غياب الحسم السياسي في المؤسسة الإسرائيلية.. “مؤشر للدولة الفاشلة”
د. إبراهيم أبو جابر- نائب رئيس حزب الوفاء والإصلاح
يعاني المجتمع الإسرائيلي من آفاتٍ اجتماعيةٍ كثيرةٍ أثّرت/وتؤثّر على منظومته السياسية، وتدفع نحو غياب الحسم السياسي في انتخابات الكنيست، فالمجتمع الإسرائيلي مجتمعٌ غير متجانسٍ بل مكوّنٌ من جنسيّاتٍ مختلفةٍ تربو على 46 جنسيّةٍ، إضافةً إلى أنّه مجتمع مستوطنين ومهاجرين غرباء على هذه الأرض ومتصدّعٌ عرقيًا وقوميًا ودينيًا.
أدّت العوامل المذكورة أعلاه إلى انحرافاتٍ اجتماعيّةٍ ومجتمعيّةٍ عميقةٍ ممّا أوصل المؤسّسة الإسرائيلية إلى ما يمكن وصفه “أزمةٌ المشروع الصهيوني” تمثّلت فيما عرّفه بعض المحلّلين ب “التيه السياسي”، دلالةً على فشل الحسم في الانتخابات لأيٍ من الأحزاب الإسرائيليّة، بل وإجراء أربع جولاتٍ انتخابيّةٍ في أقل من أربع سنواتٍ والخامسة على الأبواب.
ساهمت عدّة قضايا داخليّةٍ في حالة التيه السياسي المذكورة أهمّها غياب الأيديولوجيا، أو ما سمّي ب “موت الأيديولوجيا” والتفرّغ للصراعات الشخصيّة على السلطة بعدما اطمأنّوا إلى نجاحهم في تهميش القضيّة الفلسطينيّة واختراقهم للصفّ العربيّ من خلال حالات التطبيع مع عديد من الدول العربيّة، ومن ناحيةٍ أخرى كثرة الانشقاقات الحزبيّة طمعًا في الوصول إلى مقاعد الكنيست بعدما تحوّلت برامج وأجندة هذه الأحزاب إلى خدماتيّةٍ أو قطاعيّة، ثمّ تفشّي ظاهرة الفساد السياسي والأخلاقي والمالي في الطبقة الحاكمة وقمّة الهرم السياسي.
أدّت القضايا أعلاه وغيرها إلى وصول المؤسّسة الإسرائيليّة إلى وضع يمكن وصفها من خلاله بـ “الدولة الفاشلة” أي الدولة المركزيّة غير القادرة على إدارة شؤون البلاد كما يجب نتيجة لعدم الاستقرار السياسي واختلال منظومة الحكم والصراع بين المؤسّسات الحكوميّة والفساد الإداري والمالي، ولعلّ لبنان والعراق والصومال واليمن وغيرها من الأمثلة الحيّة.
أظهرت نتائج استطلاعات الرأي الأخيرة إلى أنّ الأزمة السياسيّة الحاليّة مرشّحةٌ للاستمرار، وأنّ احتمال إجراء دورةٍ انتخابيّةٍ سادسةٍ للكنيست قائمٌ، ممّا يعني دخول البلاد إلى نفقٍ مظلمٍ قد يؤدي إلى صراعاتٍ حادّةٍ بين مختلف شرائح المجتمع غير المتجانس أصلًا، وانزلاق الأوضاع إلى حالةٍ تختلف عمّا هي عليه الآن الأشبه بـ “الحرب الأهليّة الباردة”.
يظهر أنّ المؤسّسة الإسرائيليّة أمام عدّة خياراتٍ أو سيناريوهاتٍ أهمّها:
الأول: استمرار حالة عدم الاستقرار السياسي (التيه السياسي) لفترة انتخاباتٍ سادسةٍ فقط، أي مع اعتزال بنيامين نتنياهو الحياة السياسيّة.
الثاني: مواصلة المناكَفات السياسيّة وما يُسمّى بالحرب الأهليّة الباردة.
الثالث: استمرار حالة الانشقاقات والانقسامات الحزبيّة ودخول البلاد فيما هو أشبه بـ “الدولة الفاشلة”.
الرابع: تدخّل الجيش في الشأن السياسي وتغيير نظام الحكم من برلماني إلى رئاسي.
الخامس: تعافي البلاد من الأزمة السياسيّة المتلازمة لها والعودة إلى حالة الاستقرار (وربما رفع نسبة الحسم لأكثر من 3.25%).
وأخيرًا، يتضح ممّا سلف أنّ المؤسّسة الإسرائيليّة ثمرة المشروع الصهيوني، تعيش المرحلة الثالثة من عمرها، والإسرائيليون يتخوّفون من “لعنة الثمانين” على إعلان مؤسّستهم، وهي مرحلة الصراع على السلطة ممّا يعيق استقرار الأوضاع السياسيّة، ويدفع نحو تعميق الأزمة الحكوميّة، إلا أنّ قبول الأحزاب العربيّة وعلى رأسها القائمة العربيّة الموحّدة المشاركة في الائتلاف الحكومي، بغض النظر عمّا يحمل من رؤى سياسيّة يعدّ قارب نجاةٍ للأحزاب الصهيونيّة نحو تشكيل حكومة إسرائيليّة، حتّى ولو لفترةٍ محدودةٍ، وهذا ما كان وقد يكون بعد انتخابات الأول من نوفمبر/تشرين ثاني القادم.