عدنا للمدارس
أ. يوسف كيال
تكتسب المدرسة أهمية ومكانة خاصة عند كل شعوب العالم لما تجسّده من معانٍ ومفاهيم ولدورها المؤثر في حياة الفرد منذ لحظة التحاقِهِ بها وحتى تخرجه، لينعكس هذا التأثير بالتالي على خصائص المجتمع الذي ينتمي إليه هذا الفرد، بكافة المجالات. ففي المدرسة يكتسب الفرد المعرفة، وتتراكم ثقافته، وتتطور شخصيته، ويكتسب مهارات مختلفة تؤهله للتواصل بصورة سليمة مع محيطه، ويطوّر تفكيره ويتعلم تحمّل المسؤولية وصنع القرار، بما في ذلك تحديد مهنة المستقبل ودوره في المجتمع.
والمدرسة محضن تربوي يُنَمّي في الطالب أخلاقيات طيبة وسلوكيات إيجابية في حسن التعامل مع محيطه الصغير والكبير.
وفي الحالة الطبيعية، يتداخل في المسيرة التربوية والتعليمية بانسجام كامل كل من الأسرة، الإدارة والمعلم والمؤسسة الرسمية، فينتج خريجًا ” منتميًا” بانسجام ومثالية للأسرة، المجتمع والوطن ويحمل قِيَم هذه الأُطُر ويؤدي دوره بصورة إيجابية مع هذه الأطر.
أما عندنا، فإن الامر مختلف تمامًا، ويحمل تناقضات كثيرة، تشوّه سيرورة المسيرة التربوية، وتعيق تحقيق ما هو مأمول من الطالب والمعلم والمجتمع بالعموم.
فالقيم التي يحملها الطالب سواءً كانت اجتماعية، سياسية، وطنية، دينية، وحتى انسانية وحقوقية، تصطدم بمحاولة تشويه وتزييف حتى محاولة طمس لما يتعرض له الطالب، أو بالأرجح وجب عليه ان يتعرض له، عندما يدخل الصف، بمعلومات وقيم ومضامين يكون عبؤها عليه أكبر من قدرته على تحملها لوحده. والكارثة تكمن في دور المعلم الذي يُفرض عليه دون مراعاة لمشاعره وتفكيره، ثقافته وانتمائه أن يشارك في عملية التشويه هذه. فعلى سبيل المثال لا الحصر، يفرض على المعلم أن يُدَرِّس الطالب عن شرعية الهجرات اليهودية، والهولوكوست ، وأن هذه الدولة لليهود فقط، دون التطرق الى نكبة شعبه، والقرى المهجرة ولا رموز شعبه وأمته من الأدباء والمفكرين والقادة المبدعين الصادقين الذي ضحوا من أجل أوطانهم، والأمثلة أكثر من أن تُحصر.
ومن هنا، فإن عملية تخريج طالب فلسطيني ذي قيم اجتماعية نقية وراقية، وذي انتماء وطني اصيل، وفرد واثق من نفسه، محصن ثقافيًا ودينيًا ووطنيًا ، ومؤهل للتعامل بتصميم مع تحديات الحياة بكافة جوانبها، هي عملية صعبة ومعقّدة وتحمل تحديات كثيرة، وتتطلب جهودًا جبّارة يشترك فيها الأهل والمعلّم والمدير ومجموعات اجتماعية وسياسية واسعة ومختصون في المجال التربوي تجتمع قاطبة لتيسير سيرورة جهود صناعة الخريج الذي نتوق لرؤيته في مجتمعنا.
لكن مع الأسف إذا دخل الطالب إلى هذا الصرح سيتعرض بالعموم إلى مناهج وبرامج تهدف إلى تخريجه مشوهًا تربويًا ووطنيًا، ما يستوجب عليه وعلى الخيّرين الصادقين من إدارة ومعلمين ولجان آباء وسلطات محلية ومؤسسات وطنية أن يدركوا ذلك ليأخذوا دورهم في التصدي لهذا المخطط، مع تَنَبُّه الأهل أولًا وآخرًا لمسألة تحصين أولادهم.
عندها ستقر عيوننا ونعلم أنّ طلابنا ومستقبل مجتمعنا في مأمن، وإلا فسنندم ونخسر كثيرًا، لا قدَّر الله.