تقرير| حزب الله وإسرائيل.. تصعيد مع قرب استخراج الغاز الحدودي
– التصعيد هو حرب نفسية لتوظيفه داخلياً في كلّ من لبنان وإسرائيل
– لبنان وإسرائيل غير مستعدان لتصعيد واسع.
– التصعيد لضمان تنازلات من جانب الطرفين بملف ترسيم الحدود
ينتظر لبنان الردّ الإسرائيلي على مقترح تسوية الخلاف البحري بين الجانبين، مع بدء الوسيط الأميركي في المفاوضات غير المباشرة “آموس هوكستين” عرضه على المسؤولين في تل أبيب.
يأتي ذلك وسط تفاؤل بقرب التوصل إلى تسوية لا يعارضها حزب الله، عكس ما يبديه من تصعيدٍ كلاميّ.
وفي يونيو/حزيران 2022، استعانت إسرائيل بسفينة يونانية مخصّصة لإنتاج الغاز وتصنيعه وتخزينه، حيث بدأت التحضيرات لاستخراج الغاز من حقل “كاريش” الذي يقع عند الحدود بين لبنان وإسرائيل.
ومع اقتراب موعد بدء ضخ الغاز في سبتمبر/أيلول المقبل، يزداد التصعيد في التصريحات من جانب جماعة “حزب الله” من جهة، والمسؤولين الإسرائيليين من جهةٍ ثانية.
ومطلع أغسطس/آب الجاري، قال مصدرٌ لبنانيّ رفيع المستوى للأناضول، إن لبنان أكد لـ هوكستين تمسّكه بالخط 23 الحدودي وحقل “قانا” النفطيّ كاملاً، ورفضه مشاركة استخراج الغاز وعائداته مع إسرائيل.
في 11 من الشهر الحالي، أوضح نائب رئيس مجلس النواب اللبناني إلياس بو صعب، أن “الاعتداء على قطاع غزة أخّر ملفّ الترسيم (الحدود)، وليس لدينا وقتٌ مفتوح إلى ما لا نهاية، وحفاظًا على الاستقرار من المفترض أن تنتهي المهلة قبل سبتمبر/أيلول المقبل”.
وفي 26 يوليو/تموز 2022، هدّد الأمين العام لـ”حزب الله”، حسن نصر الله، بأنه “لا يوجد هدف إسرائيلي في البحر أو في البر لا تطاله صواريخ المقاومة الدقيقة”.
وقال نصر الله في كلمة متلفزة بثتها وسائل إعلام محلية، إن “المطلوب الالتزام بالحدود التي تطلبها الدولة اللبنانية ورفع الفيتو عن استخراج النفط والغاز في لبنان، وشدّد أن “المهلة غير مفتوحة، وإنما حتى أيلول المقبل”.
بين هذا وذاك، يواصل المسؤولون الإسرائيليون و”حزب الله” اللبناني تبادل التهديدات على خلفية الخلاف حول الحدود البحرية، حيث أكد رئيس الوزراء الإسرائيلي يائير لابيد أن “إسرائيل مستعدة لمواجهة أي تهديد من الحزب”، لكنها “لا تريد التصعيد”.
وأضاف لابيد، خلال جولة في المنطقة الحدودية مع لبنان أواخر يوليو/تموز الماضي، أن “من يحاول استهداف إسرائيل أو مواطنيها سيكتشف أنه ارتكب خطأ كبيرًا”، معتبرًا أن “نشاطات حزب الله تعرّض لبنان واللبنانيين للخطر”.
ويتنازع لبنان وإسرائيل على منطقة بحرية غنية بالنفط والغاز في البحر المتوسط تبلغ مساحتها 860 كيلومترًا مربعًا، وفق خرائط مودعة من الطرفين لدى الأمم المتحدة، وتتوسط الولايات المتحدة الأمريكية في المفاوضات غير المباشرة لتسوية النزاع وترسيم الحدود البحرية بينهما.
وكانت مفاوضات “غير مباشرة” انطلقت بين بيروت وتل أبيب في أكتوبر/تشرين الأول 2020، برعاية الأمم المتحدة، بهدف ترسيم الحدود بين الجانبين، حيث عُقدت 5 جولات من التفاوض كان آخرها في مايو/أيار 2021.
وخلال إحدى جولات التفاوض قدّم الوفد اللبناني خريطة جديدة تدفع بحق لبنان في 1430 كيلومترًا إضافيًا، وبأن المساحة المتنازع عليها هي 2290 كيلومترًا، وهو ما رفضته إسرائيل وأدّى إلى توقف المفاوضات.
وبين أكتوبر تشرين الأول 2020 ومايو/أيار 2021، عقد الطرفان 5 جولات من المحادثات في مقرّ الأمم المتحدة بمنطقة الناقورة جنوبيّ لبنان، إلا أن المحادثات جُمّدت لاحقًا بسبب خلافات جوهرية.
واعتبر محللون لبنانيون أن التصعيد بين الجانبين ليس إلا للاستهلاك الداخلي، سواء من جانب “حزب الله” أو من جانب إسرائيل.
فعادةً ما يلجأ السياسيون في إسرائيل إلى توظيف العداء مع حزب الله كلما كانت مقدمةً على انتخابات برلمانية مبكرة، كما هو حالها الآن، فيما وضع محللون تصعيد حزب الله في خانة الضغط على الحكومة اللبنانية لتحسين شروط تفاوضها مع إسرائيل في ظلّ الأزمة الاقتصادية.
التسوية ممكنة
المحللّ السياسي المقرّب من حزب الله ” غسان سعود”، رأى في حديث للأناضول، أن المهلة التي أعطاها حزب الله مرتبطة بموعد بدء استخراج الغاز من حقل كاريش الذي حددته إسرائيل بحلول أيلول”.
واعتبر أن المهلة يمكن أن “تُفتح ويمكن تأجيلها في حال أجّلت إسرائيل استخراج الغاز لمزيد من التفاوض أو لأيّ سبب، سواء بسبب الانتخابات البرلمانية المبكرة أو تأليف حكومة جديدة”.
ولكن سعود عاد وأشار إلى أن “هذا لا يعني أن إسرائيل تستطيع تأجيل 6 أشهر أو أكثر ظنًّا منها أن الضغط الأمنيّ والعسكري من قبل حزب الله سيتراجع”، مشيرًا إلى أن “ضغط حزب الله هو تصاعديّ منذ أكثر من شهرين بأشكال مختلفة لإيصال الرسائل إلى الجانب الإسرائيلي”.
من جهته رأى الباحث السياسي “أمين قمورية”، أن “العمل العسكريّ غير وارد في الوقت الحاليّ، وإذا كان هناك عمل عسكري لا بد منه سيكون محدودًا جدًا وينتهي بردٍّ محدودٍ جدًا”.
ورأى أن “الغاية من تهديد حزب الله ورفع مستواه هي الضغط على الحكومة اللبنانية لمنع استغلال إسرائيل للظروف الاقتصادية والمعيشية الخانقة التي يمرّ بها لبنان، واستخدامها ذريعة لتقديم تنازلات”.
وتابع “الطرفان، إسرائيل وحزب الله، لا يريدان الحرب لأسباب داخلية، وخاصة إسرائيل المقبلة على انتخابات برلمانية مبكرة ومن ثم تشكيل الحكومة”.
ورجّح أن “تذهب الأمور في هذا الموضوع إلى تأجيل وليس تفجير، لأنه لا أميركا ولا إسرائيل ولا لبنان بحاجة إلى مشكلة جديدة، وإنما التسوية واردة وكذلك سحب فتائل الانفجار مثل توقف العمل بحقل كاريش بانتظار تسوية ما”.
أما المحلل السياسي الصحافي المعارض لحزب الله “طوني بولس”، رأى أن كلّ هذا التصعيد بين حزب الله وإسرائيل حربٌ نفسية وكلامية يستفيد منها الطرفان، وخاصة إسرائيل القادمة على انتخابات برلمانية مبكرة، وهي لا تقدم على أيّ حرب تجاه لبنان او حزب الله تحديدًا.
وقال إن “إسرائيل قد تلجأ إلى توتير الأوضاع عبر أحداثٍ أمنية محدودة لتستفيد منها في الانتخابات، والأمر نفسه بالنسبة لحزب الله المتأزّم داخليًا وخاصةً مع بيئته نتيجة الوضع الاقتصادي المتردّي الذي وصل إليه لبنان.
بدروه قال الخبير العسكري العميد المتقاعد “ناجي ملاعب”، إن “تصعيد حزب الله هو مزايدة لم تكن في محلّها قانونيًا وشرعيًا ودوليًا، لأنه أعلن مرارًا أنه خلف قرار الحكومة اللبنانية”.
واعتبر أنه “عندما تنازلت الحكومة اللبنانية عن الخط 29، أصبح حقل كاريش حقلاً إسرائيليًا بالكامل، ما يعني أن المسيّرات التي أطلقها الحزب فوق هذا الحقل بلا معنى وليس لها مبرّر أو مستند رسمي لبناني”.
الترسيم أبعد من الحدود
بحسب ملاعب، “لا يمكننا الحديث عن استخراج النفط والغاز من مياهنا بمعزل عمّا يجري في أوروبا”.
وأكد أن “الهدف الأميركي هو البحث عن بديل للغاز الروسي، وهذا الأمر لم يكن فقط نتيجة الأحداث الأوكرانية الأخيرة”، مشددًا أن “الاهتمام الأميركيّ بالغاز بشكلٍ عام هو ما يحرّك ملفّ الترسيم بين لبنان وإسرائيل”.
وأشار ملاعب إلى أن “تنازل لبنان عن الخط 29 الذي يقع ضمنه جزء من حقل كاريش هو أقصى ما يمكن تقديمه مقابل اعتراف إسرائيل بسيادة لبنان الكاملة على حقل قانا الذي يقع ضمن الخط 23”.
وحول الردّ الأنسب للطرفين المنتظر من الوسيط الأميركي، تساءل ملاعب “هل سيأتي هوكستين بِردّ أن إسرائيل تستخرج الغاز من حقل كاريش مقابل السماح للبنان بالتنقيب في حقل قانا”! وتوقّع أن “هذا سيؤجل المفاوضات بين الجانبين إلى ما بعد الانتخابات الإسرائيلية واللبنانية أيضًا”.
بدوره حذّر الباحث “قمورية من أنه “في حال انتهاء المهلة ولم يأتِ الردّ من قبل إسرائيل، فإن الأمور ستذهب إلى توتر”.
وأوضح أنه “يمكن أن يكون هناك نوعٌ من الإخراج إذا تم تحييد العمل في حقل كاريش ريثما يتمّ الاتفاق على حلّ، وذلك يكون بمثابة تهدئة للطرف اللبناني”.
وقال “قمّورية” إن الأمور ليست لبنانية محض، إنما تتجاوز ذلك إلى ما هو أبعد، وتحديدًا ما يجري في الإقليم وخاصة الاتفاق النووي بين إيران ومجموعة الـ6، إذا كان هناك نوع من التهدئة التي قد يتأثر لبنان بها”.
أين الموقف الرسمي من التصعيد؟
يرى الصحافي “طوني بولس” أن الموقف الرسمي في لبنان حول التصعيد “مُصادَر من قبل الحزب ولا يؤخذ بعين الاعتبار، وحتى مفاوضات الترسيم تمرّ عبر حزب الله بطريقة غير مباشرة”.
في حين يرى الصحافي غسان سعود أن “موقف لبنان الرسمي ينتظر جوابًا من إسرائيل عبر الوسيط الأميركي، وإذا تأخر إلى ما بعد أيلول فلبنان لا يملك وسائل ضغط سوى قوة المقاومة (حزب الله)، فهي الوسيلة الرئيسية التي يستفيد منها لبنان الرسمي”.
وقال سعود إن “إسرائيل لديها انتخابات نيابية وتشكيل حكومة جديدة، الأمر الذي عادة ما يأخذ وقتًا طويلاً، وفي المقابل لبنان مقبل على انتخاب رئيس جديد للبلاد حيث تنتهي ولاية الرئيس الحالي ميشال عون أواخر أوكتوبر/تشرين الأول المقبل، وليس لدى الحكومة (حكومة تصريف الأعمال) صلاحيات لتوقيع اتفاقيات مثل ترسيم الحدود”.
لبنان لا يستطيع تحمّل تصعيد عسكري
شدد الصحفي طوني بولس على أن “لبنان لا يستطيع أن يتحمّل في هذه الظروف أيّ عمل عسكري، وخاصة أنه ما زال يتحمّل أعباء حرب إسرائيل عليه عام 2006”.
وأشار إلى أن “أيّ عملٍ عسكري يُرجع لبنان سنوات إلى الوراء، وخاصة أنه في هذا التوقيت يعاني عزلة عربية ودولية بسبب حزب الله، وتداعيات الحرب ستكون كارثية على لبنان”.
وقال بولس إن “مَن يقرّر توقيت الحرب ليس لبنان الرسميّ، إنما حزب الله أو إسرائيل”.
أما الصحفي “غسان سعود” فقال إن “لبنان ليس لديه أي مستقبل اقتصاديّ أو فرصة للخروج من أزمته دون استخراج الغاز”.
واعتبر أن الغاز الموجود في البحر على السواحل اللبنانية هو الأمل الوحيد للبنان واستثماره الوحيد المعوّل عليه”.
وشدّد سعود على أن “لبنان سيدافع عن حقّه في ثروته بكل الوسائل المتاحة، مهما كانت الأثمان والتكلفة”.
من جهته رأى “قمّورية” أن الأمور ستذهب إلى تسوية ما، لكنه قال إن “لبنان لا يمكنه تحمّل ردّ عسكري في ظلّ هذه الظروف الصعبة التي يعيشها، ولكن مسألة السيادة شيء، ومسألة لقمة العيش شيء آخر”.
لكن الخبير العسكريّ “ملاعب” استبعد “أن تحصل مواجهة شاملة بين إسرائيل وحزب الله”، وأكد أن “إسرائيل تستخدم التصعيد والتهديد لاستغلاله داخليًا في الانتخابات البرلمانية المبكرة، ومن ثم تشكيل حكومة جديدة”.