أخبار رئيسيةتقارير ومقابلاتعرب ودوليومضات

“قانون الطفل”.. هل يضع نواب الأردن بمواجهة مع قواعدهم الشعبية؟

ـ أثار مشروع قانون الطفل جدلاً واسعًا في المملكة، بين مؤيدين اعتبروه حمايةً للأطفال من الانتهاكات ضدّهم، ومعارضين رأوا فيه تطبيقًا لقيم الغرب التي تتعارض مع تعاليم الشريعة الإسلامية
– حسين محادين، أستاذ علم الاجتماع والجريمة في جامعة مؤتة (حكومية): الرأي العام يتوجّس غالبًا من أيّ صيغة قانونية يمكن أن تنزع من أصحاب السلطات المختلفة بعض الأدوار.
– النائب صالح العرموطي: إعطاء الطفل الحرية الكاملة قد يدفع به إلى ممارسات لا نستطيع من خلالها حمايته ومراقبته.
– الخبير في الشؤون البرلمانية، هايل الدعجة: هناك احتمالية ضغوطات خارجية على الأردن من جانب مؤسسات التمويل الأجنبي لتمرير القانون، مستغلةً حاجة الحكومات إلى الأموال والقروض والمساعدات.

في 20 يوليو/تموز الماضي، شرع مجلس النواب الأردني (الغرفة الأولى للبرلمان) بمناقشة مجموعة من مشاريع القوانين، كانت مدرجة على جدول أعمال الدورة الاستثنائية التي انطلقت في اليوم ذاته.

تتعلق مشاريع القوانين بتنظيم البيئة الاستثمارية والمنافسة والشركات، والمركز الوطني لحقوق الإنسان، والمجلس الطبي، وأصول المحاكمات الجزائية، وحقوق الطفل، وخدمة ضباط الجيش، وخدمة العلم، والمحكمة الدستورية، والضريبة العامّة، وقانون العمل.

جلسات البرلمان لم تخل من حدّة في النقاشات، لكن مشروع قانون الطفل المنتظر، أثار جدلاً واسعًا في المملكة، بين مؤيدين اعتبروه حمايةً للأطفال من الانتهاكات ضدّهم، ومعارضين رأوا فيه تطبيقًا لقيم الغرب التي تتعارض مع تعاليم الشريعة الإسلامية.

يتألف مشروع قانون الطفل من 33 مادة، وركزت محاوره على الحقوق الشخصية للأطفال والصحة والتعليم والمعيشة والسلامة المرورية والحماية من العنف والإعاقة، وغيرها من الجوانب الأخرى.

وجرى تحويل المشروع إلى لجنتي القانون والمرأة وشؤون الأسرة، مع توصيات من بعض النواب بالتأنّي في مناقشة مشروع القانون، لضمان عدم مخالفته للقيم والثوابت المستندة إلى الشريعة الإسلامية.

وقبل أن يتحوّل إلى قانونٍ ساري المفعول، يحتاج مشروع القانون إلى المرور بمراحل دستورية، تتمثل بصياغته من قبل الحكومة، وتحويله إلى مجلس النواب، ثم إلى مجلس الأعيان (الغرفة الثانية للبرلمان)، ليُرفعَ بعدها إلى العاهل الأردني الملك عبد الله الثاني للمصادقة عليه، وصولًا إلى إعلان إقراره بالجريدة الرسمية.

وعلى الرغم من كلّ تلك المراحل، إلا أن الشعب ينتظر من ممثليه بالبرلمان أن يكون لهم دور تشريعي مناسب إزاء إقرار هذا القانون، بصورة يحفظون من خلالها واجبًا أسريًّا، دون تعدٍّ على العادات والتقاليد والمُثل العليا في تنشئةٍ تربوية صحيحة.

توجّس الرأي العام

حسين محادين، أستاذ علم الاجتماع والجريمة في جامعة مؤتة (حكومية)، بيّن، أن “الرأي العام يتوجّس غالبًا من أيّ صيغة قانونية يمكن أن تنزع من أصحاب السلطات المختلفة بعض الأدوار والحضور الضاغط على الشريحة التي قد يشملها هذا القانون أو ذاك، بما في ذلك الأطفال”.

واستدرك أن “وسائل الإعلام تقوم بتعبئة الرأي العام بالثقافة السمعيّة غالبًا، وبصورةٍ أقوى من الإعلام الرسمي الذي يُفترض أن يهيّئ الشارع قبل الشروع بتشريع قانون ما”.

وأردف “لكن الواقع يشير إلى أن سرعة طرح مثل هذا القانون، إنما تؤجج الرأي العام وتجعله أسيرًا لانطباعات قبَلية قائمة على التشكّك، دون الاهتمام الواجب بقراءة مثل هذه المشاريع ومناقشتها كجزءٍ من المنظومة العالمية، التي أصبحت تؤثر على طبيعة التشريع في الدول، إلى حدٍّ وصل فيه الأمر أن الاتفاقيات الدولية المصادق عليها تتقدم عند التنفيذ ببنودها على القانون الوطني”.

وتابع “هذا الواقع جزءٌ من تأثيرات دول المركز الغربيّ المُعَولم على الدول النامية، مع التذكير بأن الشريعة الدولية كانت تضع دائمًا شريحة المرأة والطفل تحت تصنيف أنهما الأضعف في البناء الاجتماعي والتشريعي للدول النامية”.

وأشار قائلاً إن “غياب الدور التنويري للحكومة ومجلس النواب الذي يجب أن يسبق الشروع ببدء مناقشة هذا القانون، يمنح ضمنًا فرصةً للرأي المضاد، سواء كان حزبًا أو جماعات ضغط، وبالتالي نجد مثل هذه الضبابية تكتنف مثل هذا القانون ومصاحباته التشريعية بالمجمل”.

قانون مُقلق

من جانبه، وصف عضو مجلس النواب صالح العرموطي، مشروع القانون بـ”المقلق، خاصة أنه تم إيراده في دورة استثنائية، وهو يحتاج إلى جهد وتأنّ”.

وأردف “لدينا قانون اتفاقية حقوق الطفل عام 2006، وهو يحتوي على بعض نصوص مشروع قانون الطفل المطروح حاليًا، وأعتقد أن إقرار الأخير يُمهّد للعبث بقانون الأحوال الشخصية، ويتعارض مع ما هو منصوص عليه بقوانين الأمم المتحدة، وتحديدًا فيما يتعلق بدور الوالدين”.

وزاد “إعطاء الطفل الحرية الكاملة قد يدفع به إلى ممارسات لا نستطيع من خلالها حمايته ومراقبته”.

وأكد العرموطي، وهو نقيب المحامين الأردنيين الأسبق، “لسنا ضد الحقوق الأساسية للطفل من تعليم وصحة ورعاية، ونحن ندعمها، وهي منصوص عليها في شرعنا ودستورنا وقانون الأحوال الشخصية”.

واستشهد ببعض النصوص الواردة في مشروع القانون الجديد، معتبرًا أن القول بأن “الطفل يُنسب لوالديه، المقصود به شرعنة الطفل غير الشرعي، ومنح حق الوصاية لجهات حكومية وخاصة، فربما تكون الجهة الخاصة مؤسسة مدعومة ومموّلة خارجيًا”.

وذكر العرموطي البند الرابع من المادة السادسة في الدستور الأردني، التي تنصّ على أن “الأسرة أساس المجتمع، قوامها الدين والأخلاق وحب الوطن، يحفظ القانون كيانها الشرعي ويقوّي أواصرها وقيمها”.

واستطرد في السياق ذاته “الدستور أسمى من القوانين، ولذلك لا يجوز أن يأتي القانون مُخالفًا لنصوصه، ولدينا ما يكفي من التشريع”.

ومضى قائلًا: “هناك جهات (لم يسمّها) تسعى لإفساد الأسرة، لذلك يريدون إباحة الإجهاض”.

وعن إمكانية انتهاء اللجان المختصة التي تم تحويل المشروع إليها، من مراجعته، قال العرموطي: “هي بالفعل انتهت، وسيتم التعديل عليه، على الأقل بما لا يتعارض مع الشريعة الإسلامية والقوانين الناظمة، وأنا من الدّاعين لإرجائه لدورة عادية”.

وتكون اجتماعات مجلس النواب الأردني على 3 دورات، هي الدورة العادية تُعقد مرة واحدة سنويًا، ومدّتها 4 أشهر تبدأ أول أكتوبر/تشرين الأول.

والدورة الاستثنائية، وتعقد بناءً على دعوة من الملك أو بطلب من الغالبية المطلقة لمجلس النواب عند الضرورة، ولمدة غير محددة لكل دورة، من أجل إقرار أمور معينة تشمل مناقشة قوانين وأية قضايا مهمة أخرى.

أما الدورة غير العادية، فتعقد في حالة حلّ مجلس النواب، إذ يجب إجراء انتخاب عامّ بحيث يجتمع المجلس الجديد في دورة غير عادية بعد تاريخ الحل بـ4 أشهر على الأكثر.

النواب تحت الضغوطات

الخبير في الشؤون البرلمانية، هايل ودعان الدعجة، استهلّ حديثه للأناضول بالقول: “الأردن ليس بحاجة إلى قانون يتعلق بحقوق الطفل، عدا عن أنه ليس أولوية ليُزجّ به إلى الدورة الاستثنائية”.

وأضاف “هناك قضايا وملفات محلية أهمّ بكثير تتطلب من الحكومة وضعها على سلم أولوياتها، وتحديدًا الملف الاقتصادي والمعيشي، في ظل ما تعاني منه البلاد من فقر وبطالة ومديونية وغلاء أسعار وأوضاع معيشية صعبة، وبشكل غير مسبوق”.

وتابع الدعجة “هناك شعور عام بوجود استهداف في الآونة الأخيرة للمنظومة القيمية والأخلاقية والدينية والعادات والتقاليد الأردنية وحتى الأسرة، وهو ما يعكسه قانون الطفل (الجديد)”.

ورأى أن “هذا من شأنه أن يضعنا أمام احتمالية أن تكون هناك ضغوطات خارجية على الأردن بواسطة مؤسسات التمويل الأجنبي تدفع بهذا الاتجاه، مستغلة حاجة الحكومات إلى الأموال والقروض والمساعدات”.

وفي السياق ذاته، أوضح أن ذلك “سيضع مجلس النواب تحت تأثير الضغوطات الحكومية والرسمية؛ لتمرير هكذا توجهات وتشريعات تلقى معارضة شديدة في الشارع الأردني الذي يتابع كيف يتعاطى النواب معها، بعد أن عبّر عن معارضته هذه في الكثير من وسائل الإعلام، وتحديدًا مواقع التواصل الاجتماعي”.

ودلّل الدعجة على تأثر النواب بما أسماه “الضغوطات” من خلال مواقف “متشددة” من بعضهم تجاه القانون، مُعتبرًا أنها تُشير إلى “مُطالبتهم بإجراء بعض التعديلات الخلافية، لإخراج المجلس من حالة الحرج التي يشعر بها”.

وفي تأكيد على مسألة الضغوطات التي يتعرض لها المجلس لتمرير القانون، برهن الدعجة كلامه بالقول: “بعض وسائل الإعلام (لم يذكرها) نقلت على لسان رئيس المجلس (عبد الكريم الدغمي) بأن هناك توجيهات عليا تدعم إقرار هذا القانون، وهذه إشارة لتعرّض مجلس النواب لضغوطات رسمية”.

وذكر بأن “مجلس النواب عاش الضغوطات الحكومية والرسمية في أكثر من مناسبة، بصورة انعكست سلبًا على أدائه وجعلته يفقد ثقة القواعد الشعبية”.

وختم بالقول إن المجلس “قد يكون أمام فرصة قد يوفّرها له قانون حقوق الطفل، لاستعادة ولو جزء قليل من هذه الثقة، بحيث تتحوّل الأمور من مواجهة شعبية إلى مصالحة”.

 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى