حفاظا على الميثاق الغليظ
الشيخ رائد صلاح
ماذا يعني أن تصل نسبة الطلاق 40% من بين عقود الزواج التي تعقد كل عام بين الأزواج المسلمين في الداخل الفلسطيني؟! مع التنويه أنّ هذا الطلاق قد يقع بعد العقد وقبل الدخول ، وقد يقع بعد الدخول والزفاف !!
إنّ هذه النسبة السنوية المقلقة تعني أن فوضى العلاقة الزوجية تضم 40% من أسرنا أو التي من المفروض أن تكون من أسرنا!! وهي تعني أن 40% من هذه الأسر ستعاني أسرارها الزوجية من فوضى انكشافها علانية على الملأ بعد أن كانت خصوصيات لا يعلمها إلا الزوجان إلى جانب أقرب المقربين إليهما كالآباء والأمهات!! وهي تعني أن 40% من هذه الأسرار الزوجية قد تعاني من فوضى كشفها في قاعات المحاكم الشرعية أو حتى المدنية في بعض الأحيان!!
وهي تعني في خلاصة الأمر فوضى معاناة الذين كانا زوجين قبل أيام، وفوضى معاناة أبنائهم إن كان لهم أبناء، وفوضى معانا آبائهم وأمهاتهم، وقد تتضخم فوضى هذه المعاناة، وقد تتحول من فوضى شقاق إلى فوضى خصومة، وقد تتضخم فوضى هذه الخصومة، وتتحول مع الأيام إلى فوضى عداء أعمى لا يرحم ولا تحمد عقباه!! لماذا كل ذلك ولماذا كل هذه الفوضة التي انفجرت فجأة خارج البيوت، وأصبحت فوضى في الخارج على المكشوف، يراها الجميع ويسمع أخبارها ويحيط بأسرارها بعد أن كانت في حمى خصوصياتها المقدّسة؟! لأنّ هذه الفوضى في الخارج نبعت من الفوضى في الداخل، بمعنى أنّ هذه النسبة 40% من حالات الطلاق قد قامت في معظم الأحيان على فوضى في الداخل، ممّا تسبب بهذه الفوضى في الخارج، ولماذا قامت في معظم الأحيان على فوضى في الداخل؟! لأن العقد الذي قام بين الزوجين، والذي كان من المفروض أن يكون ميثاقا غليظا، قد قام أعوجا، وكيف يستقيم الظل والعود أعوج، ولأنّه قام على جرف هار أصلًا، كما جاء في الحديث : (كورك على ضلع)، ولأن الورك لا يمكن أن ينسجم مع الضلع، كذلك هذا الزواج القائم على جرف هار قام أصلا وهو يفتقر إلى الانسجام بين طرفي هذا الميثاق الغليظ- أي الزوج والزوجة- وبات عرضة للانهيار، وعندها قد يستعصي تقويم عثرات هذا الميثاق الغليظ!! وحتى لا يدخل أحدنا في هذا النفق الضبابي غير مضمون حسن العاقبة، وحتى لا يتورط في التوغل فيه أي زوجين من أبنائنا، فإنني أسجّل هذه الملاحظات التي استفدتها من بعض النشرات الهامة التي نشرها أ . د . مشهور فواز رئيس المجلس الإسلامي للإفتاء في الداخل الفلسطيني والتي تمّ إقرارها من قبل المجلس الإسلامي للإفتاء ووزعت في ميثاق مؤتمر المحكمين في مدينة باقة الذي تمّ عقده بالتعاون بين المجلس الإسلامي للإفتاء ولجان إفشاء السلام وهي تحمل إرشادات أسرية مهمة حول كيفية الحفاظ على هذا الميثاق الغليظ بين الزوجين:
- نصيحتي لكل شاب وفتاة مقبلين على الزواج ولذويهما كذلك ألا يزيد المهر على خمسين ألف شاقل، يشمل المعجل، والمؤجّل، ويشمل الهدايا التي يقدّمها الخاطب من ذهب ونقود ورقية وسداد رسوم تعليم عن خطيبته، وسداد ديون عنها، وتقديم امتعة باهظة الثمن لها كالحاسوب وما شابهه.
- الهدف من تخفيف المهور وتوضيح قيمتها كما ورد من تفصيلات في البند الأول هو تحصيل بركة اتّباع السنّة وأن يكون الفراق عند استحالة الحياة الزوجية بإحسان دون تشهير ولا طعن ولا تجريح .
- نصيحتي أن يقوم عقد الزواج إلى جانب تخفيف المهور على حسن الخلق والدين والوعي لواجبات وحقوق الزوجية.
- لكي يتحقق ذلك أنصح بإقامة دورات إرشادية حول الواجبات والحقوق الزوجية لكل خاطبين قبل الزواج، بل أنصح أن يكون من الأمور الإلزامية لإجراء عقد الزواج أن يمرّ كل من الخاطبين هذه الدورة بنجاح.
- نصيحتي لكل شاب مقبل على الزواج أن يحفظ هذا الحديث النبوي عن ظهر قلب- أي غيبا- وهو : (أيّما رجل تزوج امرأة على ما قلّ من المهر او كثر، ليس في نفسه أن يؤدي إليها حقها، خدعها، فمات ولم يؤد إليها حقها، جاء يوم القيامة وهو زان) صحّحه الألباني.
- نصيحتي تحديد موعد لدفع المهر المؤجل وألا يكون الموعد مفتوح الأجل.
- ما أطمع به لكل زوجين أن تسود بينهما المودّة والرحمة ما داما في هذه الدنيا، وأن يرزقا الذرية الصالحة، ولكن إذا استحال استمرار الحياة الزوجية بينهما، فالحل هو الفراق بإحسان وهو فراق المؤمنين، وأمّا فراق الفجور والخصومات فهو فراق المنافقين.
- نصيحتي لكل زوجين ان يحفظا هذا الحديث النبوي عن ظهر قلب- أي غيبا- وهو : (إن من أشرّ الناس منزلة يوم القيامة، الرجل يفضي إلى امرأته، وتفضي إليه ثمّ ينشر سرّها). رواه مسلم.
- فلتتمسكا أيها الزوجان بمبدأ الفراق بإحسان إن استحال استمرار الحياة الزوجية بينكما-مؤقتا- ولتحفظا أسرار بعضكما، فلعل كلاكما يراجع حساباته ثمّ تعودان إلى حضن الزوجية من جديد، وفي ذلك لكما كل الخير لكما ولأبنائكما.
- تأكيدا للمؤكد يجب أن يعلم كلا الخاطبين أن ما يقدّمه الخاطب لخطيبته من ذهب وفضة ونقود ورقية ورسوم تعليم وسداد ديون وأمتعة باهظة الثمن يعتبر جزءا من المهر، يحق له استرداده إذا تمّ فسخ الخطبة قبل العقد، وإذا تمّ الفراق بعد العقد فإنّ كل هذه القائمة المذكورة في هذا البند تحسب كجزء من المهر إذا كان الخاطب قد قدّمها لخطيبته.
- من باب الإنصاف فإن ما تقدّمه الخطيبة لخاطبها من ذهب وفضة ونقود ورقية ورسوم تعليم وسداد ديون وأمتعة باهظة الثمن لها حق استرداد كل ذلك.
- تستحق المعقود عليها قبل الدخول نصف المهر، وتستحق بعد الزفاف ولو قبل الدخول كامل المهر، مع الأخذ بعين الاعتبار البند رقم (10) في هذه المقالة.
- بخصوص تكاليف حفلة الخطبة والعرس من طعام وتصوير وأجرة قاعة وغير ذلك، فليس لأحد بمطالبة الآخر به.
- لا يسقط مهر الزوجة إلا إذا ثبت بأدلّة قطعية لا شك فيها أنها تتحمل كامل المسؤولية بالتسبب في الطلاق.
- الزواج هو ميثاق غليظ بين الزوجين، وحتى نحافظ عليه يجب أن يقوم على المودّة والرّحمة، وبذلك نحفظ أعراضنا ودماءنا.