معركة الوعي (128).. قوائم الأحزاب العربية.. لا جديد سوى المزيد من الفشل الأكيد
حامد اغبارية
كمُقاطعٍ مبدئي – عقائدي – عنيد لانتخابات الكنيست الصّهيوني، وكداعٍ لكافّة أبناء الدّاخل الفلسطيني إلى مقاطعة هذه الانتخابات، فإنه لا يهمنّي، ويجب ألا يهمّني، أشكالُ القوائم العربية التي ستتنافس على مسيرة إدمان الفشل، ولا تهمّني ألوانُها ولا وزنُها النّوعي ولا الكيفي ولا ضخامة أجسام مرشّحيها ولا جمال صورهم. فمبدأ المقاطعة يتعامل مع المسألة بهذه الصّفة، ويتعاطى معها ومع تبِعاتها من خلال فهمه ووعيه للقيَم والثوابت التي يقول كلّ واحدٍ منها إن المشاركة في الكنيست؛ ترشيحًا وتصويتًا، هي عنصرُ هدمٍ لهذه القيم وهذه الثوابت، وكلّما أوغلت تلك الشّريحة من مجتمع الدّاخل في الغوص في مستنقع الكنيست هكذا يزداد حجم الخطر الذي يهدد تلك القيم والثّوابت.
ولكنّك لا تستطيع أن تمرّ مرّ الكرام على ما يجري داخل تلك الأحزاب العربية اللاهثة خلف مجد الكنيست الصّهيوني، لأن ما يجري داخلها ينعكس بالضّرورة على سلوكها السياسي، وهذا بدوره ينعكس على الشّارع، إي على الأفراد وعلى المجتمع، وهو كذلك يعكس حقيقة تلك الأحزاب وحقيقة طموحاتها وأهدافها وأجنداتها السياسية، المستخلصة أساسًا من الفكر الذي تؤمن به. وبالتأكيد- بالنسبة لي على الأقل- فإن هذه الطّموحات والأهداف والأجندات لا تصب مُطلقًا في صالح مجتمعنا؛ لا حاضره ولا مستقبله، ويؤكد ذلك ماضيه المليء بالأزمات والفشل المتتابع، وهو ذلك الماضي الذي لم يشهد إنجازًا واحدًا حقيقيًا يمكن للمرء أن يقول إنه أسهم في رفع شأن مجتمعنا أو في حلحلة أزماته أو في تقدّمه خطوة واحدة للخروج من عنق الزجاجة الذي كان لهذه الأحزاب، الحالية والسابقة، الدّور الرّئيس في إدخالنا فيه.
لا يمكن المرور مرّ الكرام على تكرار المشهد العبثي وتكرار ذات الوجوه وذات الأصوات التي “ستقود المعركة في ساحات الوغى الكنيستية” في المرحلة القادمة!! فقد أثبتت تلك الأحزاب بقوائمها المحنّطة أنها عاجزة حتى عن ضخ دماء جديدة في صفوف قيادتها. وأطرٌ هكذا حالها لا تستطيع أن تتوقع منها، ويجب ألا تتوقع منها، إلّا المزيد من الخيبات، وعليك أن تستعدّ نفسيا من أجل مشاهدة نفس حلقات المسلسل العربي- الإسرائيلي الذي ملّ الناس مشاهدته، من كثرة التكرار على مدار سبعة عقود ويزيد.
إن “إصرار” تلك الأحزاب العربية، التي اختارت الذوبان في المشهد السياسي الهلامي الإسرائيلي، على تكرار ذات الوجوه يحمل مؤشرات على أنها تعاني من أزمة، بل من أزمات، وإن بذلت كلّ جهد في إظهار المسألة على أنها “عُرسٌ ديمقراطيٌّ” هو أقرب إلى مسرح الدُّمى.
وقد كنتَ تستطيع أن تلمس هذه الأزمة لدى جميع الأحزاب الرئيسية، الجبهة والتجمع والموحدة على السواء. فالمواقع الأربعة الأولى احتفظت بها (تقريبًا) نفس الوجوه الحالية.
ويلفت الانتباه- على سبيل المثال لا الحصر- ما صرّح به الدكتور يوسف جبارين، عضو الكنيست السابق عن الجبهة، عشية انتخابات القائمة التي ستخوض الانتخابات القادمة، من أنه تنازل عن ترشيح نفسه حفاظًا على وحدة الصف. وهذا التعبير (الحفاظ على وحدة الصّف) في العلوم السياسية يعني أن وحدة الصّف ليست تحصيل حاصل، بل هي معرّضة للتفكك. وأن هذه الوحدة كان يمكن أن تنفصم فيما لو أن الدكتور جبارين أصرّ على ترشيح نفسه، خاصة وأنه كان هناك حديث عن ترشحه لرئاسة القامة بديلا لأيمن عودة. هذا يعني أن هناك أزمة حادة داخل صفوف الجبهة والحزب الشيوعي؛ الراعي الرسمي لها والقوة المتنفذة المقررة لمصيرها وتشكيلتها، وأنه لولا “العرس الديمقراطي” لكنّا شهودًا على معركة حقيقية تكشف الكثير من الأوراق وتسقط الكثير من الأقنعة التجميلية.
وتستطيع- معي- أن تتخيّل حجم الضغوط التي مورست على الدكتور جبارين خلال الأيام القليلة التي سبقت مؤتمر انتخاب القائمة، وماذا قال وماذا قيل له، وعن كيفية الخروج من المأزق بتصريح إعلامي حول الحفاظ على وحدة الصف، ذلك التصريح الذي فضح (في نظري) حقيقة المشهد. وحقيقة المشهد هي أن الحزب الشيوعي وقياداته المتنفذة هي التي تقرر من سيترشح، وتقرر بشكل خاص من سيكون رئيس القائمة. وقد كانت هناك في الماضي مشاهد مشابهة للمشهد الحالي، منها ما حدث عشية انتخابات 1996، عندما استُبعد عضو الكنيست السابق الراحل هاشم محاميد (جبهوي غير حزبي) من القائمة، التي فرض الحزب عليها رفاقًا حزبيين هم أحمد سعد وتمار غوجانسكي وصالح سليم. ويومها لم يخرج هاشم محاميد بتصريح الحفاظ على وحدة الصف، وإنما استقال من الجبهة (عام 97) ونشر في صحيفة “الاتحاد” مقالا غاضبًا قال فيه من جملة ما قاله إن الجبهة يجب أن تكون جبهة أحزاب وتنظيمات وحركات سياسية لا جبهة حزب واحد. وقد استقال معه عدد لا بأس به من الجبهويين، وأسسوا ما عرف لاحقا باسم “جبهة الوحدة الوطنية”. وهكذا تحولت الجبهة إلى ملحق للحزب الشيوعي، بدلا من أن يكون الحزب الشيوعي جزءًا منها.
وتكرر المشهد عشيّة انتخابات 1999، عندما فرض الحزب الشيوعي على قائمة الجبهة الرفاق الحزبيين في المواقع الأربعة الأولى المضمونة (محمد بركة وعفو اغبارية وتمار غوجانسكي وعصام مخول)، بينما جاء الجبهويون غير الحزبيين (وليد الفاهوم وإيلان بابه) في مواقع غير مضمونة (الخامس والسادس). وهذا أيضا أثار سخط جبهويين كثيرين ما دفعهم إلى الاستقالة من فروع محلية، كما حدث في الناصرة على سبيل المثال، حين استقال جبهويون كثيرون وأسسوا ما عرف باسم “شباب التغيير”.
وإنك إذا نظرتَ إلى قائمة الموحدة (الإسلامية) فإنك ستجد كذلك ذات الوجوه الحالية في مقدمة القائمة. الدكتور منصور عباس (رئيسًا) ووليد طه وإيمان خطب. وهذا تأكيد لما قلته في أكثر من مقال وأكثر من مناسبة: سلسة الأخطاء التي ارتكبها منصور عباس منذ دخوله الكنيست كان يكفي الواحد منها أن يجعل التنظيم الذي يحتضن قائمة يجمده ويستبدله لولا أنَّ…!
… لولا أن منصور عباس إنما كان ينفّذ نهج التنظيم بحذافيره، حتى النخاع. وهذا بحدّ ذاته كارثيّ من حيث الموقف والمبدأ والنّظام وطريقة التفكير ومنهجية الأداء والفهم السياسي. والإسلامية الجنوبية لم تسجّل سبقَا في هذا المجال، فقد سبقتها في العالم العربي والإسلامي حركات وتنظيمات وشخصيّات إسلامية سقطت سقوطًا مدوّيا، عندما انحرفت عن الطريق وحرفت البوصلة واختارت مبدأ طريق السّلامة على مبدأ سلامة الطريق، وكان الثمن باهظًا… جدًا.
في المحصّلة النهائية لم يشهد المسرح العبثي أي جديد، وبقي الحال كما هو، بلا تغيير. وهذا يعني أن النهج – لدى جميع الأحزاب- لن يتغيّر، والخطاب السياسي لن يتغيّر، ومن ثمَّ فإن النتائج لن تتغيّر كذلك. وإذا كنا ننظر إلى النتائج من حيث الإنجازات على أرض الواقع، فإن هذا يعني أن الإنجازات ستكون صفريّة كالعادة.
هذا لا يعني أنه لو تغيّرت الوجوه فإن الواقع سيتغيّر أيضًا.. ربما كان الخطاب هو الذي سيشهد بعض التغيير، لكن الأداء سيبقى يدور حول نفسه، بلا نتائج.
هذا يعني لي على الأقل، ولا بدّ أن يعني لكلّ ذي فطنة وتدبّر، أن لعبة الأحزاب العربية هي ذات لعبة الكنيست الإسرائيلي وذات لعبة الأحزاب الإسرائيلية، وهي اللعبة التي ثبت لمن كان في قلبه مقدار ذرّة من فهم ووعي أنها مجرّد لعبة (خطيرة!!!) يتلهّى بها المفلسون، ويُلهون بها مجتمعنا عن رؤية الطريق الموصل إلى نهضة مصيرية حاسمة وحقيقية.