غزة.. الإعمار عقب الدمار.. غراس يفتقد الرعي العربي ويعاني الحصار
نسبة ما تم إعماره من المنشآت التي دمرها الاحتلال الصهيونية في عدوانه قبل الأخير على قطاع غزة الذي وقع في مايو/أيار 2021، لا يتجاوز 40% منها، غير أنّ الشروع في إعمار ما دمّره العدوان الأخير الذي وقع مطلع آب/أغسطس الجاري، لم يبدأ بعد.
ودمّر الاحتلال -وفق وكيل وزارة الأشغال ناجي سرحان- في عدوانه الأخير الذي استمر ثلاثة أيام، 25 وحدة سكنية كليًّا، و80 وحدة جزئيًّا بليغًا غير صالح للسكن، ونحو ألفي وحدة سكنية تضررت جزئيًّا ما بين طفيف إلى متوسط.
وركز الاحتلال في اعتداءاته الماضية خلال عامي 2014 و2021 على تدمير منازل وأبراج ومنشآت مدنية بأكملها؛ حيث استفتح عدوانه الأخير في أغسطس الجاري باستهداف شقة سكنية في برج فلسطين السكني في حي الرمال وسط مدينة غزة، حيث خلّفت الغارة عددًا من الشهداء والجرحى كان أبرزهم القيادي في حركة الجهاد الإسلامي تيسير الجعبري، عدا عن تضرر أجزاء كبيرة من البرج ومن المباني والمحال التجارية المجاورة.
وفي اليوم الثاني، استهدفت الطائرات الحربية الإسرائيلية بقنابل ثقيلة منزلين لعائلتي شملخ وخليفة في أحياء مختلفة في مدينة غزة، حيث يتألف كل منزل منهما من ثلاثة طوابق ويقطنهما ما يزيد على 50 فرداً، حيث تحول المنزلان إلى كومة من الركام وتشرد ساكنوه، كما لحقت أضرار جسيمة بمنازل المواطنين المجاورة.
ووفق مراقبين ومحللين؛ فإنّ تدمير المنازل والمنشآت السكنية يعد أبشع ما يتعرض له الفلسطينيون في غزة والضفة والقدس أيضاً بعد عمليات القتل شبه اليومية التي لا تتوقف من قوات الاحتلال الصهيوني بحق الفلسطينيين عمومًا.
ويواجه الفلسطينيون خاصة في قطاع غزة معاناة كبيرة في إعادة إعمار منازلهم، بسبب شحّ الدعم العربي والدولي من جهة وخاصة في السنوات الأخيرة، وبسبب الحصار وشح مواد الإعمار وغلاء أسعارها من جهة أخرى.
حتى أولئك الذين يتمكنون من الحصول على منح خاصة بإعمار منازلهم يوضَعون ضمن جداول محددة تشرف عليها الجهات القائمة على الإعمار بغزة؛ حيث يبقى كثير منهم على قوائم الانتظار من أجل إعادة إعمار منازلهم.
الدمار يفوق الإعمار
المدير العام للإعمار وشؤون المديريات بوزارة الأشغال والإسكان العامة بغزة، المهندس محمد عبود، أكّد أنّ نحو ألف وحدة سكنية لم تُبنَ من أصل 1700 وحدة مدمرة خلال عدوان 2021، وألف وحدة سكنية من العدوانات السابقة؛ ليصل مجموع الوحدات السكنية التي لم تبنَ حتى الآن إلى نحو 2300 وحدة، لم يتوفر تمويل لإعادة إعمارها حتى الآن، حيث تقدر تكلفتها بقرابة 100 مليون دولار، بالإضافة إلى تعويضات الأضرار الجزئية السكنية والتي تقدر بقرابة 110 مليون دولار.
وبين أنه يوجد نحو 70 ألف وحدة سكنية متضررة جزئيًّا من عدوانات 2014 و2021 و2022.
وأشار عبود، إلى أهم المعيقات التي تواجهها وزارته في ملف إعادة الإعمار؛ وهي عدم وجود تمويل يغطي إعادة الإعمار، وعدم وجود آلية انتقال سلس لأموال المانحين للقطاع، لافتاً إلى أن هناك معيقات في تحويل هذه الأموال، مضيفاً: “لو توفر التمويل فإن هناك معيقات أمام تحويل هذه الأموال للقطاع”.
ونبّه عبود إلى عدم وجود جهات داعمة لإعادة إعمار الأبراج التي دمرت في عدوان 2020-2021، وهي أكثر من عشرة أبراج، لافتاً إلى أن هناك أبراجاً مدمرة من حروب سابقة ما زالت على حالها ولم يعَد بناؤها.
وناشد عبود دول مجلس التعاون الخليجي وخصوصاً المملكة العربية السعودية والكويت، الذين كانت لهم إسهامات كبيرة وأساسية في إعمار ما دمره الاحتلال بعد عدوان 2014، كما دعا دول الاتحاد الأوروبي والدول الصديقة، إلى تقديم الدعم العاجل واللازم لاستكمال برامج الإعمار حتى يتم إيواء الأسر التي شردت من بيوتها والتخفيف من آلامها ومعاناتها.
فرص الإعمار
وحول فرص الإعمار والتعويض بعد العدوان الأخير، والذي عادةً ما يتعطل كما كل الحروب السابقة، يرى المختص في الشأن الاقتصادي عيسى سعد الله، أنه درجت العادة بأن تنفيذ عملية إعادة الإعمار في قطاع غزة مرهونة بموافقة الاحتلال الإسرائيلي، والتي تتخذها ذريعة وورقة ضغط وابتزاز من أجل الضغط على حركة حماس وإجبارها على تقديم تنازلات سياسية وأمنية في ملفات عدة يعدّها الاحتلال مهمة بالنسبة له، وخصوصًا ملف جنودها الأسرى لدى الحركة، وكذلك فرض حالة من الهدوء والتهدئة طويلة الأمد.
ويقول سعد الله، إنّ “الاحتلال الإسرائيلي لن يسمح بتسريع عملية الإعمار كما حدث في العدوانات السابقة، والتي تسير حتى الآن بطيئًا جدًّا، ومن خلال قنوات مانحة محددة على رأسها قطر وأونروا في عملية إعادة بناء المنازل المدمرة كليًّا، والتي لم ينجَز نحو ثلث ما تم تدميره خلال عدوان مايو 2021، والبالغ عددها نحو 1700 منزل، فضلاً عن آلاف المواطنين ممن تعرضت منازلهم لأضرار مادية جزئية بدون تعويضات حتى اللحظة.
وفيما يخص إعمار ما تم تدميره خلال العدوان الأخير، فيعتقد سعد الله أنه يمكن التوافق مع عدد من الجهات المانحة المؤثرة على إلحاقه بملف إعمار عدوان 2021، بسبب حجم الدمار المحدود الذي حل بالمنازل مقارنة بالعدوانات السابقة.
وأوضح سعد الله أنه بإمكان المؤسسات المحلية والدولية العاملة في قطاع غزة تنفيذ إعمار هذه المنازل من خلال مشاريع مشابهة لمشاريع أخرى نفذتها على مدار السنوات الماضية؛ حيث لم يستبعد أن تعلن بعض هذه المؤسسات عن تنفيذ مشاريع للبدء بعمليات إعمار وتعويض للمتضررين من العدوان الأخير.