولة داخل الدولة” ولكن ما حصل بالفعل منئذ حتى الآن هو أن الدولة حظرت ومنعت ولاحقت من يخدم هذا المجتمع ، ذاك الذي كان يستفيد من خدماته قرابة نصف مليون إنسان في الداخل وتركت هؤلاء الناس مكشوفي الظهر ، واقامت في المقابل دولة من العنف والفساد والخاوة والقروض الربوية والإتجار بالأسلحة والقتل في أوساط مجتمعنا تعمل على هدم حصونه الداخلية وأركانه المجتمعية وعلى تفتيت نسيجه الاجتماعي وحصانته الأهلية ، وتعمل على اجتثاث الأمن والأمان والخير الذي فيه .
نعلم جميعنا أن المجتمع في غالبيته بل في سواده الأعظم الذي يجتاز نسبة 99% هو مجتمع مسالم وخير لكن كل الـ99% يعانون ويتألمون مما تسببه الـ 1% والدولة وأذرعها المختلفة تقوم بالتغاضي والتغافل ومد الحبل على الغارب للجريمة والعنف تضرب يمنة ويسرة دون رقيب ولا حسيب (وطبعا نسبة 1% من مجتمعنا تشكل 17 الف شخص أي جيش) .
عليه فإن واجب مجتمعنا كله الإنخراط التام في إفشاء قيم المحبة والتسامح والعفو وغيرها من الأخلاق الحميدة التي تربينا عليها عبر الإنخراط في مشروع إفشاء السلام الذي منذ انطلاقته المجددة في منتصف كانون ثانٍ الماضي قام وما يزال بالعشرات من المشاريع التي تغذي هذا المعنى ، وهذا يندرج ضمن ما نسميه المسؤولية الشخصية التي تُعنى بتقديم العلاج للأمراض المجتمعية التي تخصنا نحن كمجتمع.
لكن فيما يخص الجانب الآخر من الجريمة التي لا نملك السيطرة عليها ، نحن كمجتمع ، لأنها من اختصاص الدولة وليست من اختصاص الأفراد ولا المجتمعات ، فعلاجها بحاجة إلى قوة إنفاذ القانون ، وهذه لا تملكها إلا الدول ، لكن ، وفي حالتنا نحن ، فإننا نعيش في دولة يبدو أنها أكثر من غير مكترثة لما يعاني منه مجتمعنا ، بل ربما معنية بإشغالنا بأمننا المفقود ، وهو أول المتطلبات للمجتمعات البشرية ، ألم يقل الله تعالى في سورة قريس (فليعبدوا رب هذا البيت ، الذي أطعمهم من جوع وآمنهم من خوف) للتدليل على أن أهم حاجتين للإنسان هما الأمن الغذائي والأمن من الخوف ، ولكن إزاء واقع قامت من خلاله الدولة بحظر من كانوا يؤمنون للناس حاجاتهم تحت ذريعة “لن نسمح بدولة داخل الدولة” وأفسحت المجال لدولة من العنف تتسيد الموقف ، فإن من المفروض أن يقف أولئك مرة واحدة وقفة مراجعة جدية لينتزعوا من أعماق الأعماق ما ترسب هناك من انتماء لشعب وقوم ودين ووطن .