هل تعرقل تحقيقات الوكالة الدولية للطاقة الذرية ضد إيران إحياء الاتفاق النووي؟
بعد مضي نحو 16 شهرا على المحادثات غير المباشرة بين الولايات المتحدة وإيران، باتت إمكانية إحياء الاتفاق النووي الموقع عام 2015، أقرب من أي وقت مضى، لكن إتمام ذلك لا يخلو من عقبات في سبيل التوصل إلى تلاقي بين طهران والوكالة الدولية للطاقة الذرية، حول ملفات التحقيق التي تحوزها الوكالة والمتعلقة بالكشف عن آثار لليورانيوم المخصب في مواقع إيرانية.
ففي 24 آب/ أغسطس الجاري، أعلنت وزارة الخارجية الإيرانية استلام الرد الأميركي على مقترحاتها لحلّ القضايا العالقة في المفاوضات النووية. كما وصف مسؤول السياسة الخارجية بالاتحاد الأوروبي، جوزيب بوريل، المقترح الإيراني، الذي كان بالأساس ردًّا على مسودة اقتراح قدّمها بوريل للأطراف المعنية، بأنه “مقبول”.
وفي وقت سابق من هذا الشهر، قدّم الاتحاد الأوروبي اقتراح تسوية “نهائيًة”، داعيًا طهران وواشنطن للردّ عليه، أملا بتتويج المباحثات بالنجاح. وتشير تقارير إعلامية أن الرد الأميركي على المقترحات الإيرانية، والذي تقوم طهران بمراجعته الآن، يمكن أن يساعد في إحياء الاتفاق النووي بين إيران والقوى الكبرى.
وبينما يبدو أن مساحة الخلافات بين إيران والولايات المتحدة تضيق، بما في ذلك تلك المتعلقة بالنقاط الشائكة، تظهر المواجهة المشتعلة بين طهران والوكالة الدولية للطاقة الذرية، كعقبة أمام طريق إحياء الاتفاق.
مواجهة مشتعلة
في 22 آب/ أغسطس الجاري، أكد المدير العام للوكالة، رافايل غروسي، إصرارهم على الحصول على تفسير واضح من إيران بشأن آثار جزئيات اليورانيوم المخصّب، عثر عليها مفتشو الوكالة في 3 مواقع يشتبه بممارسة أنشطة نووية غير معلنة فيها.
وأضاف غروسي، في حديث مع شبكة “سي إن إن” الأميركية، أنه “نريد الإجابات الضرورية، والأشخاص والأماكن، حتى يتسنى لنا إيضاح الصورة”، مؤكدًا أن الوكالة لن تنهي تحقيقاتها حول المواقع الثلاثة قبل الحصول على إجابات واضحة.
وتابع في هذا الصدد أن “إسقاط التحقيقات ليس شيئًا يمكن أن تفعله الوكالة الدولية للطاقة الذرية، ولن تفعله دون اتخاذ عملية مناسبة، ومفتاح هذا يكمن في أمر بسيط جدًا: هل ستتعاون إيران معنا؟”.
وبعد يوم واحد من هذه التصريحات الصادرة عن غروسي، كتب المستشار السياسي لفريق التفاوض النووي الإيراني، سيد محمد مرندي، على “تويتر”، أن البرنامج النووي لطهران “لن يتم تفكيكه”، مشددا على أنه يجب “إسقاط تحقيق الوكالة”.
وأضاف أنه “لن يتم تنفيذ أي اتفاق قبل أن يغلق مجلس إدارة الوكالة الدولية بشكل دائم، ملف الاتهامات الباطلة”، في إشارة إلى مشروع قرار تبنّته الوكالة الدولية ضد إيران في حزيران/ يونيو الماضي.
و24 آب/ أغسطس الجاري، دحض رئيس هيئة الطاقة الذرية الإيرانية، محمد إسلامي، تقارير تحدث عن تخلّي إيران عن مطلبها بتعليق التحقيق، مع استعداد الأطراف المعنية بالاتفاق النووي لتحقيق انفراجة كبيرة في مسألة إحياء الاتفاق.
ونقلت وسائل إعلام محلية عن إسلامي قوله: “لا نتوقع من المدير العام للوكالة الدولية (غروسي) الإدلاء بتصريحات، هذا بالضبط ما يريده النظام الصهيوني (إسرائيل)”، زاعمًا أن الوكالة الدولية تعمل “تحت نفوذ” إسرائيل.
تشبث بالمواقف يهدد المفاوضات
ومنذ نيسان/ أبريل العام الماضي، استمرّت المفاوضات الماراثونية بين إيران والقوى الكبرى (روسيا والصين والمملكة المتحدة وفرنسا بالإضافة إلى ألمانيا) في العاصمة النمساوية فيينا، بالتوازي مع المواجهة بين طهران والوكالة الدولية للطاقة الذرية.
إلا أن حدّة التوترات تصاعدت بعد تبنّي مجلس إدارة الوكالة الدولية قرارًا ضدّ إيران في حزيران/ يونيو الماضي، ما أثار دعوات في طهران لتخفيض التعاون مع الوكالة الدولية التابعة للأمم المتحدة.
وجاء القرار في أعقاب تقرير ربع سنوي للوكالة انتقد إيران لعدم امتثالها لاتفاق ضمانات معاهدة حظر انتشار الأسلحة النووية، وحث طهران على التعاون الكامل مع الوكالة والسماح لمفتشيها بالوصول إلى المواقع الثلاثة “غير المعلن عنها”.
ووصف متحدث باسم وزارة الخارجية الإيرانية، سعيد خطيب زادة، هذه الخطوة بأنها “غير مدروسة وغير حكيمة”، وحذّر من ردٍّ “حازم” تجاهها.
ومع اقتراب الأطراف المعنية بالاتفاق من خط النهاية، تهدّد المواجهة المشتعلة بين إيران والوكالة الدولية للطاقة الذرية بلعب دور المفسد، لا سيّما أن كلا الطرفين لا يرغبان في التزحزح عن موقفهما.
وفي هذا السياق، اعتبر المحلّل في الشؤون الإستراتيجية، الإيراني همايون زماني، أن التقارير حول اقتراب إيران والولايات المتحدة وبوساطة الاتحاد الأوروبي، من إحياء الاتفاق النووي الموقع عام 2015، “لا يعني أنه تمّ سد كل الفجوات“.
وأضاف أنه “إلى جانب بعض القضايا التي لا تزال بحاجة إلى تسوية بين طهران وواشنطن، التي آمل أن تحدث في الأيام المقبلة بعد مناقشة الجانبين مشروع اقتراح الاتحاد الأوروبي، فإن المواجهة بين إيران والوكالة النووية التابعة للأمم المتحدة تحتاج إلى حلّ دون أي تلكؤ أو مضيعة للوقت”.
هل ينجحون بإحياء الاتفاق؟
وكانت إيران قد رفعت نسبة تخصيب اليورانيوم بشكلٍ كبير من 3.67% وهي النسبة المنصوص عليها باتفاق العام 2015، إلى 60%، ردًّا على انسحاب الولايات المتحدة من الاتفاق عام 2018.
وهذا المستوى من التخصيب يقرّب طهران من نسبة تخصيب 90% التي تسمح باستخدام اليورانيوم لأغراض عسكرية، ما أثار مخاوف الغرب ووضع إيران في مسارٍ تصادمي مع الوكالة الدولية للطاقة الذرية.
وانتقدت وكالة “نور نيوز” الإخبارية التابعة لأرفع جهاز أمني في إيران، غروسي “لعدم رؤيته حسن نية إيران” و”التصرّف على أساس التقارير” التي تقدّمها إسرائيل. وقالت الوكالة الإيرانية إنه “مع استمرار هذا النهج، تحوّل غروسي، إلى جانب النظام الصهيوني، إلى عقبات رئيسية أمام إنهاء المحادثات”.
بدوره، قال عضو لجنة السياسة الخارجية والأمن الوطني في إيران،أبو الفضل عموئي، إنه “بما أن الوكالة الدولية يمكن أن تعطل تنفيذ الاتفاقية واستفادة إيران منها من خلال تقديم ادّعاءات غير مدعومة بأدلة، فإن إيران تصرّ على حل القضايا العالقة (بين الجانبين) قبل تنفيذ الاتفاقية”.
وتكرارًا لِما قاله مسؤولون إيرانيون كبار في الأشهر الأخيرة، وصف عموئي المزاعم الواردة في تقرير الوكالة الأخير بشأن إيران، بأنها “سياسية بطبيعتها”، داعيًا إلى اتفاق “مع الإرادة السياسية للأطراف الغربية” و”بدون تخريب”، في إشارة غير مباشرة إلى إسرائيل.
من جانب آخر، أعرب رئيس الحكومة الإسرائيلية، يائير لبيد، عن قلقه من تقديم الولايات المتحدة والأطراف الأخرى “مزيدًا من التنازلات” لإيران من أجل التوصّل لاتفاق في فيينا، غير أن حكومة لبيد تتجنب مواجهة علنية عنيفة مع إدارة الرئيس الأميركي، جو بايدن.
وفي هذا السياق، أفادت هيئة البث الإسرائيلي (“كان 11”) مساء أمس، الجمعة، أن لبيد “عاتب” رئيس الموساد، دافيد برنياع، على الرسائل التي بثها ضد الجهود الرامية لإعادة إحياء الاتفاق النووي مع إيران، والتي هاجم من خلالها إدارة بايدن، وقلل من قيمة الملفات التي تحقق فيها الوكالة الدولية للطاقة الذرية، معتبرا أن وجودها وعدمه واحد في ظل الاتفاق المتبلور الذي وصفه بأنه “كارثة إستراتيجية”.
واعتبر لبيد أن الرسائل التي بثها برنياع خلال إحاطة “استثنائية” قدمها لعدد من مراسلي وسائل الإعلام الإسرائيلية، لا تلائم الرسالة التي أراد مكتب رئيس الحكومة بثها، ولا تتلاءم أيضا مع مضمون المحادثات التي أجراها مستشار الأمن القومي الإسرائيلي، إيال حولاتا، في واشنطن، يوم الثلاثاء الماضي، والتي جرى وصفها بأنها “مطمئنة”.
ووفقا لـ”كان 11″ فإن المحادثة بين لبيد وبرنياع لم تصل إلى حد التوبيخ وإنما كانت نوعا من “ملاءمة وتنسيق التوقعات”، وأوضحت أن القضيتين اللتين أثارتا استياء لبيد من تصريحات برنياع هما النقد المباشر للولايات المتحدة، والملفات التي تحقق بها الوكالة الدولية للطاقة الذرية ضد إيران، “وهو الأمر الذي تصر عليه إسرائيل بالفعل والتي حرصت خلال المحادثات مع الإدارة الأميركية على إبقائها مفتوحة وعدم التنازل عنها أو إغلاقها في إطار إحياء الاتفاق النووي.
وذكر تقرير لموقع “اللا” الإسرائيلي، يوم الخميس الماضي، أن مستشار الأمن القومي الأميركي، جيك سوليفان، أبلغ نظيره الإسرائيلي، حولاتا، بأنّ إدارة بايدن أصرّت في ردها على رفض الطلب الإيراني بإغلاق ملفات التحقيق ضد إيران التي تحوزها الوكالة الدولية للطاقة الذرية. ونقل التقرير عن مسؤولين إسرائيليين قولهم، إن الأميركيين تعهدوا بعدم ممارسة أي ضغوط على مدير الوكالة الدولية للطاقة الذرية رفاييل غروسي لإغلاق ملفات التحقيق.