ليبيا… المتاجرة حتى بالأزمات الإنسانية
ألقى الانقسام السياسي الليبي بظلاله على فاجعة انفجار صهريج لنقل وقود، جنوبي البلاد، الإثنين الماضي، والذي أسفر عن وفاة 9 أشخاص وإصابة ما يزيد عن 56 آخرين بحروق أغلبها بليغة.
وبحسب مسؤولي جهاز الإسعاف والطوارئ، فإن عدد الوفيات ارتفع، بعدما كان خمسةً بدايةً، بسبب وفاة مصابين في مستشفيات بالمنطقة، والتي لم تتوافر فيها أي إمكانات.
وإثر نداءات الاستنجاد التي أطلقها المجلس البلدي في منطقة بنت بيه التي وقع فيها الانفجار (بين سبها وأوباري)، وعدد من بلديات ونشطاء وقيادات في الجنوب الليبي للإسراع في إسعاف المصابين، أعلنت الحكومتان، حكومة الوحدة الوطنية والحكومة المكلفة من مجلس النواب، الاستجابة للنداء. لكن، وبدلاً من تحييد الخلافات السياسية جانباً، والاضطلاع بمسؤولياتهما، ولو على الصعيد الإنساني، حدث ما لم يكن متوقعاً.
فبعد إطلاق حكومة الوحدة جسراً جوياً بين سبها، جنوبي البلاد، والعاصمة طرابلس، منعت تشكيلات مسلحة داعمة لحكومة مجلس النواب، الطائرات من الهبوط، وإحداها كانت تقلّ وزيرة الخارجية في حكومة الوحدة نجلاء المنقوش، رفقة عدد من مسؤولي الحكومة. وهدّد آمر مليشيا حماية مطار سبها، طائرة المنقوش، طالباً منها مغادرة المطار، رفقة الطائرتين الأخريين، تحت طائلة قصفها جميعاً. وأصدر آمر المليشيا أوامره بقصف أي طائرة آتية من طرابلس، والسماح فقط لطائرات الإسعاف العسكرية القادمة من بنغازي بالهبوط، والتي لم تصل إلا بعد ساعات.
ووفقاً لبيان لجمعية “الهلال الأحمر الليبي” في بنغازي، فإن فرق الطوارئ التابعة لها استقبلت 37 مصاباً، وصلوا عبر طائرات أقلّتهم من سبها إلى بنغازي، وتمّ توزيعهم على عدد من المصحات والمستشفيات في المدينة، بينما هرع ذوو بقية المصابين بهم، برّاً، إلى المصحات الخاصة في طرابلس وفي مدن أخرى، على الرغم من بعد المسافة.
وليست حادثة انفجار صهريج الوقود في بنت بيه، الأولى التي يتم فيها استغلال الأوضاع الإنسانية، في الجنوب الليبي أو في غيره من أنحاء ليبيا، للتكسب السياسي. لكن أن تتم المتاجرة بحياة الناس، حتى يسقط المزيد من الضحايا، فتلك قمّة الفجور السياسي من جانب كل الأطراف.
وقد أعلنت وزارتا الداخلية في الحكومتين، بدء فتح تحقيق في الحادثة، وقالت كلّ منهما إن سبب الحادثة هو تدافع المواطنين حول الصهريج على الرغم من انقلابه، لكن أيّ منهما لم تتحدث عن أسباب ارتفاع عدد الوفيات، وهي أسباب مرتبطة بكل تأكيد بعرقلة جهود الإسعاف، كما لم تكشف عن الجهة المسؤولة عن ذلك.
موجة الغضب التي شهدتها صفحات النشطاء الليبيين على مواقع التواصل الاجتماعي، وبيانات المحتجين على الأرض في الجنوب الليبي، لم تأبه بمنع المنقوش ومرافقيها الحكوميين من النزول في سبها، كما لم تكترث لوصول عدد من مسؤولي الحكومة المكلفة من مجلس النواب لزيارة المصابين في بنغازي والتقاط الصور إلى جانبهم، بل كانت معظمها تصدح باللعنات على المتصارعين على الحكم، وكيف هم يتاجرون حتى بالأزمات الإنسانية.
يتساءل أحدهم: “أين ما يسمى بالجيش (مليشيات اللواء المتقاعد خليفة حفتر) من سيّارات مهربي الوقود عندما تمر من جانبهم إلى دول الجوار، وهي التي لا تتورع عن إطلاق الرصاص لترهيب سيارة أي مواطن لا تتوقف أمام بواباتها، وتغض الطرف عن سيارات تهريب الوقود إلى دول الجوار؟ أليست مسؤولة عن حادث الانفجار، بسبب أزمة الوقود؟”.