أخبار رئيسيةأخبار عاجلةأخبار وتقاريرشؤون إسرائيليةومضات

العمليات الفردية… كابوس يثير خشية السلطات الإسرائيلية

بدّدت الرصاصات التي أطلقها أمير صيداوي، بعد منتصف ليل أمس الأول، باتجاه حافلة تقل مستوطنين قرب حائط البراق في البلدة القديمة من القدس المحتلة، الوهم الإسرائيلي بالانتصار على “العمليات الفردية”، بعد سبع سنوات من موجة متواصلة من هذه العمليات، انطلقت في العام 2015 واستنزفت القوات الاسرائيلية، التي وجهت مواردها لمحاولة قمع الظاهرة، واجتثاثها.

وأكدت العملية، التي لا تزال تداعياتها وارتداداتها غير معروفة حتى الآن، عقم كل البرامج السيبرانية والاستخباراتية الإلكترونية، بما فيها تطوير برامج خاصة لمتابعة ومراقبة شبكات التواصل الاجتماعي الفلسطينية في القدس ومحيطها، سعيًا لمحاولة “اصطياد” فلسطينيين وفلسطينيات يمكن استشراف ومعرفة نواياهم بشأن تنفيذ عمليات في مدينة القدس أو مواقع أخرى.

مخاوف من تداعيات انتخابية

وقد أقرّ رئيس الحكومة الاسرائيلية يئير لبيد، عندما أعلن عن حشد واستنفار قوات كبيرة في القدس لمنع وقوع عمليات إضافية، أو عمليات فردية تقلّد صيداوي، عمليًا بهذا الخوف، وهو يدرك التداعيات الانتخابية المحتملة لعمليات تقليد لصيداوي على فرصه في الوصول إلى ائتلاف حكومي معادٍ لرئيس الحكومة السابق بنيامين نتنياهو، يضمن له ائتلافًا حكوميًا من 61 نائبًا على الأقل، في الانتخابات المقررة مطلع نوفمبر/تشرين الثاني المقبل.

وتزامن إقرار لبيد هذا مع تهديدات أطلقها وزير أمنه بني غانتس، ومحاولات توجيه الشكر لشرطة الاحتلال في القدس والأجهزة الأمنية لـ “سرعة” تعاملها مع العملية، التي أدت إلى إصابة 8 مستوطنين، والوصول إلى هوية منفذها، والضغط حتى يسلم نفسه.

وسيطرت حالة من “النشوة” على الأجهزة الأمنية الإسرائيلية بعد سلسلة عمليات الاغتيال لنشطاء في الفصائل المختلفة في الضفة الغربية المحتلة، ولا سيما في محافظتي جنين ونابلس، وآخرها عملية اغتيال إبراهيم النابلسي، واعتقال نشطاء من عدة تنظيمات فلسطينية، بينها “حماس” و”الجهاد الإسلامي”، وحتى كتائب “شهداء الأقصى” من جهة، والاعتقاد الإسرائيلي بقدرة العدوان الأخير على غزة، على كسر مصطلح “وحدة الساحات” الذي أطلقته حركة الجهاد الإسلامي، من جهة أخرى.

وتشكل العملية التي نفذها أمير صيداوي قلقًا للسلطات الاسرائيلية، لأنها تذكرها بأن كل الخطوات التي اتخذتها منذ انتفاضة الأفراد والسكاكين في العام 2017، قد تذهب هباء في حال وقوع عملية إضافية واحدة، فكيف هو الحال إذا وقعت عدة عمليات، وفي قلب القدس؟

استفادة نتنياهو من حالة الهلع

وقد يؤدي هذا الأمر إلى إدخال إسرائيل في حالة هلع، قد يوظفها نتنياهو بنجاح منقطع النظير، ضد الحكومة الحالية ورئيسها ووزير أمنها، وربما يحاول استعادة نجاحه خلال موجة العمليات والتفجيرات المتتالية التي نفذتها “حماس” و”الجهاد الإسلامي”، بعيد توقيع اتفاقيات أوسلو ووقوع عمليات دامية، أسقطت عشرات القتلى الإسرائيليين، ولا سيما العملية الأبرز في بيت ليد في 1995، التي أوقعت في تفجيرين متتاليين فصل بينهما نحو 20 دقيقة في محطة تجمع جنود، 22 قتيلًا وعشرات الجرحى.

وفيما كانت اسرائيل توجه جهودها العسكرية والاستخباراتية منذ العام الماضي عمليًا، حتى قبل إشهارها لعملية “كاسر الأمواج” لملاحقة واعتقال وتصفية خلايا عسكرية تابعة إلى “حماس” و”الجهاد الإسلامي” في مختلف أنحاء الضفة الغربية، تبين عملية صيداوي حالة التراخي الأمني في كل ما يتعلق بحملات تل أبيب السيبرانية السابقة، وإغفالها لسيناريوهات عودة العمليات الفردية التي قد ينفذها من هم بعيدون عن الرصد الأمني التقليدي.

ويبدو أن هذا الأمر قد وقع بالرغم من تصاعد حالة التوتر، الدائمة تقريبًا، في القدس المحتلة، سواء بفعل تكريس حكومة لبيد ــ نفتالي بينت، خلال العام الماضي للاقتحامات الإسرائيلية للأقصى في تقسيم زماني واضح، وتحديد موعدين يوميًا، لتنفيذ هذه الاقتحامات، بين السابعة والعاشرة صباحًا، وبين الواحدة والنصف والرابعة بعد الظهر، مع توجيه الاهتمام والأنظار بالأساس لنشاطات المرابطين والمرابطات.

وعلى الرغم من أن سلطات الاحتلال واصلت في القدس سياسات التهويد والهدم والطرد وأسرلة المناهج التعليمية، إلا أن شعورها بالقوة والانتصار في ظل تردي حالة السلطة الفلسطينية وتعمق الانقسام، واعتقادها بالسيطرة على المقدسيين، جعل أجهزتها الأمنية تُركز نشاطها في دوائر محددة، وهو ما مكن عمليًا أمير صيداوي من تنفيذ عمليته والتحرك لمدة ست ساعات بعد تنفيذ العملية دون أن تعترضه سيارة شرطة واحدة.

احتقان فلسطيني في القدس

لكن مقابل هذه الإخفاقات التي مكنت صيداوي من تنفيذ العملية بسهولة نسبيا، لبعده عن السجل الأمني الاستخباراتي، فإن حالة الاحتقان الفلسطينية الشديدة في القدس، مع غياب مظلة فلسطينية حقيقية داعمة للمقدسيين، تفتح الباب أمام احتمال حصول عمليات أخرى، يتخوف منها الاحتلال، بفعل ما سيكون لها من أثر، ليس فقط في السياق الانتخابي، وإنما أيضًا، في فتح جبهة جديدة، اعتقد الاحتلال أنه تمكن ببرامج المراقبة السيبرانية، من إغلاقها والتغلب عليها.

ولعل من المفارقة أن طمع الاحتلال في أسرلة المقدسيين، منذ بدأ مخططات التهويد والمصادرة والاقتلاع بعد احتلال الشطر الشرقي من المدينة في العام 1967، واضطراره لمنح المقدسيين “بطاقات هوية إقامة دائمة” زرقاء تتيح لهم حرية التحرك، ليس فقط داخل المدينة وإنما أيضا داخل الخط الأخضر، يشكل الثغرة التي ينفذ منها منفذو العمليات الفردية في تنفيذ عملياتهم، مستفيدين من حرية التنقل والوصول لكل مكان في المدينة وخارجها، فيما يواجه الاحتلال معضلة في محاربة موجة جديدة من هذه العمليات بالذات في مدينة القدس، بعد أن وجه كل جهوده حتى الآن لمنع عمليات في الضفة الغربية المحتلة.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى