اللاجئون في الأردن.. البحث عن سبل تجنب أزمة إنسانية مرتقبة
يقف مئات آلاف اللاجئين في الأردن أمام مصير مجهول، بانتظار أن يستجيب المجتمع الدولي بشكل إيجابي، مع تحذير الأمم المتحدة من تحول أوضاعهم إلى أزمة إنسانية في غضون أشهر؛ إذا لم يتوافر التمويل اللازم لملفهم بشكل عاجل.
والاثنين؛ حذرت المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين في عمّان، من حدوث أزمة إنسانية في صفوف اللاجئين في الأردن، في حال لم يتم توفير مبلغ 73 مليون دولار، وهو “ما ينقصها وحدها لتنفيذ البرامج الصحية والنقدية الأساسية خلال ما تبقى من عام 2022”.
وأوضح ممثل المفوضية في الأردن، دومينيك بارتش، في بيان، أن اللاجئين لا يزالون “يعانون من الآثار الاقتصادية الناجمة عن جائحة كورونا، وارتفاع تكلفة المعيشة، إضافة إلى ارتفاع تعرفة الخدمات”، مشددا على أنه “إذا لم يتم اتخاذ أي إجراء الآن؛ فستكون المعاناة الإنسانية والتكلفة للمجتمع الدولي أكبر بكثير”.
وأثارت تصريحات بارتش تساؤلات حول الأسباب الكامنة وراء تراجع الدعم الدولي المقدم للاجئين، وخطورة تحول أوضاعهم إلى أزمة إنسانية، وانعكاسات ذلك على الأردن، وسبل تجنب الوصول إلى أزمة كهذه.
الأسباب والتبعات
وزير الإعلام الأردني الأسبق، سميح المعايطة، يرى أن التحذير الأممي ليس جديدا، فقد صدر بصيغ أخرى خلال الأسابيع والأشهر الماضية، حيث تحدثت المفوضية عن نقص الدعم المالي المقدم لها، والمخصص للاجئين، خصوصا السوريين الذين يمثلون الكتلة الأكبر في المملكة.
وقال إن “هذا التحذير نتيجة طبيعية للتناقص التدريجي الذي طرأ على الدعم المقدم للدول المستضيفة، أو للاجئين في هذه الدول”، مؤكدا “تزايد الإهمال الدولي لملف اللاجئين السوريين، سواء الموجودين في الأردن، أو في دول أخرى بالإقليم”.
وأضاف أن “الخطورة في هذا الموضوع؛ هو الأعداد الكبيرة من اللاجئين الموجودين في كل من الأردن ولبنان وتركيا، حيث إن تلاشي الدعم يعني حصول ضغط على فرص العمل في هذه البلدان، لتأمين متطلبات اللاجئين من طاقة ومياه ومسكن وغذاء”.
وأوضح المعايطة أن “عدم توفير متطلبات الحياة الكريمة لهؤلاء اللاجئين؛ يعني تحولهم إلى مجتمعات بشرية لا تعاني من الحرمان وحسب، إنما أيضا من ظروف صعبة جدا، خصوصا أننا نتحدث عن أعداد بالملايين”، لافتا إلى “قسوة الأوضاع التي يعيشها اللاجئون حاليا مع توفر شيء من الدعم، فكيف سيكون حالهم إذا تلاشى الدعم كله؟”.
وأشار إلى أن “الأردن من الدول التي دفعت ثمنا كبيرا لاستضافة اللاجئين، فنحن نتحدث عن بلد قرابة الـ20 بالمئة من سكانه دخلوا عليه جراء الأزمة السورية، وهذه نسبة عالية جدا بالنسبة لبلد صغير مثل الأردن”.
وبيّن المعايطة أن “الشقيق السوري ليس بحاجة إلى خيمة أو بيت فقط، فهو يحتاج أيضا إلى طاقة ومياه وتعليم وصحة وعمل، والمملكة تحملت كل هذه الأعباء بمساعدة المجتمع الدولي، الذي بدأ يتناقص دعمه شيئا فشيئا، وكلما قلّ هذا الدعم زاد الضغط على الموازنة الأردنية”.
من جهته؛ قال المختص بالشؤون الإنسانية والإغاثية، زايد حماد، إن تراجع دعم المجتمع الدولي للاجئين في الأردن، سببه توجيه هذا الدعم بشكل كامل إلى الأزمة الأوكرانية، مشيرا إلى أن حجم الإنفاق الأوروبي خلال الأشهر الأربعة الماضية على اللاجئين الأوكرانيين بلغ 17 مليار دولار.
وأضاف أن المفوضية أرادت بهذا التحذير لفت انتباه المجتمع الدولي إلى وجود كارثة مرتقبة للاجئين في الأردن، فهي اليوم باتت لا تملك شيئا تقدمه لهم، وتحاول تحفيز الدول لتقديم المساعدات اللازمة لتجنب الوقوع في أزمة إنسانية حقيقية.
ورأى حماد أنه “في حال حصلت أزمة إنسانية في صفوف اللاجئين بالأردن؛ فستكون ثمة انعكاسات سلبية كبيرة على المملكة”، لافتا إلى أن “حدوث أزمة في الأمن الغذائي سيؤدي إلى أزمات أخرى نفسية واجتماعية وأمنية في المجتمع”.
سبل تجنب “الأزمة الإنسانية”
ووفق بيان مفوضية شؤون اللاجئين؛ فإنه يزداد الشعور بين اللاجئين بأنهم مُجبرون على اقتراض المال لشراء الطعام أو دفع الإيجار، حيث تظهر الأرقام الأخيرة أن 85 بالمئة من أسر اللاجئين السوريين، و93 بالمئة من اللاجئين من الجنسيات الأخرى، كانوا مدينين خلال الربع الأول من العام 2022.
وتعرّض جميع اللاجئين المقيمين خارج المخيمات لتهديدات بالإخلاء ثلاث مرات أكثر مما تعرّضوا له في العام 2018، فيما ارتفعت نسبة انعدام الأمن الغذائي بين اللاجئين، حيث صرّح 46 بالمئة من الآباء اللاجئين بأنهم خفّضوا حصصهم من الغذاء حتى يتمكّنوا من تأمين ما يكفي أطفالهم الصغار على المائدة.
وتشير المفوضية إلى أن هذه الأوضاع “تدق ناقوس الخطر”، وترسل “إشارة تحذير واضحة بشأن التراجع السريع في الدعم الدولي”.
وحول سبل تجنب حصول أزمة إنسانية للاجئين في المملكة؛ قال زايد حماد إنه “لا سبيل سوى تضامن الدول العربية والإسلامية والمجتمع الدولي مع الأردن”.
وبين أن الأردن أنفق على تبعات الأزمة السورية منذ بدايتها في آذار/ مارس 2011 ولغاية اليوم أكثر من 15 مليار دولار، “والوضع الاقتصادي في المملكة لا يسمح بتقديم المزيد”.
ولفت حماد إلى أهمية “إعادة تسويق ملف اللاجئين أمام الدول المانحة، كي تقوم بدورها تجاههم، بدل سعيها إلى دمجهم في الأردن الذي يعيش أزمة اقتصادية صعبة”.
وأشار إلى أن العديد من الدول والمنظمات تدفع باتجاه إعادة اللاجئين السوريين إلى بلادهم بحجة أن الحرب انتهت، رغم المخاطر التي تنتظرهم في حال عودتهم، مشيرا إلى أن الأردن يرفض إجبار اللاجئين على العودة إلى بلادهم دون حلول سياسية.
من جهته؛ رأى الوزير المعايطة أن “سبيل الخروج من الأزمة ليس سهلا، فنحن لا نتحدث عن أزمة بسيطة، إنما نتحدث عن موقف دولي بدأ الملف السوري يخرج من اهتماماته، وهذا أمر خطير وصعب، فالدول التي كانت تقدم دعما ماليا وغذائيا ومواد عينية ومشاريع للتعليم والمياه والطاقة، أدارت ظهرها للاجئين”.
ونوه إلى أهمية وجود جهد وتنسيق مشترك بين الدول المستضيفة (الأردن ولبنان وتركيا) ودول أخرى، من أجل استعادة الدعم الدولي لملف اللاجئين، إلى أن يكون هناك حل سياسي للأزمة السورية، وهو أمر متعسر حاليا، ويحتاج تحقيقه إلى وقت طويل.
وأضاف المعايطة أن الدول المستضيفة تحتاج إلى إعادة تنشيط جهودها لجلب الدعم مرة بعد مرة، وإذا ما استمر المجتمع الدولي في إهمال هذا الملف؛ فإن على هذه الدول أن تواجه مصيرها في تحمل عبء هذه الأزمة بالكامل.
وحول عودة اللاجئين إلى بلادهم كحل لهذه الأزمة؛ قال الوزير الأردني إن ثمة عقبات كبيرة أمام هذه العودة، كفقدان هؤلاء اللاجئين لأماكن سكنهم في سوريا، وطبيعة علاقتهم مع الدولة السورية، والمخاطر الأمنية التي تترتب على ذلك.
يشار إلى أن الأردن يستضيف نحو 760 ألف لاجئ، معظمهم سوريون (670 ألفا)، وعراقيون ويمنيون، بالإضافة إلى اللاجئين من جنسيات أخرى، بينما تؤكد الحكومة الأردنية أن المملكة استضافت أكثر من 1.3 مليون سوري منذ بداية الأزمة في 2011، من أصل أكثر من خمسة ملايين لاجئ سوري في الأردن ودول مجاورة.