موجة غلاء تجتاح مصر خلال أيام.. هل اقترب “تعويم الجنيه”؟
قال عدد من الإعلاميين المصريين، المقربين من نظام عبد الفتاح السيسي، إن الأسواق المصرية ستشهد موجة غلاء هي الأصعب منذ الحرب العالمية الثانية، وسط توقعات باتخاذ الحكومة المصرية عددا من القرارات الاقتصادية المؤلمة مقابل الحصول على قروض أجنبية لسد الفجوة المالية المتزايدة في البلاد.
وأكد الإعلامي أحمد موسى، الأربعاء، عبر برنامجه المذاع على فضائية “صدى البلد”، أن موجة غلاء قادمة لأسعار السلع الغذائية بداية من أيلول/سبتمبر المقبل، موضحا أن نسبة الارتفاع في الأسعار ستصل إلى 30 بالمئة في معظم دول العالم ومنها مصر.
وقال موسى، إن الأشهر الستة القادمة ستكون الأصعب في زيادة الأسعار على مستوى العالم، مؤكدا أن ما يحدث لم يكن يتوقعه أحد منذ الحرب العالمية الثانية.
وقبل أسبوعين، قال الإعلامي عمرو أديب، عبر برنامجه المذاع على فضائية “إم بي سي مصر”: “الأيام الجاية من أصعب ما يمكن وطالب المواطنين بترشيد استهلاك النفقات والتنازل والاهتمام بالأولويات”.
وأضاف: “على قد لحافك مد رجليك ولو عايز تحافظ على سعر اللحمة الكبير روح قلل من الحاجة المش مهمة عندك”.
وأكد الإعلامي نشأت الديهي، أن مصر تسعى لتقليل فاتورة الاستيراد بسبب أزمة النقد الأجنبي، إلى جانب العمل على تشجيع الصناعة المحلية، واستبدال المنتج المستورد بنظيره المحلي.
وفي محاولة من الديهي لتقليل حدة الأزمة الاقتصادية التي تمر بها مصر، أوضح عبر برنامجه المذاع على فضائية “ten”، أن أوروبا تعيش كارثة حقيقية، وهذا من شأنه أن يضغط على الاقتصاد العالمي.
وأضاف: “هناك مصنع سماد توقف في بولندا، ما ينذر بأزمة جوع في أوروبا، ومصر تنشئ في أسوان في هذه الفترة، أكبر مجمع للأسمدة باستثمارات تقدر بـ20 مليار جنيه، رغم امتلاك مصر الكثير من مصانع الأسمدة، وهذا دليل على أن الدولة المصرية لديها قراءة واعية للأزمة العالمية”.
واعتبر الديهي أن محاولة التبشير بسقوط النظام الاقتصادي وتخويف المواطنين، والتأثير على الروح المعنوية، يعد كارثة.
ولفت إلى أن حديث رئيس الوزراء المصري، مصطفى مدبولي، عن ترشيد الكهرباء عظيم، موضحا أن الهدف من هذا الأمر تعظيم صادرات مصر من الغاز، في ظل ارتفاع الأسعار عالميا، وبالتالي زيادة الحصيلة الدولارية اللازمة لاستيراد السلع المختلفة، وتسديد القروض.
وتحتاج مصر بحسب وكالة “بلومبيرغ”، الأمريكية، 41 مليارا لسد عجز الحساب الجاري وخدمة الديون المستحقة للقروض بنهاية عام 2023.
وقال رئيس لجنة الخطة والموازنة بمجلس النواب المصري، فخري الفقي، إن الحكومة المصرية تحتاج إلى نحو 35 مليار دولار لتغطية عجز الحساب الجاري وتسديد فوائد وأقساط الديون خلال العام المالي الجاري 2022/ 2023.
ووصل الدين الخارجي لمصر إلى نحو 158 مليار دولار بنهاية الربع الأول من العام الحالي، مرتفعا بنحو 13 مليار دولار خلال ثلاثة أشهر. في وقت تراجعت فيه موارد النقد الأجنبي من الصادرات والسياحة وخرجت فيه ما تعرف بالأموال الساخنة، بعد الغزو الروسي لأوكرانيا.
وقال بنك “أتش أس بي سي” البريطاني، وهو أكبر مؤسسة مصرفية في أوروبا وأحد أكبر البنوك في العالم، إن انهيار احتياطيات البنك المركزي المصري خلال النصف الأول من العام 2022 يثير القلق بشأن الوضع المالي والمصرفي للبلاد.
وأوضح البنك العالمي، في تقرير مطول استعرض فيه وضع الاقتصاد المصري، نشره مؤخرا وترجمته “عربي21″، أن العنصر الأكثر سيولة لاحتياطيات البنك المركزي (الأوراق المالية الأجنبية والودائع النقدية في الخارج) يشهد انخفاضا بسرعة هائلة.
وبحسب التقرير، هبطت احتياطيات البنك المركزي بمقدار 14.5 مليار دولار أمريكي بين كانون الثاني/ يناير وتموز/يوليو، وقابل هذا التراجع زيادة في حيازات الذهب.
وانخفضت أصول البنك المركزي بمقدار 3.2 مليارات دولار أمريكي خلال نفس الفترة (و250 مليون دولار أمريكي أخرى في تموز/ يوليو)، مع انخفاض احتياطيات البنك المركزي المصري بمقدار 8 مليارات دولار أمريكي منذ نهاية كانون الثاني/ يناير، مما يساهم جزئيًا في مطالب سداد الدين العام.
وأظهرت بيانات البنك المركزي المصري، تراجع رصيد الاحتياطي النقدي الأجنبي إلى 33.143 مليار دولار بنهاية تموز/يوليو الماضي، مقابل 45 مليار دولار في 2020.
وما يزيد من حجم القلق هو استمرار انخفاض حجم الاحتياطي النقدي لمصر مقابل النمو المتسارع لمعدلات الدين الخارجي، حيث تراجعت نسبة الاحتياطي النقدي في البلاد إلى حجم الدين الخارجي من 43 بالمئة في عام 2017 إلى 29.6 بالمئة عام 2020، وهو أسوأ مستوى له منذ العام 1991.
ومن جانبهم، ربط نشطاء على مواقع التواصل الاجتماعي بين التمهيد الإعلامي بموجة غلاء قادمة الشهر المقبل، وبين قرب اتخاذ عدد من القرارات الاقتصادية المؤلمة المرتقبة على خلفية قرض صندوق النقد الدولي، وفي مقدمتها تعويم الجنيه أو تخفيض قيمته.
كشفت صحف مصرية محلية عن حجم القرض المتوقع الحصول عليه من صندوق النقد الدولي، بعد العديد من التكهنات حول حزمة الدعم التي تسعى لها القاهرة، وذكرت أنه يبلغ ثلاثة مليارات دولار، لاستكمال برنامج الإصلاح الاقتصادي.
ونقلت وسائل الإعلام المحلية عن مصادر مطلعة أن “التفاوض وصل إلى المراحل النهائية، وأنه من المنتظر أن يتم التوقيع على اتفاق القرض خلال الفترة المقبلة، بعد استكمال بعض الإجراءات الروتينية”، مشيرة إلى أن الجانب المصري فشل في الحصول على مبلغ بين 5 إلى 10 مليارات دولار.
لكن، ورغم قيمة المبلغ القليلة نسبيا مقارنة بالأزمة التمويلية، إلا أن مسؤولي صندوق النقد الدولي طالبوا بتحقيق 4 شروط؛ أبرزها رفع الدعم بشكل كامل عن المحروقات، والخبز، لخفض عجز الموازنة، وتثبيت سعر الفائدة لكل القطاعات، ورفع الدعم عن فوائد المبادرات للقطاعات المختلفة، وتحرير سعر صرف الدولار مقابل الجنيه المصري بشكل كامل.
من بين الشروط، بحسب المواقع المحلية، خروج الحكومة من القطاعات الإنتاجية المختلفة وإحلالها بالقطاع الخاص، لافتة إلى أن الجانب المصري لم يوافق على كل الشروط، وخاصة الجزء الخاص برفع الدعم بشكل كامل خاصة رغيف الخبز للحفاظ على الاستقرار، وهو ما ألمح إليه الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي في وقت سابق.
يرجّح بنك دويتشه أن تميل مصر إلى خفض قيمة عملتها تدريجيا إذا تضمنت صفقة صندوق النقد الدولي التزامًا بمزيد من المرونة في سعر الصرف. وحسب ما ذكره آنا فريدمان وكريستيان ويتوسكا من دويتشه بنك ريسيرش في تقرير فإن “البنك المركزي المصري يواجه تحديا صعبا وموازنة أصعب”.
وقبل أسبوع، قالت وكالة “بلومبيرغ” الأمريكية، إن المستثمرين الأجانب طالبوا مصر بتخفيض عملتها المحلية مجددا قبل عودتهم إلى السوق المصرية، وذلك بعد خمسة أشهر من آخر تخفيض في قيمة الجنيه.
وأشارت الوكالة في تقرير لها، إلى أن مصر أصبحت وجهة رئيسية للأموال الساخنة من خلال ربط عملتها بالدولار وامتلاك أحد أعلى معدلات الفائدة في العالم بعد احتساب التضخم.
ويقول المستثمرون، بحسب الوكالة، إن البنك المركزي بحاجة إلى إضعاف العملة مجددا قبل عودتهم إلى السوق المصرية، وذلك بعد سحب نحو 20 مليار دولار من سوق الدين المحلي منذ بداية العام. لكن البنك المركزي نفى احتمال حدوث جولة ثانية من تخفيض قيمة العملة.
ونقلت “بلومبيرغ”، عن رئيس الديون السيادية للأسواق الناشئة في شركة “أبردين” في لندن، إدوين غوتيريز، قوله إن “القاهرة يجب أن تتقبل فكرة تخفيض قيمة عملتها أكثر. فلا أحد يريد الدخول بتعديل غير كامل لسوق العملات الأجنبية”.