عمران خان.. تردد باعتقاله ومظاهرات لأنصاره و”تآمر أمريكي”
يمثل رئيس الوزراء السابق عمران خان، أمام محكمة إسلام أباد العليا، الأربعاء، في وقت تكررت فيه مظاهرات مؤيدة له ضد “التآمر الأمريكي” ومطالبات بعودته إلى السلطة.
وتوقفت المظاهرات مؤقتا بسبب كارثة الفيضانات والسيول التي تعاني منها البلاد وراح ضحيتها أكثر من 1100 شخص، في حين أن محاكمة خان اليوم الأربعاء، لم تعلن السلطات تأجيلها أو تفاصيل عنها حتى الآن.
ويتهم أنصار عمران خان الولايات المتحدة الأمريكية، بأنها السبب وراء إسقاط حكومته، التي صوت ضدها البرلمان بحجب الثقة عنها قبل أشهر.
وهذه المرة يواجه خان اتهامات بازدراء المحكمة، وتهديد قاضية، بعد الإفراج عنه بتهم تتعلق بـ”الإرهاب” قبل أيام من مثوله أمام محكمة الإرهاب.
ويثير تردد السلطات الباكستانية في اعتقال خان تساؤلات تطرح حول سبب ذلك، إلى جانب ما يثار من تكهنات بإمكانية عودته إلى السلطة، وتأثير المظاهرات المؤيدة له، على باكستان، داخليا وخارجيا.
وفي وقت سابق، حذرت “حركة إنصاف” التي يتزعمها خان، من أنها ستنظم مسيرات في جميع أنحاء البلاد إذا تم القبض عليه.
أمريكا متهمة بالتآمر
أوضح المحلل السياسي الباكستاني جاويد رانا، أن “اتهامات خان لأمريكا مبنية على ورقة كتبها السفير الباكستاني في واشنطن أثناء اجتماعه مع مساعد وزير الخارجية الأمريكي لشؤون جنوب ووسط آسيا دونالد لو”.
وكان ذلك في بدايات آذار/ مارس الماضي، حيث حذر السفير، من أنه إذا لم تتم إزاحة رئيس الوزراء، فإن إسلام أباد ستواجه العواقب.
وشدد على أن اتهامات أنصار خان لأمريكا بالتآمر ضده، إنما هي “حقيقة وليست مجرد نظرية مؤامرة يتم التداول بها”.
وأضاف رانا أن هذه كانت تهديدات الأمريكيين التي جرى نقلها إلى السفير، وبطبيعة الحال، كان في الاجتماع مسؤولون آخرون، واعتبر التهديد بمثابة رسالة لرئيس هيئة الأركان الباكستاني.
وأكملت رانا القول بأنه “من المعروف أن الجيش الباكستاني يقوم بتشكيل الحكومة، وهذه التهديدات لاقت آذانا مسموعة، حيث زار خان موسكو في اليوم ذاته الذي أعلنت فيه روسيا الحرب على أوكرانيا”.
وأورد أن الأمريكيين ظنوا أن باكستان ربما تنضم إلى العقوبات على الصين وروسيا كونها كانت حليفا لواشنطن لسبعة عقود، ولا ترغب بقيام إسلام أباد بترسيخ العلاقات مع الصين.
أزمة خان بين الجيش والمحكمة
وحول علاقة خان مع الجيش، قال رانا إن الوزراء الموالين له وحلفاءه وأعضاء حكومته، لم يحظوا بتجديد الثقة.
حتى إن الجيش كان له نصيب من المشاكل مع خان، لأسباب عدة، أبرزها عدم رضا القيادات عن أدائه، وإصراره على تعيين رئيس للمخابرات من اختياره، إضافة إلى الضغوط الأمريكية عليه، بحسب رانا.
وتابع بأن واشنطن أرادت من باكستان السماح لها بإنشاء قواعد عسكرية، لكن خان رفض ذلك، والجيش أراد التعاون في الكثير من القضايا مع الأمريكيين الذين لم يكونوا سعداء بشأنها مع خان.
إمكانية اعتقال خان
وحول مثول رئيس الوزراء السابق أمام القضاء الباكستاني، قال رانا إن الأمر يتوقف على الوضع السياسي، وما إذا كان قد وقع على صفقة سياسية من وراء الكواليس مع الجيش أم لا.
وقال: “إذا لم يفعل ذلك، فأعتقد أنه يمكن محاكمته، ويمكن استبعاده، ما يعني أنه لن يكون قادرا على الوصول إلى السلطة”.
وتابع: “سيكون هناك حظر غير قانوني عليه.. لذلك دعونا نرى كيف تتطور الأمور، لكن هناك الكثير من الضغط العام أيضا، لذلك، فإن الأمر ليس بهذه السهولة على القضاة”.
وأشار إلى أنه “إذا حاولت السلطات الباكستانية إلقاء القبض عليه، فإنها لن تستطيع السيطرة على الوضع في الشارع، في وقت يعاني فيه الاقتصاد بالفعل من حالة سيئة”.
تأثير المظاهرات داخليا وخارجيا
وحول تأثير المظاهرات، قال الكاتب السياسي محمد العقاد، إنها تؤثر بالفعل على الاستقرار الداخلي لباكستان، وتزداد قوة مع مرور الأيام، ويزداد فيها الخطاب القوي والعدائي والمشحون إذا صح الوصف.
وعلق بالقول: “عندما كانت هناك جهود من الحكومة لاعتقال خان الأسبوع الماضي، احتشد مؤيدوه أمام منزله في منطقة بانيغالا، وكانت هناك تهديدات من مؤيديه في إقليم خيبر بختونخوا (شمالا) والبنجاب (شرقا)، باحتلال العاصمة في حال اعتقاله”.
وأضاف: “لذلك، فإن حالة الاحتقان في تزايد من جميع الأطراف، وبشكل خاص من جانب حزب الإنصاف، الذي يروج أن إزاحته من الحكومة جاءت بتدخل خارجي”.
وأفاد العقاد بأن “التأثير الداخلي يعتمد على مدى تجاوب الأطراف لتقليل الصراع، وعلى قدرة المؤسسات السيادية في البلاد، وهي الجيش والمخابرات والمؤسسات التابعة لهما، في ضبط الحالة الأمنية”.
وقال إن الجيش في الوقت الحالي لا يريد أي تصعيد، ويسعى بشكل جاد لنزع فتيل هذه الأزمة، أو على الأقل تجنيب البلاد من الانزلاق إلى حالة من العنف.
أما على المستوى الخارجي، فقال الصحفي العقاد، إنه سيكون هناك تأثير على علاقات باكستان مع الدول الحليفة لها، لأن العنف سيكون له تأثير على تماسك القوات الأمنية والعسكرية في البلاد، التي تعد حجر الزاوية والمتحكم في علاقات باكستان الخارجية.
وأشار إلى أنه يجب الأخذ بعين الاعتبار، أن باكستان شريك أمني مهم بالنسبة للولايات المتحدة، خاصة في ما يتعلق بالملف الأفغاني، ولذلك فإن أي تأثير على قوة الجيش، سيكون له بعد دولي وإقليمي.
هل يعود خان للحكم؟
وعن احتمالية عودة خان للحكم مرة أخرى، قال العقاد: “في اعتقادي أنه أصبح من الصعب عليه الرجوع إلى الحكم مرة أخرى، نظرا لسياساته ورسائل التحدي التي يطلقها في جميع خطاباته”.
وقال العقاد، إن الأمر الأهم في هذا السياق خلافه مع المؤسسة (الدولة العميقة)، وهذا أكبر العوائق التي قد تعيق وصوله إلى الحكم.
وأضاف: “من جهة أخرى، فإن عودة خان للحكم تعني التضحية بالعلاقات مع أمريكا التي اتهمها بتنفيذ مؤامرة ضده، وإسقاط حكومته”.
ولفت العقاد إلى أن احتمال عودة خان مفتوحة بناء على بعض العوامل، وهي محاولة إصلاح العلاقات مع المؤسسة، وإصلاحها مع أمريكا، إضافة إلى فشل الحكومة الحالية في إدارة الاقتصاد وتحسين المستوى المعيشي.
وأشار إلى أنه حتى الآن، لا توجد مؤشرات على أن البلاد بصدد انتخابات مبكرة، لأن هذا القرار في اعتقاده بيد المؤسسة السيادية، إضافة إلى وضع البلاد الحالي نتيجة الفيضانات، الذي لا يسمح بإجراء أي انتخابات.
وختم بالقول بشأن محاكمات خان المستمرة: “أعتقد أن حكم المحكمة سيكون له انعكاسات سلبية، في حال كان ضد خان، والقضاء والحكومة وجميع الأطراف، يدركون أن اعتقاله قد يقحم البلاد في أزمة حقيقية”.