مقاطعة الانتخابات التشريعية المقبلة في تونس.. عزلة إضافية لقيس سعيّد
تتجه أهم الأحزاب والمكونات السياسية في تونس إلى مقاطعة الانتخابات التشريعية المقبلة في 17 ديسمبر/كانون الأول، كما قاطعت الاستفتاء.
وكانت “جبهة الخلاص الوطني” المعارضة أعلنت، الأربعاء، رسمياً، مقاطعتها الانتخابات، فيما تتوجه بقية المكونات المعارضة للرئيس قيس سعيّد لإعلان القرار نفسه.
وقال رئيس الجبهة أحمد نجيب الشابي، في المؤتمر الصحافي الأربعاء، إن الجبهة قررت عدم المشاركة في الانتخابات التشريعية المقبلة ومقاطعة المسار الانقلابي، مبيناً أن “أياماً قليلة تفصلنا عن التاريخ النهائي لإعلان القانون الانتخابي، والذي يفترض أن يكون جاهزاً قبل 3 أشهر من موعد الانتخابات، ومع ذلك، ينفرد سعيّد بصياغته ولم يصدر بعد هذا القانون، ويواصل شخص واحد التحكم في مصير دولة”.
وبيّن أن “السلطة ماضية في سياسة الهروب إلى الأمام، وهي تحاول شرعنة الانقلاب، وتصدر المراسيم تلو الأخرى لمحاولة السيطرة على الوضع”، مؤكداً أن “المشاركة في الانتخابات التشريعية تعني القبول بالانقلاب وهو ما نرفضه”.
واعتبرت “جبهة الخلاص” في بيان لها، الخميس، أنّ “إصرار رئيس الدولة على التفرّد بالقرار والاستئثار بجميع السّلطات، وعدم اهتمامه بمشاغل مواطنيه ومعاناتهم، يحمّلانه المسؤوليّة الشّخصيّة عن التّبعات الكارثيّة لانسداد الأفق السّياسي في البلاد والتردّي المتواصل للأوضاع الاقتصاديّة والاجتماعيّة”.
من جهتها، قالت رئيسة “الحزب الدستوري الحر” عبير موسي، خلال ندوة صحافية عقدتها الأربعاء بالعاصمة، إنه “إذا صحّ ما جرى تداوله حول تعديل القانون الانتخابي خلال هذه الفترة، أي قبل عشرة أيام فقط على دعوة الناخبين إلى الانتخابات التشريعية في ديسمبر/كانون الأول المقبل، فإن حزبها لن يشارك في هذه الانتخابات المخالفة للمعايير الدولية”، حسب تعبيرها.
واعتبرت موسي، في تصريحات نقلتها وكالة الأنباء التونسية، أن “إصدار قانون انتخابي خلال هذه الفترة مخالف للمعايير الدولية ولمدونة حسن السلوك الانتخابي التي أعدتها لجنة البندقية بطلب من الجمعية البرلمانية التابعة لمجلس أوروبا الذي تجمعه بتونس اتفاقيات وبرامج لدعم الديمقراطية، وحقوق الإنسان، وضمان سيادة وعلوية القانون”.
وأضافت أنه “في صورة تنظيم الانتخابات التشريعية، فإنها ستكون عملية تحايل جديدة، تتم من خلالها تزكية اسمية لبرلمان لن يكون مجلساً لنواب شعب، بل سيكون على شاكلة مجلس شورى لدولة الخلافة” وفق تعبيرها، داعية، في هذا الصدد، مختلف مكونات الشعب التونسي إلى “عدم التفريط في مواطنته وجميع حقوقه”، متهمة رئيس الجمهورية بـ”التحيل والتغول، ووضع قانون انتخابي يمكّنه من السيطرة على البرلمان الذي سيكون بمثابة مجلس معين”، على حدّ قولها.
كما حذرت من أن ينص القانون الانتخابي الجديد على “إقصاء الحزب الدستوري الحر وقياداته”، مؤكدة أن حزبها لن يقف صامتاً في هذه الحال، وسيتوجه إلى المجتمع الدولي لإعلامه بما يحدث في تونس من خرق للقوانين، وسيعلن لاحقاً عن الطرق النضالية التي سيمضي فيها. واعتبرت أن رئيس الدولة “على قناعة بأنه إذا شارك في انتخابات ديمقراطية نزيهة، فإنه لن يفوز بثقة التونسيين مجدداً”.
وفي سياق متعلّق، يُنتظر أن تعلن مكونات الحملة الوطنية لإسقاط الاستفتاء (أحزاب الجمهوري، والتكتل، والعمّال، والتيار الديمقراطي، والقطب) الموقف نفسه من الانتخابات قريباً.
وستقود هذه القرارات بالضرورة إلى سحب الشرعية السياسية عن هذه الانتخابات، التي ستجرى من دون أهم الأحزاب في البلاد.
ويوضح رئيس حزب العمل والإنجاز وعضو تنفيذية جبهة الخلاص عبد اللطيف المكي، في تصريح لـ”العربي الجديد”، أن “هذه الانتخابات هي حلقة من حلقات قيس سعيّد لشرعنة الانقلاب، وهي انتخابات لتكوين برلمان بغرفتين، تذكرنا بحيلة من حيل (الرئيس السابق زين العابدين) بن علي، فهو برلمان من دون صلاحيات، وحتى إن وجدت، فهي مستحيلة التطبيق”، مضيفاً أن “المشاركة فيها هي مشاركة في جريمة الانقلاب ومغالطة الرأي العام”.
وأوضح المكي أنه “جرت مباحثات وتبادل للآراء بين مكونات جبهة الخلاص حول عدم المشاركة، والمسألة مبدئية وليست في التفاصيل، لأنه لا يمكن شرعنة المسار الانقلابي”، مشيراً إلى أن “المقاطعة الواسعة من كل المكونات تجعل البرلمان المقبل فاقداً للشرعية، إذ سيكون برلماناً لتزكية قرارات سعيّد تعود بنا لبرلمانات بن علي و(الرئيس السابق الحبيب) بورقيبة وبرلمانات الديكتاتوريات”.
ورداً على سؤال حول احتمال أن يؤدي قرار المقاطعة إلى مزيد من العزلة الخارجية لسعيّد، خصوصاً أن جهات عدة دعته لأن تكون هذه الانتخابات بمشاركة واسعة من الطيف السياسي؛ قال المكي إن “الأطراف الدولية التي تساعد قيس سعيّد وانقلابه على الدستور وتساند حلّه لهيئة الانتخابات، تناقض نفسها عندما تطالب بانتخابات برلمانية تشارك فيها الأحزاب، فهذه عملية تمويه على مساندتها انقلاب سعيّد الذي يحظى بتأييد دولي ما، وكأنه كُتب على العرب ألا تنمو فيهم ديمقراطية، ولذلك فهي دعوات متناقضة والمهم هو موقف الشعب التونسي”.
وأكد أن “الشعب سيحاسب سعيّد سياسياً وأخلاقياً من خلال المسار الذي اختاره، وهو لا يملك رؤية في إدارة الدولة، ولا يعرف الدولة، ولا يمكنه لمّ الشمل لأنه رجل أتى من الستينيات، من زمن الزعماء العسكريين العرب وما شابهه من ديكتاتوريين”.
من مقاومة الانقلاب إلى معارضة الحكم؟
من جهته، قال المحلل السياسي قاسم الغربي، إن “مقاطعة الانتخابات أهم بالتأكيد، وأكثر تأثيراً من مقاطعة الاستفتاء، لأنها ستشمل حلقة متقدمة من حلقات بناء مؤسسات الدولة من طرف الرئيس”، مؤكداً أن “صوت المعارضة بعد الاستفتاء أصبح خافتاً، وهي تتدارك اليوم بسبب أهمية هذه المحطة السياسية والتاريخية”.
وأوضح الغربي أن “هناك شعورا بأن سعيّد سيبدأ، بعد الانتخابات التشريعية، في تركيز المؤسسات، وفرص المعارضة ستصبح أقل وأضعف بكثير”، مشيراً إلى أن “دعوات المقاطعة الآن تأتي تحسباً لتلك اللحظة، لأن المعركة في شكلها السياسي الحالي ستنتهي”.
وبيّن أن “المعركة قد تنتقل من مقاومة الانقلاب إلى معارضة الدولة والحكومة ومؤسساتها، ولن تعود بعد الانتخابات التشريعية مسألة مقاومة انقلاب، بقدر ما ستكون معارضة لحكم”، موضحاً أن “انتخابات تشريعية من دون أحزاب تعني أن سعيّد ماضٍ في مشروعه في تهميش دور الأحزاب وجمعيات المجتمع المدني، وتركيز مؤسسات لا تمثيل حقيقياً لها وللتنوع الموجود في البلاد”.
وأشار إلى أن “البرلمان لن يكون مصدراً للتشريع، بل سيكون مصدراً للمصادقة على تشريعات الرئيس، وهذا سيعمّق عزلته الداخلية، أما عن العزلة الخارجية، فتبقى رهينة بمدى استجابته وتفاعله مع تصور الخارج لإصلاح المنظومة الاقتصادية لا غير”.