هل تستعمل روسيا المهاجرين بشرق ليبيا سلاحا ضد إيطاليا؟
ـ لجنة برلمانية إيطالية تؤكد أن ازدياد المهاجرين القادمين من شرق ليبيا نحو سواحل بلادها له علاقة بسعي روسيا للتأثير في الانتخابات
ـ من المرجح أن تكون موسكو لعبت دورا في إسقاط حكومة دراغي التي قلصت اعتماد إيطاليا على الغاز الروسي من 40 إلى 25 بالمئة
ـ استطلاعات الرأي تميل لفوز اليمين المتطرف بالحكومة الإيطالية ما يخدم استراتيجية روسيا لكسر الدعم الأوروبي لأوكرانيا ورفع العقوبات عنها
تحوّلت الاتهامات الإيطالية لروسيا باستخدام المهاجرين غير النظاميين شرقي ليبيا كسلاح انتخابي ضدها، من جدل سياسي إلى تأكيد برلماني رغم نفي موسكو.
فالانتخابات البرلمانية في إيطاليا المقررة في 25 سبتمبر/أيلول المقبل، ستكون حاسمة في تحديد طبيعة العلاقة مع روسيا التي من مصلحتها فوز الأحزاب اليمينية لكسر العقوبات الأوروبية المفروضة على موسكو.
يؤكد تقرير اللجنة البرلمانية لأمن إيطاليا (كوباسير) بوجود علاقة بين ازدياد عدد المهاجرين الذين يغادرون إقليم برقة شرقي ليبيا، وبين استراتيجية الكرملين الشاملة للضغط على دول الاتحاد الأوروبي لاسيما التي تمر بمرحلة انتخابات.
ويخضع الإقليم الليبي المذكور لسيطرة قوات اللواء المتقاعد خليفة حفتر، وتنتشر فيه بنفس الوقت مرتزقة شركة “فاغنر” الروسية.
ويدعم التقرير البرلماني حديث صحيفة “لا ريبوبليكا” الإيطالية، عن دور محتمل لفاغنر في زيادة تدفقات المهاجرين المنطلقين من ليبيا، خاصة من سواحلها الشرقية التي لم تكن في السابق نقطة انطلاق نحو إيطاليا بسبب البعد الجغرافي.
إذ أن السواحل الليبية الغربية، خاصة الممتدة من بلدة زليتن شرقا إلى بلدة زوارة في أقصى الغرب، مرورا بمدن القرة بوللي والزاوية وصبراتة، شهدت أكثر عمليات الهجرة غير النظامية نحو السواحل الجنوبية لإيطاليا.
بينما لا تشتهر سواحل الشرق الليبي كطريق للهجرة نحو أوروبا رغم قربها من السواحل الجنوبية لليونان، وإن كانت السواحل الإيطالية أبعد، لذلك يفضل المهاجرون السفر برا أو حتى جوا إن أمكنهم ذلك نحو الغرب الليبي، ومن هناك يمتطون قوارب الموت نحو إيطاليا.
ومن المستغرب أن ينتقل المهاجرون غير النظاميين من شرقي ليبيا مباشرة نحو السواحل الإيطالية رغم بُعد المسافة ووجود طريق أقرب.
هذه التساؤلات تدفع الأجهزة الأمنية الإيطالية، بحسب الإعلام المحلي واللجنة البرلمانية، إلى الاعتقاد أن لشركة فاغنر علاقة بارتفاع المهاجرين من شرق ليبيا بالتزامن مع استعداد البلاد للتوجه لانتخابات مسبقة.
نفي حكومي وتأكيد برلماني
تنفي الحكومة الإيطالية وجود علاقة بين فتح صنبور المهاجرين شرقي ليبيا نحو السواحل الجنوبية للبلاد وبين فاغنر وسعيها للتأثير على الانتخابات.
ووفق وكيل وزارة الداخلية الإيطالية نيكولا مولتيني، فإنه “منذ بداية العام حتى 29 يوليو/ تموز الماضي وصل 21 ألفا و507 مهاجرين من ليبيا إلى إيطاليا”، وذكر أن “أقل من 4 آلاف منهم جاء عبر سواحل برقة (شرق) بينما انطلق الآخرون من إقليم طرابلس (غرب)”.
لكن هذه المقارنة لا تصح، لأن الأمر يتعلق بزيادة أعداد المهاجرين من شرقي ليبيا منذ بداية العام مقارنة بتاريخ 29 يوليو.
وإذ علمنا أن مولتيني قياديٌّ في حزب الرابطة الإيطالي اليميني المتطرف الذي يتزعمه رئيس الوزراء الأسبق ماتيو مالديني، يتضح أن تصريحه سياسي ولا يمثّل حكومة ماريو دراغي المكلفة بتصريف الأعمال.
والواضح أن تدفق المهاجرين على إيطاليا بكثافة يصب في مصلحة الأحزاب اليمينية وعلى رأسها حزب الرابطة المعادي للأجانب، ما قد يمكّنه من حصد المزيد من الأصوات والمقاعد والعودة مجددا لرئاسة الحكومة.
بينما أثبت التحقيق الذي أجرته اللجنة البرلمانية عبر جلسات الاستماع مع أجهزة الاستخبارات الداخلية والخارجية، أن المزيد من المهاجرين يغادرون أكثر من برقة.
وتوصّلت اللجنة في تقريرها الذي سلمته للنواب وأعضاء مجلس الشيوخ إلى استنتاج مفاده أن “ضغط الهجرة، أحد وسائل الحرب المختلطة لروسيا في محاولة لخلق استراتيجية حقيقية للفوضى”.
و”الحرب المختلطة” التي يتحدث عنها التقرير إشارة إلى اتهام أوروبا لروسيا باستخدام “حصار” موانئ تصدير الحبوب الأوكرانية وتقليص إمدادات الغاز ثم استعمال ورقة المهاجرين لإحداث فوضى في الدول الأوروبية خاصة تلك المقبلة على انتخابات مصيرية على غرار إيطاليا.
رهان الأحزاب اليمينية
تراهن موسكو على فوز الأحزاب اليمينية في الانتخابات البرلمانية المقبلة وحصول الحزب الجمهوري على الأغلبية في انتخابات التجديد النصفي للكونغرس الأمريكي، لخلخة الموقف الأوروبي والأمريكي من الحرب الروسية في أوكرانيا للوصول إلى غرض كسر العقوبات الغربية عليها.
هذه الرؤية يتبناها ديمتري سوسلوف، مدير مركز الدراسات الأوروبية والدولية في مدرسة موسكو العليا للاقتصاد، حيث يرجح “تغير موقف الغرب الجماعي في أوائل العام المقبل، فيما يتعلق بالدعم العسكري لأوكرانيا والعقوبات على روسيا”.
وليست هذه المرة الأولى التي يتهم فيها الغرب روسيا بالتدخل في العملية الانتخابية، إذ سبق أن اتهمت جهات أمنية وسياسية أمريكية، موسكو بالتأثير في الانتخابات الرئاسية لعام 2016، والتي فاز بها الجمهوري دونالد ترامب، أمام الديمقراطية هيلاري كلينتون.
لذلك حرص تقرير اللجنة البرلمانية على التأكيد من أنه ينبغي تقييم “استراتيجية روسيا للفوضى” بجدية شديدة محذرا من أن “إيطاليا تخاطر بأن تكون ضحية محتملة”.
إذ أن هذه التقارير تتقاطع مع اتهامات أخرى لروسيا بلعب دور في إسقاط حكومة دراغي بعدما سربت وسائل إعلام محلية عن عقد سالفيني زعيم حزب الرابطة لقاءات مع مسؤول دبلوماسي روسي كبير (لم تذكره) في روما خلال الأيام التي سبقت سقوط الحكومة الإيطالية.
كما كشفت عن إجراء رئيس الوزراء الأسبق سيلفيو برلوسكوني اتصالا مطولا مع السفير الروسي “عشيّة التحوّل المفاجئ في موقفه، بعد أن كان أعلن تأييده الكامل لبقاء دراغي، في رئاسة الحكومة حتى نهاية الولاية التشريعية”.
قلق أوروبي
هذا الوضع يثير قلق الأوروبيين من قدرة روسيا على الإطاحة بحكومة ثالث أكبر اقتصاد في الاتحاد الأوروبي، حيث كان دراغي من الصقور الذين تحمسوا لفرض عقوبات على روسيا وشجعوا عليها.
وتمكن دراغي في فترة وجيزة من تقليص اعتماد بلاده على الغاز الروسي من 40 إلى 25 بالمئة في ظرف أشهر قليلة، بفضل اتفاقه مع الجزائر على زيادة إمداداتها من الغاز ومباحثاته مع دول أخرى مثل قطر وأنغولا والكونغو وموزمبيق.
دفعت هذه التطورات وزير الخارجية الإيطالي لويجي دي مايو للقول إن الذين أسقطوا الحكومة “قدّموا رأس دراغي على طبق من فضّة للرئيس الروسي فلاديمير بوتين”.
وفي يوم سقوط حكومة دراغي قال الناطق باسم المفوضية الأوروبية إن “ثمّة معلومات مخابراتية تؤكد قيام روسيا بمحاولات لزعزعة الاستقرار في دول الاتحاد عن طريق التأثير في السياسات الداخلية للدول الأعضاء”.
ففي 21 يوليو الماضي، قدم دراغي استقالة حكومته بعد فقدانه الأغلبية في البرلمان، وقرر الرئيس سرجيو ماتاريلا حل البرلمان والدعوة لانتخابات مبكرة.
وتضع العديد من الاستطلاعات الائتلاف اليميني بقيادة حزب “إخوة إيطاليا” الذي تقوده جورجيا ميلوني في المقدمة للفوز في الانتخابات المقبلة.
تحولت إيطاليا إلى ساحة جديدة للصراع بين روسيا والولايات المتحدة وحلفائها الأوروبيين، وإذا فازت الأحزاب اليمينية برئاسة الحكومة، فسيشكل ذلك نصرا لروسيا وفقدان أوكرانيا لأحد حلفائها الأوروبيين بعد سقوط حكومة رئيس الوزراء البريطاني بوريس جونسون.
وفي نفس الوقت فإن الصراع في ليبيا سيشتد، خاصة بعد تحويل مرتزقة فاغنر لشرقها وجنوبها لرأس حربة في هجومها الهجين على الخاصرة الجنوبية الرخوة لأوروبا، مع احتمال تحول النفط الليبي إلى سلاح آخر في يد الروس، ضمن ما يسميه الإيطاليون “الحرب المختلطة”.
وتراهن روسيا على شتاء بارد يضمن لها تركيع الأوروبيين عبر تقليص أو حتى وقف إمدادات الغاز، لإجبارهم على وقف دعم الأوكرانيين بالسلاح والمساعدات وإنهاء العقوبات الاقتصادية المفروضة عليها، بينما تراهن واشنطن على استنزاف الاقتصاد الروسي الذي سيجثو على ركبتيه بمرور الوقت.