السلطة في الضفة.. أداء مترهل وقمع حريات وتناغم مع الاحتلال
كنانة السلطة في الضفة فارغة من أسهم العمل السياسي بعد انسداد أفق التسوية وغضب الشعب من مواصلتها التنسيق الأمني مع الاحتلال وسط عدوان “إسرائيلي” متكرر على امتداد خارطة الوجود الفلسطيني.
لم تنجح السلطة في النمو لمشروع دولة بعد تنكّر الاحتلال لجميع الاتفاقيات الموقعة معها وفشل اتفاق “أوسلو” فأضحت تواصل مهمات إدارية ومدنية بعيدة عن العمل الوطني السياسي الممثل لفصائل الفلسطينيين وإجماعهم الشعبي.
ومع تنامي الغضب الشعبي من الاحتلال في الضفة، وتطور المقاومة الشعبية لمرحلة تبشّر بميلاد انتفاضة جديدة، تنكشف عورة السلطة السياسية الآن، فهي لا تتبنى الإجماع الوطني، وتمارس دبلوماسية واهنة أمام المجتمع الفلسطيني والدولي، مع أداء إداري مترهل، وتغول على الحريات.
ويبدو الرأي العام في الضفة والقدس المحتلتين غاضباً من دور أجهزة أمن السلطة التي تواصل قمع الحريات والتنسيق الأمني وغياب الحياة السياسية الفاعلة مع هيمنة تيار عباس على مشهد السلطة ومنظمة التحرير، في حين تعاني غزة من استمرار لإجراءات العقابية التي فرضتها السلطة ورفضها إنجاز المصالحة الوطنية أو إجراء انتخابات عامة.
وفعليا أضحت السلطة رهينة الإملاءات الإسرائيلية والمزاج السياسي الإقليمي والدولي المهيمن على تمويلها ومنحها الشرعية فقط حين توافقه الرأي من مواقفه المتواطئة مع الاحتلال.
واقع السلطة
ماذا تقدم دور السلطة الفلسطينية الآن للحالة الوطنية وسط هيمنة تيار عباس رئيس السلطة على منظمة التحرير الفلسطينية وجعلها ملحقاً لمؤسسات السلطة معانداً الإجماع الوطني ورافضاً نهج المقاومة؟
خطة الضم (السلب والنهب) الإسرائيلية لأراضي الضفة أجهزت على طرح حل الدولتين مع هيمنة اليمين على زمام السياسة في كيان الاحتلال وتهويد معظم أراضي القدس المحتلة جوهر الصراع الفلسطيني بالضفة.
ويؤكد د.تيسير محيسن، المحلل السياسي، أن واقع السلطة الفلسطينية السياسي والتنظيمي والشعبي يمر بأزمات في الضفة المحتلة على صعيد صراعات داخل السلطة وتيارات حركة فتح.
ويضيف: “تيار عباس يتحكم في السلطة والمنظمة، وواقعه مرتبط ومتناغم مع الاحتلال، وينعكس سلباً على قرارات وقيادة السلطة بعد إقصاء شخصيات تنتقد سلوكها السياسي والميداني المعاكسة لنضال الشعب”.
وأثّر تغييب دور القيادات الثورية والوطنية صاحبة المواقف الرافضة لعدوان الاحتلال على أداء مؤسسات السلطة خاصة بعد رحيل الرئيس عرفات، وتعطيل دور مؤسسات منظمة التحرير الفلسطينية مؤخراً.
وتعيش السلطة الفلسطينية حالة انتقاد وهجوم واحتقان جماهيري بسبب مواقفها الضعيفة من الاحتلال؛ فهي مجرد راصد لجرائم الاحتلال اليومية، فضلاً عن أدائها الإداري المترهل، وتفشي الفساد الذي فجر موجة من الحراك النقابي المستمر.
ويقول د.حسام الدجني، المحلل السياسي: إن السؤال المهم في هذه المرحلة من عدوان الاحتلال بالضفة والقدس هو “ما موقف السلطة من اعتداءات المستوطنين والمزاج الشعبي ومشاكل العمالة والضرائب؟”.
وصعّد المستوطنون في الآونة الأخيرة من اعتداءاتهم ضد المواطنين وممتلكاتهم في الضفة والقدس، وسط غياب شبه كلي للسلطة ومؤسساتها التي تنشط في تفعيل الضرائب والجبايات الداخلية.
ويتابع الدجني: “الأصل أن دورها (السلطة) داعم ومساند للشعب والقضية، وأن تحرك كل أدواتها لمواجهة العدوان، وألا تفوت كل اقتحام إلا وتستخدم دبلوماسيتها والقوة الناعمة لفضح وملاحقة الاحتلال”.
وتحدثت السلطة الفلسطينية مرارا عن توجهها للمحكمة الجنائية الدولية لمحاسبة قادة الاحتلال في ارتكاب جرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية لكن طرحها ضاع بين التقاعس عن المواصلة وموازين القوى الراجحة لكفة الاحتلال.
ويرى المحلل الدجني أن السلطة لم تنجح في استخدام الدبلوماسية وقوانين حقوق الإنسان ضد جرائم الاحتلال بحق الإنسان والمقدسات الفلسطينية وجدار الفصل العنصري وحصار غزة فأخفقت دبلوماسيتها الرسمية في تحريك أتون الصراع.
المشهد الوطني
لم تعد السلطة الفلسطينية معبرة عن المشهد الوطني والحالة الشعبية التي باتت مقتنعة بفشل مشروع التسوية وبقاء المقاومة الشعبية بكامل أدواتها الخيار الوحيد لاستعادة الحقوق الفلسطيني المسلوبة بيد الاحتلال.
ويشير المحلل محيسن إلى أن مواقف السلطة من جرائم الاحتلال اليومية لا تعبر عن الحد الأدنى للطموح الوطني والشعبي الفلسطيني؛ فهي تصدر مواقف وانتقادات وكأنها دولة مجاورة ترصد ما يجري دون إحراز مواقف متقدمة، وفق قوله.
هذا الوهن الذي يضرب مواقف السلطة مرده “فقدان الشرعية السياسية والوطنية الغائبة عن مؤسسات الفلسطينيين الرسمية فهي فاقدة للشرعية وتعطل الانتخابات وأسيرة تيار عباس المتفرد بكامل القرارات السياسية”، بحسب الخبراء.
ويتابع المحلل محيسن:”قيادة السلطة رضيت أن تكون ناظم حياتي متناغم مع الاحتلال وتنفذ دورا مكلفا وفق منهج يراد أن يسود الضفة لا يقاوم عدوان الاحتلال”.
ولم يعد الغضب والاحتقان من السلطة من نصيب الفصائل والنخب فالمجتمع المدني والجمهور العام وكوادر فتح نفسها يرون أن تيار عباس يضر بفتح والحالة الوطنية عامة.
ويؤكد المحلل الدجني أن تدهور منظمة التحرير والسلطة الفلسطينية لن يسعفه رأي المنظور الإقليمي والدولي فليس من المطلوب أن يكون المجتمع الدولي ملكياً أكثر من الملك ولن تدعم دول الإقليم القضية أكثر من دعم الفلسطينيين لها.
مرحلة جديدة
تبدو معادلة الميدان بالضفة المحتلة صريحة للغاية فجيش الاحتلال يلاحق مقاومين ويقتحم المدن والبلدات لشن حملات اعتقال وتفتيش يتخللها قتل وإصابات وهدم منازل وأجهزة أمن السلطة تعتقل أيضاً على طريقتها الخاصة.
المراقبون للمشهد الميداني والسياسي بالضفة والقدس المحتلة يقرؤون في الغضب والتحدي الشعب المتصاعد الذي يتصدره شبان فلسطينيون وحراك شعبي متطور قرب اندلاع انتفاضة شعبية جديدة.
ويقول المحلل محيسن: إن الضفة أمام تطورات دراماتيكية لميلاد مقاومة شعبية متصاعدة فوق رقعة الضفة وأن الاحتلال يحاول ضبط تسارع انتشار المقاومة.
يقفز الرأي العام الفلسطيني والمزاج الشعبي عن برامج السلطة الفلسطينية ليهدد بخطورة الآن أمن وجنود الاحتلال مع تواصل العمليات الفردية والتصدي لاقتحامات الضفة.
ويوميًّا تشهد الضفة عمليات إطلاق نار وتصد للاحتلال، في حين رصد مركز المعلومات الفلسطيني “معطى” خلال تموز/ يوليو الماضي (588) عملاً مقاوماً، أدت إلى جرح وإصابة (18) إسرائيليًّا.
ووثق التقرير (44) عملية إطلاق نار ضد أهداف للاحتلال، منها (12) عملية في نابلس، ومثلها تتالياً في جنين، حيث تصدى المقاومون فيها لاقتحام قوات الاحتلال اليومية، وخاضوا اشتباكات شديدة معها.
ويرى المحلل الدجني أن غياب دور السلطة الوطني ومعاندتها للمزاج الشعبي لن يمض بها إلا لمزيد من الضعف في الصراع وهي لا تكلف نفسها ممارسة أوراق ضغط حقيقية تجاه الاحتلال.
وتحافظ السلطة الفلسطينية على مقعد المراقب للمشهد وحين تتدخل غالباً ما تعمل وفق أجندة التنسيق الأمني وسط حالة الغضب الشعبي التي تجاوزت المشهد السياسي ووضعت مخاطر المواجهة خلف ظهرها.