وسط حالة من الضبابية وتدفق كبير للهجرة نحو أوروبا.. كيف تبدو تونس بعد عام من الإجراءات الاستثنائية؟
تبدو ملامح المرحلة القادمة في تونس قاتمة لدى مراقبين ينتظرون خريفا احتجاجيا نتيجة تفاقم الشعور بالإحباط من أن المشهد السياسي الجديد مع الرئيس قيس سعيّد “فشل” في إيجاد الحلول، فيما يتوقع آخرون تغييرا وزاريا لإصلاح الأوضاع قبل فوات الأوان.
وينتقد مراقبون ضعف أداء السلطة، سواء ممثلة في رئيس الجمهورية قيس سعيّد أو حكومته التي تقودها نجلاء بودن، معربين عن تخوفهم من تعمق الأزمة السياسية والاقتصادية والاجتماعية في الفترة المقبلة، وسط غياب أي بوادر انفراج في الأفق القريب.
كيف تبدو تونس بعد عام من الإجراءات الاستثنائية؟
الناطق باسم المنتدى التونسي للحقوق الاقتصادية والاجتماعية رمضان بن عمر يتوقع أن تتخبط المرحلة القادمة في دوامة التوتر الاجتماعي مع حلول الخريف والشتاء، مقدرا أنه إذا لم تتحقق استفاقة من السلطة القائمة بعد عام من الإجراءات الاستثنائية فستعيش تونس أزمة لا يمكن توقع عقباها.
ويؤكد الناشط الاجتماعي أن الأزمة الاقتصادية والاجتماعية الراهنة ستلقي بظلالها على الفترة القادمة، خاصة على الفئات الأكثر هشاشة التي بدأت تدرك حجم الضرر الحاصل بعدما كانت تتوسم خيرا بأن يصلح سعيّد الأوضاع نحو الأفضل.
وتستعد فئات اجتماعية عدة للدخول على خط المواجهة مع السلطة القائمة -كما يقول بن عمر- بسبب عدم إيفائها بالتزاماتها، سواء مع النقابات العمالية أو مع الفئات الأخرى الأكثر هشاشة، مثل أصحاب الشهادات العليا الذين أدارت السلطة لهم ظهرها رغم طول فترة البطالة لديهم.
متى بدأت بوادر الاحتجاج؟
ومع إعلان الحكومة عن استعدادها للشروع في الإلغاء التدريجي للدعم الحكومي على المواد الاستهلاكية أملا في الاقتراض من صندوق النقد ستتأثر فئات واسعة من التونسيين بارتفاع نسبة التضخم والفقر، مما يهيئ الأسباب لغليان داخلي يمهد لانفجار، بحسب تعبير بن عمر.
ويشير الناطق باسم المنتدى التونسي للحقوق الاقتصادية والاجتماعية إلى أن بوادر الاحتقان في المرحلة القادمة ظهرت منذ الصيف مع تصاعد الهجرة غير النظامية التي يعتبرها شكلا من أشكال الاحتجاج على تردي الأوضاع ونوعا من الإحباط من المشهد السياسي الجديد الذي لم يقدم بدائل لما قبل 25 يوليو/تموز 2021.
ويتوقع بن عمر أن يستمر الوضع المأساوي للهجرة غير النظامية باتجاه سواحل أوروبا في المرحلة المقبلة مع تسجيل حوادث غرق في عرض البحر، معتبرا أن أداء الرئيس قيس سعيد أصبح جزءا من الأسباب الدافعة للهجرة بسبب ضعف أدائه وغياب برامجه.
ما المخاطر الاقتصادية والمالية على تونس في المرحلة القادمة؟
بحسب الخبير عز الدين سعيدان، فإن الوضع من الناحية الاقتصادية سيكون “خطيرا” في المرحلة القادمة، فاستنادا إلى تقارير عدة تتربع تونس ضمن الدول المعنية بخطر التعثر في تسديد دينها الخارجي بسبب اختلال توازناتها المالية وعدم قدرتها على تعبئة موارد بالعملة الصعبة.
وكانت تونس تخطط للحصول على قرض من صندوق النقد بقيمة 4 مليارات دولار مع نهاية مارس/آذار الماضي، لكن حتى الآن لا يوجد اتفاق مع الصندوق، وإذا فشلت المفاوضات فلا خيار لتونس سوى الذهاب لنادي باريس وإعادة جدولة دينها، وفق قوله.
سؤال بلا جواب: كيف ستمول الحكومة نفقات ما تبقى من موازنة 2022؟
قبل نهاية السنة الجارية يبقى هنالك سؤال مطروح في ذهن هذا الخبير دون جواب، وهو كيف ستمول الحكومة الحالية نفقاتها لما تبقى من السنة الحالية في ظل تعثر الدولة في تعبئة موارد كافية وعدم التوصل إلى اتفاق ملموس مع صندوق النقد الدولي حتى الآن؟
وبالنسبة إليه فإن المرحلة القادمة ستكون خطيرة على مستقبل البلاد في ظل ارتفاع عجز الموازنة وصعوبة الاقتراض من الخارج بسبب تدحرج التصنيف الائتماني لتونس 9 مرات منذ سنة 2011، مما سيلقي بظلاله على قدرة الدولة على ضمان التزود بالسلع من الخارج.
المشهد المألوف الجديد في تونس: ندرة السلع وطوابير أمام محطات البنزين
تعيش تونس منذ فترة على وقع أزمة ندرة المحروقات وسلع عدة كالسكر والزيت النباتي والأرز وغيرها، وأصبحت رؤية طوابير أمام محطات البنزين مشهدا مألوفا نتيجة النقص الحاصل في التزود بالمحروقات، لوجود أزمة مالية في شركة التكرير الحكومية وغلاء الأسعار عالميا.
ويقول سعيدان، إن جل المؤسسات العمومية التي تبرم صفقات لتوريد السلع من الخارج فقدت ثقة المزودين والمانحين، مما يفسر شح العديد من المواد الأساسية، ومنها بعض الأدوية، في حين تظل السلطة في وضع المتفرج دون إجراءات توقف النزيف على الأقل.
الاقتراض أمام الرفع التدريجي للدعم الحكومي على السلع
وحتى في حال تم توقيع الاتفاق مع صندوق النقد يستبعد سعيدان أن تحصل تونس على قرض بقيمة 4 مليارات دولار، وكل ما قد تحصل عليه هو مبلغ قد يصل بحد أقصى إلى ملياري دولار بحسب نظام الحصص المعتمدة في الصندوق، وهو تمويل ضئيل أمام حجم النفقات.
وستكون تكلفة الاقتراض من صندوق النقد باهظة، ولا سيما على الفئتين المتوسطة والفقيرة مع إعلان الحكومة عن توجهها لإلغاء الدعم تدريجيا وتوجيهه لمستحقيه الفعليين كما تقول، مؤكدا أن إلغاء الدعم سيزيد معدلات التضخم والفقر، وهو ما سيخلق حالة من الاحتقان.
المرحلة القادمة بعيون معارضي قيس سعيّد: الانفجار على وشك الحدوث
سياسيا، يتوقع عصام الشابي الأمين العام للحزب الجمهوري المعارض للرئيس حدوث انفجار اجتماعي وشيك، لأن تونس مقدمة على مرحلة صعبة، في ظل تدهور ظروف العيش وارتفاع الأسعار ومواصلة سعيّد ما اعتبرها سياسة الهروب إلى الأمام للتفرد بالسلطة.
ويقول الشابي، إن سعيّد يسعى لصياغة قانون انتخابي بشكل انفرادي على شاكلة الدستور الذي عرضه على الاستفتاء، مؤكدا أن تونس لا تسير في مسار انتخابي، وإنما في مسار أزمة سياسية عميقة بسبب المتاهات التي وضعها فيها قيس سعيّد.
هل تشارك الأحزاب المعارضة في المسار الانتخابي الذي سيعده الرئيس؟
يستبعد الشابي مشاركة الأحزاب في أي عملية سياسية في إطار “دستور انقلابي وقانون انتخابات يمهد لإرساء النظام القاعدي بهدف إضعاف دور الأحزاب وتلخيص الدولة في شخص الرئيس، وفي إطار انتخابات لن تتوفر على أي مقومات للنزاهة”، وفق تعبيره.
وفي المرحلة القادمة ستزداد مسؤولية المعارضة -وفق الشابي- للتصدي لمشروع قيس سعيّد “الاستبدادي”، مشيرا إلى أنها واجهت الاستفتاء مقسمة رغم توافقها على خطورة مشروع الرئيس، لكن لا خيار لدى المعارضة سوى توحيد صفها في مشروع مشترك لإنقاذ البلاد.
هل ساهم الدستور الجديد لقيس سعيّد في حلحلة الأوضاع؟
استبدل الرئيس قيس سعيّد وجه السلطة بنظام رئاسي بدلا من البرلماني بعد تمريره دستوره الجديد في استفتاء 25 يوليو/تموز الماضي، لكن بدر الدين القمودي القيادي في حركة الشعب (الحزب القومي الموالي للرئيس) يقول إن الدستور بمفرده لن يحل الأزمات.
ويؤكد القمودي، أن لحظة إعلان الرئيس عن تدابيره الاستثنائية في 25 يوليو/تموز 2021 مثلت منعرجا للنهوض بالأوضاع الاقتصادية والاجتماعية المتدهورة، لكن الحكومة لم تترجم في أدائها تلك اللحظة وفشلت في رفع التحديات المطروحة، مما تسبب في تأزيم الأوضاع.
المرحلة القادمة تتشكل من تغيير وزاري مرتقب وقانون انتخابات جديد
يتوقع القمودي أن تشهد المرحلة القادمة تغييرا وزاريا في تركيبة الحكومة، آملا في تشكيل حكومة إنقاذ وطني تأخذ بعين الاعتبار المخاطر التي تحدق بالبلاد وتبحث عن حلول عاجلة لإصلاح ما يمكن إصلاحه ووقف النزيف الاقتصادي والاجتماعي قبل فوات الأوان.
ويأمل أيضا أن يكون مشروع قانون الانتخابات -الذي أعلن سعيّد عن صياغته بعد تمرير الدستور- تتويجا لحوار مجتمعي، وألا يصاغ بشكل انفرادي حتى يحظى بتوافق سياسي قبل موعد الانتخابات القادمة في 17 ديسمبر/كانون الأول 2022.